الأخبار من دمشق تؤكد بأن الليرة السورية قد وصلت إلى مستوى مريع من السقوط المتسارع حيث تجاوز سعر صرف الليرة السورية اليوم 600 ليرة مقابل الدولار!!
من المؤكد أن الحجر الأساسي في منظومة إقتصاد العصابة الأسدية هو “سعر صرف الليرة السورية”، ولهذا فإن العصابة الأسدية كانت وماتزال تستميت لتثبيت سعر صرف الليرة السورية، ولكن لماذا؟
للإجابة على هذا السؤال يجب علينا معرفة بعض الحقائق على الأرض ومن داخل سورية.
من المعروف أن العصابة الأسدية كانت تحصل على موراد مالية كبيرة محلياً بالليرة السورية وخاصة من قطاع الإتصالات وتقوم بتحويلها إلى العملات الأجنبية لتكوين إحتياطيات نقدية بالعملة الصعبة، وبالطبع فإنه من مصلحتها إبقاء سعر الصرف في أدنى مستوياته للحصول على تلك العملات الأجنبية. وهناك سبب آخر وهو أن العصابة الأسدية تقوم بتمويل جميع عملياتها الأمنية الإجرامية بالليرة السورية حصرياً، وبهذه العملة المحلية يتم دفع رواتب العصابات الإجرامية (الشبيحة)، إنهيار سعر صرف الليرة السورية سوف يؤدي للتضخم وفقدان قيمتها الحقيقية، أي أن الشبيح المجرم لن يرضى بالراتب الذي كانت العصابة الأسدية تدفعه له سابقاً لأن ذلك المبلغ قد إنخفض كثيراً بقيمته المادية الفعلية، ومن المؤكد أن الشبيحة المجرمين سوف ينقلبون تلقائياً على أسيادهم زعماء العصابة الأسدية بسبب تضخم الليرة السورية وفقدان قيمتها الشرائية، وهذا هو حال جميع ضباط الجيش وعناصر المخابرات الذين سوف يتذمرون من أسيادهم زعماء العصابة الأسدية بسبب تضخم الليرة السورية وفقدان قيمتها الشرائية، ولنفس السبب سوف ينتفض الموظفين بكافة الدوائر الحكومية ضد زعماء العصابة الأسدية لأن الرواتب التي يقبضونها لن تكفي لشراء إحتياجياتهم المعيشية الأساسية.
وتحاول العصابة الأسدية تأمين الموارد المالية اللازمة بأي طريقة لدفع رواتب الأجهزة الأمنية والعسكرية التي يتجاوز عدد العاملين فيها حوالي نصف مليون عنصر بالإضافة لعشرات الآلاف من “الشبيحة” بالإضافة إلى العمال والموظفين في القطاع العام الحكومي الذي يعمل به مليون موظف وعامل وحوالي نصف مليون متقاعد، وبعملية حسابية سريعة فإن العصابة الأسدية بحاجة إلى 60 مليار ليرة شهريا لدفع رواتب مليوني شخص بمتوسط راتب 30,000 ليرة، والمدهش أن متوسط الرواتب كان يعادل 600 دولار عندما كان سعر الصرف 50 ليرة للدولار قبل خمس سنوات وأصبح الآن يعادل 50 دولار فقط بسعر الصرف الحالي 600 للدولار!!!!!!!!
مشكلة زعماء العصابة الأسدية ليست فقط هي تضخم الليرة السورية وفقدان قيمتها الشرائية وإنما أيضاً توفرها (كاش) خاصة وأن طبع عملة جديدة متوقف حالياً. تضخم الليرة السورية وفقدان قيمتها وعدم توفر الكاش منها بسبب توقف طبع عملة جديدة هو كرة الثلج التي تتدحرج حالياً بسرعة وسوف تتسبب بأزمة سيولة مالية خانقة للعصابة الأسدية. مع العلم بأن الأوراق النقدية السورية الموضوعة في التداول (الكتلة النقدية) هي 600 مليار ليرة سورية وهي تنكمش بسرعة بسبب تهريبها للخارج، وهذا يدل بوضوح على أن العصابة الأسدية قد أصبحت فعلياً على وشك الإفلاس الحقيقي. مصرفيون سوريون يؤكدون بأن أوراقاً نقدية جديدة طبعت في روسيا قد طرحت بالفعل للتداول بكميات كبيرة في دمشق وحلب، هذه الأوراق النقدية الجديدة لم تُطرح فقط لاستبدال الأوراق المهترئة، بل لدفع الرواتب وتمويل النفقات الحكومية، وهي خطوة تسببت بزيادة التضخم وتفاقم الأزمة الاقتصادية وهذا دليل مؤكد على أن العصابة الأسدية قررت “الإنتحار إقتصاديا”.
والسؤال الأهم هو كيف تتمكن العصابة الأسدية من تمويل الإنفاق الإضافي الكبير لدعم الليرة السورية والتحكم بالتضخم وتمويل تكلفة دعم السلع الأساسية ودفع رواتب القطاعات الحكومية والشبيحة والمرتزقة والمخابرات والجيش وشراء السلاح؟ ومن أين ستؤمن العصابة الأسدية الموارد المالية الضخمة لتمويل هذا الإنفاق الإضافي الهائل ودفع تكاليف القمع منذ بداية الثورة السورية؟
من الواضح أن العصابة الأسدية كانت تقوم بإستخدام الإحتياطي المالي للدولة لتمويل الإنفاق الهائل منذ بداية الثورة السورية، مع ملاحظة تصريح محافظ مصرف سورية المركزي بتاريخ 29-06-2011 بأن “الاقتصاد السوري قوي وسليم”، مؤكداً أن “الأموال الاحتياطية في سورية تغطي احتياجاتها من المستوردات لأكثر من سنتين”، وموضحاً أن “لدى الحكومة ما لا يقل عن 18 مليار دولار من احتياطات العملات الأجنبية”، وأنها “تعتمد على مواردها الذاتية في مجال الأمن الغذائي”.
لكن من المؤكد الآن بأن العصابة الأسدية قد إستنزفت معظم الإحتياطي المالي لديها لتمويل الإنفاق الهائل لدعم إستمرار العمليات الأمنية، كل ذلك يؤكد أن العصابة الأسدية قد أفلست فعلياً. المشكلة المزمنة للعصابة الأسدية هو الإقتصاد المنهار والمشاكل المالية الخطيرة التي تتراكم بسرعة ولايوجد لها حل عملي، وهناك مشكلة أخطر وهي استنزاف الإحتياطي من النقد الأجنبي بكامله، وهذه كارثة حقيقية للعصابة الأسدية لأنها لن تتمكن بعد الآن من تمويل مستورداتها الضرورية. من المعروف أن 70% من موارد الدولة المالية في سورية مصدرها الأساسي هو الرسوم والضرائب، وهناك الآن تراجع كبير في دفع فواتير الخدمات العامة والضرائب والرسوم الحكومية، وفي المقابل لن تتمكن العصابة الأسدية من الإنفاق المالي الهائل على المؤسسات الأمنية والعسكرية والحزبية. وهناك تقارير إقتصادية دولية تتحدث عن إفلاس حقيقي ومؤكد لخزينة الدولة السورية بسبب الحرب المتواصلة على الشعب السوري وإنخفاض الموارد المالية وزيادة الإنفاق الحكومي بشكل كبير وهذا يعنى أن الدولة الأسدية على وشك الإنهيار الإقتصادي قريباً جداً.
لقد تسببت حرب العصابة الأسدية على الشعب السوري والمقاطعة الإقتصادية والعقوبات العربية والدولية بتوقف شبه كامل للإستيراد والتصدير، وشلل معظم القطاعات البترولية والصناعية والزراعية والإتصالات والمواصلات العامة والنقل البري والبحري والجوي، وجمود كافة منشآت القطاع السياحي الذي يرفد خزينة الدولة ب 23% من وارادتها المالية ويعمل به 15% من إجمالي القوة العاملة في سوريا وأدى ذلك لتفاقم مشكلة البطالة إلى مستوى خطير، كما أن معظم الإستثمارات الخارجية في سورية (وهي بمئات المليارات) قد تم إلغاؤها أو تجميدها وهذا كان له تأثير مضاعف على الإقتصاد السوري، من حيث خسارة العوائد المالية وإرتفاع نسبة البطالة. ومن الواضح الآن أن الوضع الإقتصادي في سورية منهار تماماً، العديد من البنوك والشركات التجارية لم تُفصح عن بياناتها المالية السنوية لمحاولة إخفاء الأخبار السيئة عن الوضع الإقتصادي الكارثي، الكثير من الشركات التجارية والصناعية الكبرى في سورية قد أفلست فعلياً وتوقفت عن العمل جزئياً أو بالكامل وقامت بتسريح كافة موظفيها، وهناك أخبار مؤكدة بأن العديد من البنوك السورية الخاصة قد وصلت لمرحلة إفلاس حقيقي، ولايوجد أدنى شك بأن إنهيار مقومات الإقتصاد السوري قد أصبح أقرب من أي وقت مضى.
تقارير المنظمات الإقتصادية الدولية تؤكد تحول الإقتصاد السوري إلى إقتصاد المقايضة BARTER وهو أسلوب تجاري بدائي يدل على إنهيار خطير في المقومات الأساسية للإقتصاد السوري وإنكماشه على نفسه داخلياً، كما أن التصريحات الرسمية للمسؤولين في الحكومة السورية تؤكد على لجوئهم لهذا الحل الإضطراري بسبب العقوبات الإقتصادية الدولية والحظر التجاري. وهذا مؤشر هام يدل على فشل ذريع وغير مسبوق في المقومات الأساسية للإقتصاد السوري والدولة السورية عموماً التي تم تصنيفها دولياً بأنها دولة “فاشلة”.
العصابة الأسدية ستسقط قريباً بإذن الله لأنها أفلست فعلياً وأصبحت خزائنها خاوية، والحديث عن دعم مالي متواصل من العراق وإيران وروسيا هو غير واقعي لأنه يبقى محدوداً وليس له ضمانات ولن ينقذ أبداً العصابة الأسدية من السقوط المؤكد وقد أصبح ذلك قريباً إن شاء الله. الحديث عن مأساة الإقتصاد السوري، الذي نهبته العصابة الأسدية، ذو شجون وفيه الكثير من التفاصيل المؤسفة التي لايمكن ذكرها الآن لضيق الوقت، ولكن من المؤكد أن الإنهيار الشامل في جميع مفاصل الإقتصاد في “سورية الأسد” قد أصبح حقيقة واقعية واضحة ومعروفة وإعلان ذلك رسمياً قد أصبح مسألة وقت لا أكثر.
محمد السمان : المؤسس والمدير التنفيذي مركز سورية الاستشاري