اتفاقية جنيف.. نوبة صرع في جسم نظام ولاية الفقيه
محمد إقبال
وصفت جريدة قريبة من تيار خامنئي في إيران يوم 20 من يناير الحالي أي يوم دخول اتفاقية جنيف لإيران مع البلدان الغربية حيز التنفيذ بـ«اليوم الاسود” قائلة: «ما يدعو للاستغراب هو أن بعضا من الحقوقيين لا يعرفون معنى كلمة ”التسليم”». وعاد إلى الأذهان التشكيك في شعار النظام الاستراتيجي أي «الطاقة النووية حقنا المسلم له ولن نتنازل عنها» حيث كان لسنوات هو شعار اعلى سلطات النظام وقالت: «علينا ان نعترف بانه في يوم 20 من يناير لم تكن الطاقة النووية حقنا المسلم به».
من المبكر الآن ان نتمكن من تحليل آثار كأس السم التي تجرعه النظام الايراني، ولكن من الممكن أن نرى بأن نوبات الصرع في نظام ولاية الفقيه تعمقت بشكل واضح. ففي حين يعلن علي اكبر صالحي رئيس وكالة الطاقة الذرية لإيران بأن أجهزة تخصيب اليورانيوم في مدينتي نطنز وفردو قد تم ختمها بالشمع الأحمر، وفي حين يؤكد ان هذا «كان طوعيا وعلى أساس اتفاقيات سابقة»، ولكن شريعتمداري ممثل خامنئي في جريدة كيهان الحكومية يعتبر ان الفريق المفاوض «تم خداعه» وحسن روحاني رئيس الجمهورية للنظام «يبالغ كثيرا ويغطي الحقائق»، تطرح سؤالا لخامنئي ولي الفقيه قائلة: «إلى أين نذهب؟» ويتحدث عن«ضرورة اعادة النظر والوقاية الضرورية من قبل المسؤولين المحترمين للنظام».
ويقول خامنئي بلسان ممثله في جريدة كيهان «لماذا الحقائق المتعلقة باتفاقية جنيف تم حجبها» وما اعطوه للنظام الإيراني هو «التخصيب التحقيقي» بدلا من «الاحتفاظ بحق التخصيب الصناعي». وسبق أن ذكرت جرائد النظام اكثر من مرة بأن «آقا» أي خامنئي قال «أنني قد قرأت الاتفاق ثلاث مرات غير إنني لم اجد في أي مكان منه اشارة إلى حق التخصيب».
ونعرف أنه وبعد تنفيذ اتفاقية جنيف، فان خامنئي نفسه قد لزم الصمت ولكن وسائل اعلام تياره لا تتمكن من حفظ الظاهر وتعتبر حسن روحاني من دخل بالتفاوض «مع حرامية العالم» و«يدرك العدو» و«يهين الصديق». الطرف المقابل لم يبق مكتوف الأيدي وهو يقوم بفضح اعمال السرقة والنهب التي تمارس من قبل جناح خامنئي. حيث تهاجم جريدة تابعة لهذا التيار الجناح المقابل قائلة: «وهم اكثر المنتفعين من العقوبات الدولية» محذرة من أن استمرار هذه السياسات «سيؤدي في نهاية المطاف إلى انتفاضة خبز اقتصادية».
وفي خضم هذه المعركة نشرت جرائد النظام صورة لها معانيها ومغازيها الخاصة حيث تحكي عن توازن جديد داخل النظام. وجمع خامنئي رؤس النظام وجموع من عناصر النظام خارج البلاد وداخله في بيته. وفي صورة فوتوغرافية تم نشرها في وسائل الاعلام الحكومية وخلافا للسابق نرى اكبر هاشمي رفسنجاني بجانب رؤساء القوات الثلاثة في طرفي خامنئي على المنصة. وبهذا فان رفسنجاني الذي هو رسميا رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام فقط يثبت مكانته على اساس انه الرجل الثاني للنظام. في المقابل نجد الملا جنتي رئيس مجلس خبراء النظام والذي قام خامنئي بحذف رفسنجاني بواسطته من مهزلة الانتخابات الرئاسية، جلس بين الحضور كعنصر من عناصر الدرجة الثانية للنظام.
علينا ان لا نستبعد الاحتمالات المختلفة: هل هذا النظام سيستمر إلى نهاية هذا الطريق ويذهب إلى نهاية الاتفاق النووي مع الغرب؟ أم وبعد خطوة واحدة إلى الامام في هذا الطريق ومشاهدة آثاره سيحاول ان يحتفظ بالموقف على شكل تجميده؟ أو سيتجه إلى اكمال القنبلة النووية من جديد؟
إن هذا النظام ونظرا إلى ضغوط يواجهها داخليا بشكل خاص ينتظر ليرى كم سيكون من التنازلات أمامه ومن ثم سيحدد الخطوة التالية. ولو كانت التنازلات قليلة وشعر نفسه انه تحت الضغط، فسيتراجع وينسحب اكثر فأكثر، وأما ان تم تدفق التنازلات إليه فانه لن يتحرك من مكانه وسيتجه بشكل حثيث إلى انتاج القنبلة النووية.
نعم إن القوانين الحاكمة على هذا النظام العائد إلى العصور الوسطى تختلف تماما مع القوانين الأخرى. والملالي رضخوا للتراجع بخطوة واحدة إلى الوراء تحت وطأة النقمات والأزمات الداخلية. وسبق للمقاومة الإيرانية ومجاهدي خلق أن حذرت أكثر من مرة في العقدين الماضيين من خطر نظام الملالي على المنطقة والذي يؤدي إلى اتساع التطرف.
ولو انتبه الغرب إلى هذه الانذارات والتحذيرات وهذا الخطر الجاثم على صدر المنطقة واخذها على محمل الجد لما بقي النظام الإيراني قد وصل الى ما وصل اليه حاليا، ولو كان الغرب يبدي حزما تجاه هذا النظام في هذه الجولة من المفاوضات لكان مشروع القنبلة النووية للملالي قد أغلق بالفعل في هذه المرحلة. وكما اعلنت السيدة مريم رجوي رئيسة الجمهورية المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية في اجتماع بمجلس الشيوخ الفرنسي يوم 21 من يناير الحالي أنه «على الحكومات الغربية أن ترغم النظام على قبول وتنفيذ كامل البروتوكول الاضافي وأعمال التفتيش المفاجىء. عليهم أن يرغموا الملالي على اغلاق كامل المواقع والانصياع لقرارات مجلس الأمن الدولي».
وأما النتيجة النهائية بأي حال من الأحوال، وفي ظل تراجع الخطوة الاولى للنظام، فان نوبة الصرع بدأت تهز جسم نظام ولاية الفقيه بعنف وقد يسرع هذا الموقف ما تنبأت به تلك الجريدة التابعة للنظام حين قالت: «مقبلون على ثورة خبز اقتصادية».
المصدر ايلاف