اتركوا عدسات مجاهركم وجداول الضرب، فليس صادقا مع الحياة من يحاول أن يعقلن كل شيء

wafasultan2015يسألونني إن كنت أعرف الله، فأقول: حياتي كلها طقوس وعبادة لا أمارس أي نشاط مالم يكن طقسا من طقوس العبادة!
………
في كتابه
Your Hidden Riches،
“الثراء الكامن داخلك”، وتحديدا في الصفحة 35، يقول المؤلف:
A strictly rational mind isn’t completely true to life, however. It leaves out the search for meaning at a higher plane of existence
(العقل الذي يحاول أن يعقلن كل شيء بحدّية ليس صادقا مع الحياة، ويسلب صاحبه الرغبة في البحث عن معنى أن يكون لوجوده بعد آخر وأعلى!)

لنفس السبب، لم أجرّد نفسي يوما من الرغبة في البحث عن بعد آخر لحياتي… لقد تحولت رغبتي هذه إلى شغف يشدني بلا حدود إلى اللامحدود…
….
عندما تحاول أن تعقلن كل شيء تتغاضى عن احتمال أن يكون له بعد آخر… وتضيّع عليك فرصة ان يأخذك البحث عن ذلك الإحتمال إلى مكان آخر وأجمل..

في نظري لا تستطيع أن تطبق جدول الضرب على كل شيء في الحياة… فالحياة بحد ذاتها لغز، لا يمكن حلّه تحت عدسة المجهر أو بطريقة حسابيّة!
……
لقد علمتني الحياة أن أعبد كل شيء لا أستطيع أن أعقلنه، وأن أحول علاقتي به إلى طقس من طقوس العبادة!
……
كيف أستطيع أن أطبع قبلة على جبين حفيدي آدم، ثم أعقلن الإله الذي يسكن في عينيه؟ أليس ذلك دليلا على أننا عندما نكبر ونحاول أن نعقلن كل شيء تهاجر الآلهة التي ولدت في أعيننا؟ كيف أستطيع أن أعقلن لحظة شبق بين نحلة وزهرة؟!!
كيف أستطيع أن أعلقن برعما صغيرا غضّا ينتشي ويشرأب تحت أشعة الشمس الحارقة والتي تشوي قطعة من اللحم خلال دقائق؟؟ طالما فكرت في الطاقة الكامنة في ذلك البرعم كأضعف كائن حي على سطح الأرض، والقادرة على مواجهة الشمس كأقوى وأكبر مصدر للطاقة في الكون… طالما فكرت فيها وعجزت عن عقلنتها، فقررت أن أعبدها! كيف أستطيع أن أعقلن دجاجة في قننا تصوّفت ودخلت محراب أمومتها لثلاثة أسابيع، عفّت خلالها عن كل ملذات الحياة كي ترقد على بيضها وتحلم برؤية صيصانها… طالما استغرقت بالتأمل في جناحي فراشة، فوجدت في سحرهما بعدا لا يقبل العقلنة ويستحق أن يُعبد!
طالما عجزت عن فهم العلاقة الودية التي تربط قطي الشرس “أموور” بأحفادي، فيتقبل غلاظتهم أكثر مما يتقبل وداعتي، وطالما تساءلت: هل يمتص ذلك القط طاقتهم الطفولية البريئة ويأبى أن يمتص طاقتي التي لوثها خبث الكبار؟!
حاولت مرارا أن أستوعب نسمة عليلة تهب على وجهي في يوم صيفي حار، وتحلق بي إلى بعد لم أكن أدرك وجوده من قبل، لكنني عجزت! وعجزت أيضا عن ادراك سرّ العلاقة بين الإبتسامة واشراقة الوجه، فقررت أن أعبد كل وجه مبتسم!
لم أكن أقل ذهولا وأنا أراقب دودة صغيرة تدفع نفسها خارج شرنقتها، لم أكن أقل ذهولا مني وأنا أراقب جنينا يدفع نفسه خارج رحم أمه معلنا بدء الحياة.. في كلا الحالتين عجزت عن عقلنة قوة الدفع فقررت أن أعبدها! وعجزت أيضا عن أن أعقلن اللوحات الفنية التي ترسمها الغيوم وهي تتباهى بقدرتها على التحليق في الفضاء اللامتناهي… أيضا عجزت عن أن أعقلن العلاقة بين حلم رأيته في المنام، وبين حدث جسّده على أرض الواقع… فقررت أن أعبد لغزية تلك العلاقة التي تربط بين يقظتنا ونومنا! كثيرة هي الأشياء التي عجزت أن أعقلنها فرحت أعبدها….
……
يتهمونني بالإلحاد، ويدعونني لأتبارك بزيارة معابدهم، علّني أعرف الله…. لم أشأ يوما أن أقوقع الله بين أربعة حيطان، أو داخل جبة رجل دين.. تلك الجبّة التي لم يغسلها على مدى عقود، ورائحتها الكريهة تنفر الشياطين، ناهيك عن الآلهة…
….
الله، كما هي لحظة الشبق بين نحلة وفراشة، لا يقبل العقلنة… ولأنني لا أستطيع عقلنته قررت أن أعبده…
….
لو زرت معبدا أنا من سيباركه، لأنني أحمل في رأسي عقلا يحدد ما يستطيع عقلنته ويعبد مالا يستطيع… تلك العبادة هي الأسمى، لأنها لا تتقيد بجداول الضرب ولا بحديّة الكتب المقدسة، وتحلق بروح العابد إلى اللامحدود! فهل جاءنا “كتاب مقدس” وكان أقل تحديدا وحدّية من جداول الضرب؟؟؟
….
لم يكتب الله يوما كتابا، لأن لغته هي لغة الصمت… وحدها لغة الصمت، من بين كل اللغات، لا تعرف القواميس ولا تحجّم نفسها بعدد الصفحات… من لا يجيد تلك اللغة، لا يستطيع أن يرى الله في العلاقة التي تربط بين يقظتنا ونومنا… لا يستطيع أن يراه في عيني حفيدي آدم… لا يستطيع أن يراه في العلاقة التي تربط بنجي بأموور… لا يستطيع أن يراه في العلاقة بين الإبتسامة واشراقة الوجه.. لا يستطيع أن يراه في لوحة فنية ولا أجمل أبدعتها غيمة وهي تتعمشق في قبة السماء لا يستطيع أن يراه في نسمة عابرة تحلق به إلى بعد لم يدركه من قبل… ناهيك عن أن يراه في قوة الدفع التي تملكها دودة تريد أن تخرج من شرنقتها أو جنين حان الوقت ليغادر رحم أمه.. ناهيك عن أن يراه في قوة برعم غضّ يتحدى بها قوة الشمس!
….
آيها الملحدون… اتركوا عدسات مجاهركم وجداول الضرب، فليس صادقا مع الحياة من يحاول أن يعقلن كل شيء… اتركوها ولو للحظة وتعالوا إليّ….

آيها العابدون، اخلعوا جببكم واتركوا كتبكم المقدسة على أبواب معابدكم، فليس صادقا مع الله من يثرثر من على المنابر مدّعيا أنه يقرأ لغته! وتعالوا إليّ ….
*************
تعالوا إليّ جميعكم كي أعرّفكم على الله كما أعرفه!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.