كشفت مجلة فورين بوليسي الأميركية، نقلاً عن مصادر دبلوماسية، أن اتفاقاً سرياً لوقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وروسيا بجنوب غربي سوريا بدأ الأحد الماضي، يدعو إلى منع المقاتلين الأجانب الذين تدعمهم إيران من التوسع الاستراتيجي في الأراضي السورية بالقرب من حدود إسرائيل والأردن.
وبينما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنه اتفاق هام من شأنه أن ينقذ الأرواح، إلا أنه لم يتم الإعلان سوى عن تفاصيل قليلة حول الاتفاق.
ويبدو أن المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية -الذين سيكونون مسؤولين عن مراقبة الاتفاق- لا يعلمون شيئاً عن تفاصيله حتى الآن، حسب تقرير لـ”فورين بوليسي“.
وينص الاتفاق الذي تم التوصل إليه بالتفصيل في مذكرة مبدئية لوقف التصعيد في جنوب سوريا، على وقف إطلاق النار بين القوات الحكومية السورية وجماعات المعارضة المسلحة، وقد دخل حيز التنفيذ يوم الأحد 9 يوليو/تموز 2017.
ويدعو إلى تحويل جنوب سوريا، جنوب القنيطرة والسويداء، إلى منطقة حظر للمقاتلين “من غير السوريين”، وضمن ذلك القوات الإيرانية ووكلاؤها والمقاتلون المرتبطون بتنظيم القاعدة وتنظيم داعش، الذي له وجود محدود في المنطقة، وفق “فورين بوليسي“.
مطالب إسرائيل
وذكر تقرير “فورين بوليسي” أن هذا الاتفاق يهدف إلى تلبية مطالب إسرائيل والأردن -والأردن طرف في الاتفاق- بعدم السماح للقوات الإيرانية ووكلائها، وضمن ذلك حزب الله، بالاقتراب من مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، والتي تفصل سوريا عن إسرائيل، أو على طول الحدود الأردنية.
لكن الدبلوماسيين والمراقبين الأميركيين السابقين تساءلوا عما إذا كان الاتفاق قابلا للتنفيذ حقا، معربين عن شكوكهم في أن روسيا يمكن أن تعمل كضامن موثوق به لوقف إطلاق النار الذي يشمل النظام السوري وإيران ووكلائها.
قال جيرالد فيرستاين، الدبلوماسي الأمريكي المخضرم الذي تقاعد العام الماضي 2017: “السؤال هو:من الذي سيفرض تطبيق ذلك؟ هل ستتحمل روسيا مسؤولية إخبار إيران بما يجب فعله؟ الإيرانيون أقرب بكثير إلى موقف الأسد في سوريا من الروس”.
كما أن لديهم نفوذا أكبر بكثير. وأضاف، في تصريح أدلى به لمجلة “فورين بوليسي” الأميركية: “إن الإيرانيين ووكلائهم يقومون بجزء كبير من القتال داخل سوريا”.
وأعلن المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، أن اتفاق الهدنة الذي أعلنه الرئيسان الروسي، فلاديمير بوتين، والأميركي، دونال ترمب، ليس ملزماً لطهران.
ونقل موقع قناة العربية عن قاسمي قوله إن إيران لن تكون ضامنة للاتفاق الأميركي الروسي، وستستمر في التشاور مع موسكو بموجب التفاهمات التي تم التوصل إليها في محادثات #أستانا الخاصة بالأزمة السورية.
كما ذكر أن بلاده ستقبل بالهدنة في حال تم تعميمها على سائر الأراضي السورية وتم دعم التفاهمات التي حصلت في أستانا حول مناطق خفض التوتر.
هل يفي الكرملين بوعوده؟
ومع وجود مقود القيادة في أيدي إيران، أعرب دبلوماسيون أميركيون محنكون عن شكوكهم فى أن الكرملين يستطيع الوفاء بوعوده، حسب فورين بوليسي.
وقال فريد هوف، المستشار السابق لوزارة الخارجية لشؤون الانتقال في سوريا: “إن مفتاح بقاء نظام الأسد هو إيران وليس روسيا. هل يحاول الروس تسريع هذا [الاتفاق] دون اتفاق ثابت مع النظام ودون فهم واضح لما قد يكون البديل الآخر.
منذ مايو/ أيار 2017، فشل الروس في إقناع جماعات الميليشيات المدعومة من إيران أو النظام السوري باحترام “منطقة فك الاشتباك” التي أعلنها القادة الأميركيون بالقرب من نقاط تمركز الجيش الأميركي في جنوب شرق سوريا.
وعلى الرغم من أن ضباط أميركيين أبلغوا نظرائهم الروس حول المنطقة المحيطة بالتنف، إلا أن الميليشيات المدعومة من إيران والطائرات المقاتلة السورية تجاهلت التحذير واتجهت نحو قوات العمليات الخاصة الأمريكية وحلفائها الأكراد والعرب السوريين.
ونتيجة لذلك، أسقطت الطائرات الأميركية طائرة مقاتلة سورية وطائرة إيرانية الصنع، وقصفت أيضا الميليشيات المدعومة من إيران في المنطقة.
بالنظر إلى السجل الحافل حتى الآن، “لماذا يجب أن نعتقد أن الوضع سيكون مختلفا في ظل وقف إطلاق النار هذا؟” تساءل أحد موظفي الكونغرس.
مقاتلة الأسد
لم يكن الجميع متشائما بنفس القدر. وقال أندرو تابلر، زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إن الهدوء النسبي في جنوب غرب سوريا، واستمرار واشنطن في التأثير على فصائل المعارضة التي تدربها لتقاتل الرئيس بشار الأسد، يمثل أرضية ثابتة للتعاون الأميركي والروسي.
وإذا نجح هذا التعاون، يمكن الاستفادة منه في أجزاء أخرى من البلد. وأضاف تابلر “اعتقد ان الامر يستحق المحاولة. إذا كنا سنختبر شيئا فهذا مكان جيد لاختباره”.
وقال هوف الموجود حاليا في المجلس الأطلسي: “قد يكون هذا الأمر طبق أساسا لطمأنة الإسرائيليين بأن هذه العناصر لن تعمل بالقرب من مرتفعات الجولان”.
ويطالب الاتفاق بالحفاظ على الترتيبات القائمة للحكم والأمن في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في جنوب غرب سوريا، الأمر الذي يهدف إلى ردع قوات الحكومة السورية عن استعادة الأراضي في المنطقة.
الا ان بعض المراقبين قالوا ان هذا الترتيب يمكن أن يساعد أيضاً على تقسيم جنوبى سوريا بصورة دائمة. وقال أحد المراقبين الدبلوماسيين إن “هذا يرسخ تقسيم سوريا”.
ويدعو الاتفاق أيضاً إلى وصول العاملين في مجال المساعدات الإنسانية دون عوائق وتهيئة الظروف لعودة اللاجئين من جنوب غرب سوريا. وقد استقبل الأردن أكثر من 650 ألف لاجئ سوري مسجل منذ بدء النزاع قبل أكثر من ست سنوات.
“لافروف يحب التحدث كثيرا”
وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الاثنين الماضي عن إنشاء مركز مراقبة في الأردن لكن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية هيذر نورت رفضت تأكيد أي تفاصيل. وقالت “لافروف يحب التحدث كثيرا”.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية لوكالة الأنباء الفرنسية إن الولايات المتحدة وروسيا لا تزالان تحاولان وضع تفاصيل الاتفاق “بما في ذلك كيفية مراقبة وقف إطلاق النار والقواعد التي تحكم منطقة منع التصعيد في الجنوب الغربي، وجود المراقبين “.
وقال المسؤول “اننا ندرس خيارات مختلفة لترتيبات المراقبة بحيث يمكن تبادل المعلومات وحل الخلافات من خلالها”.
وردا على سؤال حول ما إذا كانت متفائلة بشأن وقف إطلاق النار، قالت نورت “ربما التفاؤل كلمة أقوى من اللازم. لكنني اعتقد ان الوضع واعد، إلى حد ما، فقد تمكنا من التوصل إلى وقف لإطلاق النار “.
وينص الاتفاق الذي تم التوصل اليه بعد اجتماع ترامب الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مزيد من التنسيق بين القوى العظمى في الحرب الباردة السابقة في مكافحة الارهابيين في سوريا.
و يعتقد وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن الاتفاق قد يكون نموذجا للمزيد من التعاون في شمال سوريا، ويوفر “أول مؤشر على قدرة الولايات المتحدة وروسيا على العمل معا في سوريا”.
كما اعترفت موسكو بأن جهودا منفصلة للتفاوض على وقف إطلاق النار في أستانا، كازاخستان، مع إيران وتركيا كانت متشابكة.
وكانت سلطات الدول الثلاث قد وقعت في 4 مايو / أيار 2017، اتفاقا لإنشاء أربع مناطق تسمى “مناطق منع التصعيد” في جميع أنحاء سوريا. ولكنهم لم يتمكنوا من الاتفاق على هوية القوات التي ستراقب وقف إطلاق النار.
وقال مصدر دبلوماسي “ليست بالضرورة هذه صفقة رائعة للروس. “أظن أنه بعد الفشل المهين في أستانا، كان بوتين بحاجة إلى” نجاح “ ليعلن عنه وتحويل الانتباه عن فشل أستانا”.
وذكرت فورين بوليسي أنه سيشرف على وقف إطلاق النار مسؤولون من الولايات المتحدة وروسيا والأردن فى وحدة مراقبة فى عمان بالأردن. يذكر أن إسرائيل ليست طرفا رسميا فى المعاهدة ولكنها شاركت بنشاط وراء الكواليس فى المناقشات المؤدية إلى الاتفاق.
البنتاغون متشكك
وقال هوف إن الترتيبات الخاصة بمركز المراقبة المشترك يشبه خطة طرحها وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري لتنسيق الجهود لمواجهة المتطرفين في شمال غرب سوريا. وقال هوف “كانت القيادة المركزية الأميركية متشككة بشدة في ذلك عندما اقترح لأول مرة. وأضاف “إنهم يخشون من ان ينفذ الروس هجمات على منطقة حضرية من شأنها أن تسفر عن سقوط ضحايا مدنيين”.
في الواقع، يبدو أن الجيش الأميركي لم يتم استشارته هذه المرة. موقع بازفيد الأميركي ذكر الإثنين الماضي أن كبار مسئولي البنتاغون لم يشاركوا فى التخطيط أو يطلعوا على دورهم فى هذا الترتيب.
وأكد عسكرى أميركي لـ “فورين بوليسي” أن البنتاغون وقيادة المنطقة المركزية ليس لديهم سوى القليل من المعلومات حول وقف إطلاق النار المقترح وقال “اننا سنصل إلى هذا المستوى من التفاهم هذا الاسبوع”.
وقال الضابط إن الطائرات الأميركية نادرا ما تعمل في جنوب غرب سوريا لكن “سنحترم بالتأكيد وقف إطلاق النار” مضيفا أن الجيش الأميركي لم يقرر ما إذا كان سيطلق دوريات جوية قتالية لتطبيق أي اتفاق.
وقال الضابط إن الوضع الأكثر احتمالا سيشهد اتفاقا للمراقبة “عن بعد” حيث سيجلس أفراد عسكريون اميركيون مع ضباط روس في المرفق المقترح في عمان، على الرغم من أنه “يتعين علينا معرفة ما يعنيه الأمر بالضبط، وعلينا معرفة ما هي الاختصاصات بين الروس والولايات المتحدة، وإذا ما كان السوريون حتى طرف فيها “.
هل يعمل الأميركيون مع الإيرانيين؟
بيد أن القوات الأميريكية لن تعمل مباشرة مع الإيرانيين أو السوريين. وقال الضابط “إن افتراضنا هو إذا أراد الإيرانيون والسوريون أن يطلعوا على الوضع، فان الروس سيصبحون وسيطا في كل الأمور”.
وقال مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب، ماكماستر، يوم الجمعة الماضي 7 يوليو/تموز 2017، إن “الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بهزيمة داعش، والمساعدة على إنهاء الصراع في سوريا، والحد من المعاناة، وتمكين الناس من العودة إلى ديارهم”. واضاف “ان هذا الاتفاق يعد خطوة هامة نحو تحقيق هذه الأهداف المشتركة”.
ولكن لا تزال هناك تساؤلات كثيرة حول قابلية تنفيذ. فالمنطقة بها عدة جماعات معارضة مسلحة تدعمها الولايات المتحدة وتركيا والأردن ودول الخليج العربي، وبها أيضا جيوب صغيرة من القوات الموالية للقاعدة وتنظيم داعش. ولا تمارس الولايات المتحدة تأثيرا يذكر على هذه الجماعات المتطرفة، مما يجعلهم مفسدين محتملين للاتفاق.
وفي 9 يوليو / تموز 2017، كتب ترامب على تويتر أن وقف إطلاق النار في سوريا يبدو قائما. وبالنسبة لموسكو، وضع الاتفاق بوتين في دور صانع السلام، حتى مع استمرار روسيا في تقديم الدعم الجوي للعمليات الهجومية السورية.
وقال جوشوا لانديس، وهو باحث في الشؤون السورية في جامعة أوكلاهوما “هذا الاتفاق غير مجدٍ. فالأميركيون لا يستطيعون السيطرة على هذا الوضع”.