ابن تيمية وجناية المتطرفين

hapytafgirتحت هذا العنوان كتب الشيخ الدكتور سعد بن فهد الماجد، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالسعودية، مقالاً في صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 11 مارس 2015، يدافع فيه عن ابن تيمية ويحاول إبعاد شبهة التطرف عنه. والمطلع على كتب التراث يعلم أن أبا حامد الغزالي، حُجة الإسلام، وابن تيمية، شيخ الإسلام، وتلميذه ابن قيم الجوزية، ومحمد بن عبد الوهاب، منشئ الوهابية السعودية، هم الذين أسسوا للتطرف والغلو في الإسلام، وأخذ عنهم أبو الأعلى المودودي في الهند، وسيد قطب في مصر وأنتجوا لنا تنظيم الإخوان المسلمين، تلك الجماعية الإرهابية التي تدين بالعنف والتنظيمات السرية، وكل ما خرج من رحمها مثل الجماعة الإسلامية التي أسسها الشيخ الضرير محمد عبد الرحمن المسجون الآن في أمريكا بسبب الإرهاب، وجماعة الهجرة والتكفير، وعسكر طيبة بباكستان، وأنصار الشريعة، وغيرهم الكثير.
يقول الشيخ سعد عن ابن تيمية ” وما أعظم جناية المتطرفين عليه، فهم أبعد ما يكونون عن منهجه، وهو أعلى ما يكون عن تطرفهم الذي نتجت عنه استباحة دماء المسلمين، وتكفير جمهورهم، إضافة إلى التعدي على المسالمين الآمنين، وقد قال ابن تيمية نفسه عن ذلك: «ولهذا يجب الاحتراز من تكفير المسلمين بالذنوب والخطايا، فإنها أول بدعة ظهرت في الإسلام، فكفّر أهلها المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم». ونستطيع أن نتبين تمايز ابن تيمية عن المتطرفين في شتى الأنحاء العلمية والعملية.. وفي المنهج والسلوك. ولكننا ولضرورة اختصار المقال نختار سمتين فقط.” انتهى
السمة الأولى التي اختارها الشيخ سعد هي سمة السماحة. يقول في ذلك “فالسمة الأولى: السماحة التي كان عليها ابن تيمية، سواء في نقاشاته العلمية، أو في أخلاقه العملية، بل هو قبل ذلك يؤصّل للسماحة قبل أن يتخذها خلُقا وطبعا، ويبين في ضمن ذلك مدى الحاجة إليها، ليس للمسلمين فيما بينهم وحسب، بل حتى لجميع الناس، وأنهم لا غنى لهم عن السماحة في تعاملاتهم وحياتهم العامة والخاصة، وأنه بغير السماحة لا يمكن أن يستقيم لهم أمر دين ولا أمر دنيا، وهذا يعني أن ابن تيمية يعد السماحة ضرورة لا ينبغي للإنسان أن يفرّط فيها أو يستغني عنها يقول عن ذلك: «ولهذا أمر الله تعالى بتأليف القلوب حتى جعل للمؤلفة قلوبهم نصيبا في الصدقات.” انتهى
ومن الواضح هنا أن الشيخ الدكتور يعطينا نصف الحقيقة ويحتفظ بباقيها لنفسه. لا الإسلام ولا ابن تيمية أمر بالسماحة لكل الناس وإنما للمسلمين فقط. والمؤلفة قلوبهم الذين جاء ذكرهم في الآية هم صناديد قريش الذين قاوموا محمداً في مكة وحاول محمد شراء ذممهم ودخولهم الإسلام مقابل الهبات والعطايا كما فعل في تقسيم الغنائم بعد معركة هوازن عندما أعطى أبا سفيان ومشاهير الكفار من أهل مكة مائة بعير لكل واحد. بقية الكفار قال عنهم رب الإسلام (حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون) (التوبة 29). فرب القرآن ومن بعده ابن تيمية لم يحاولا تأليف قلوب الكفار
وتظهر لنا سماحة ابن تيمية في كتابة الموسوم (الصارم المسلول على شاتم الرسول). يقول “إلا أن القاضي في “المجرَّد” ذكر الأشياء التي يجب على أهل الذمة تركُها وفيها ضَرَرٌ على المسلمين وآحادِهم في نفسٍ أو مالٍ، وهي: الإعانةُ على قتال المسلمين، وقَتْلُ المسلم أو المسلمة، وقطع الطريق عليهم، وأن يؤوِيَ للمشركين جاسوساً، وأن يعين عليهم بدَلالةٍ، مثل: أن يكاتب المشركين بأخبار المسلمين، وأن يزني بمسلمةٍ أو يصيبها باسم نكاحٍ، وأن يَفْتِنَ مسلماً عن دينه، قال: “فعليه الكَفُّ عن هذا، شُرط أو لم يُشرط.” انتهى
يتضح من هنا رأي ابن تيمية في أهل الذمة، وهم في الغالب أهل البلاد التي غزاها المسلمون عنوة، لا تنطبق عليهم سماحة ابن تيمية. فهو يقول “أو يصيب المسلمة باسم نكاح” يعني لو تزوج الذمي امرأة مسلمة، وهو غير مباح في الإسلام، ينتقض عهده مع المسلمين ويُباح دمه. أو إذا آوى جاسوساً كذلك، بينما محمد كان له جواسيس يتسقطون له أخبار الكفار وحركاتهم، وكان يأويهم ويبشرهم برضوان الله عليهم. أما الذمي إذا آوى جاسوساً انتقض عهده وجاز عليه القتل. أما قطع الطريق على المسلمين الذي يوجب نقض العهد وقتل الذمي لا يختلف عن قطع الطريق الذي مارسه محمد وجيشه في بدر وغيرها عندما قطعوا الطريق على قوافل مكة، ولكنه يصبح ذنباً يستحق قتل الذمي في رأي ابن تيمية. لا أرى أي سماحة هنا من ابن تيمية الذي يكرر هذه الأقوال في كتبه وبالتالي يحث عليها المسلمين.
ويستمر شيخ الإسلام فيقول ” والدلالةُ على انتقاض عهد الذميِّ بسبِّ اللهِ أو كتابِه أو دينهِ أو رسولهِ، ووجوبِ قتلهِ وقتلِ المسلم إذا أتى ذلك: الكتابُ، والسنة، وإجماعُ الصحابةِ والتابعين، والاعتبارُ.” انتهى
فمن يسب الرسول أو ينتقص منه أو من عرضه، كافراً كان أو مسلماً، يجب قتله حسب الكتاب والسنة والإجماع وحتى الاعتبار. ولهذا حدثت المظاهرات التي قُتل فيها العشرات وأُحرقت الكنائس والسفارات في جميع أنحاء العالم بعد أن نشرت الصحيفة الدنماركية الرسوم المسيئة للرسول. ولهذا حدثت مجزرة كُتّاب ورسامي شارلي ابدو في باريس. فهؤلاء قد انتقصوا من قدر الرسول رغم أن المقدس لا مكان له في ثقافتهم، والنقد مباح حتى للإله ذاته، وهم لم يكونوا ذميين بل أحراراً في بلدهم. لا شك أن هذه المجازر حدثت بسبب سماحة ابن تيمية الذي يحث على قتل شاتم الرسول.
يقول الشيخ الدكتور عن ابن تيمية ” ويبين في ضمن ذلك مدى الحاجة إليها [السماحة]، ليس للمسلمين فيما بينهم وحسب، بل حتى لجميع الناس، وأنهم لا غنى لهم عن السماحة في تعاملاتهم وحياتهم العامة والخاصة، وأنه بغير السماحة لا يمكن أن يستقيم لهم أمر دين ولا أمر دنيا، وهذا يعني أن ابن تيمية يعد السماحة ضرورة لا ينبغي للإنسان أن يفرّط فيها أو يستغني عنها” انتهى
ونجد في كتاب الفتاوى لابن تيمية عن الجهاد “كلّ من بلغته دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دين الله الذي بعثه به فلم يستجب له ، فإنه يجب قتاله : { حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كلّه لله }”. انتهى
ابن تيمية الذي يتصف بالسماحة في القول والفعل يقول لنا يجب قتال كل من سمع بالإسلام ورسوله ولم يعتنقه. على المسلمين إذاً الجهاد ضد أربعة أخماس سكان العالم لأنهم جميعاً قد سمعوا بالإسلام لكنهم لم يعتنقوه. أنستغرب بعد ذلك إذا قام أبو بكر البغدادي بإنشاء الدولة الإسلامية وقتل من لم يبايعه للقتال ضد الكفرة حتى يصبح الدين كله لله؟
ابن تيمية يحث علناً على إباحة المدن المفتوحة عنوة وقتل أهلها حتى يشفي المؤمنون الغل الذي في صدورهم. يقول لنا عندما فتح محمد مكة ” لما فُتحت مكةُ وأراد [محمد] أن يشفي صدورَ خُزَاعة – وهم القوم المؤمنون – من بني بكرٍ الذين قاتلوهم مَكَّنهم منهم نصفَ النهار أو أكثر مع أمانِهِ لسائرِ الناسِ؛ فلو كان شفاء صدورهم وذهابُ غيظِ قلوبهم يحصلُ بدون القتل للذين نكثوا وطعنوا لما فعل ذلك مع أمانِهِ للناسِ.” (الصارم المسلول على شاتم الرسول، ج1، ص 23). فأي سماحة أكثر من هذا نتوقعها من ابن تيمية الذي يباهي بأن محمداً قد سمح لقبيلة خزاعة، التي كانت متحالفة معه، أن تستبيح قبيلة بني بكر لنصف يوم كامل، يقتلون ويسبون ويغتصبون. ألم يقل الشيخ سعد إن ابن تيمية يحث على السماحة، ليس بين المسلمين فقط، وإنما لجميع الناس؟
سماحة ابن تيمية تظهر في تعليله لقتل النساء اللاتي سببن محمداً واعتبارهن محاربات كما في المعارك، وهو يتحدث عن اليهودية التي سبّت محمداً وقتلها زوجها الأعمى، وعن عصماء بنت مروان الشاعرة المغدورة في سرير نومها، فهو يقول في صفحة 90 من كتابه السيف المسلول “أن هؤلاء النسوة كن من أهل الحرب، وقد آذين النبي في دار الحرب، ثم قُتلن لمجرد السب، كما نطقت به الأحاديث؛ فقتل المرأة الذمية بذلك أولى وأحرى كالمسلمة؛ لأن الذمية بيننا وبينها من العهد ما يَكُفُّها عن إظهار السب، ويوجب عليها التزام الذل والصغار.” انتهى
فالمرأة الذمية يجب عليها إظهار الذل والصغار، والمرأة المسلمة يجب عليها تقديس محمدٍ، وإذا أخلت أي منهما بهذا العهد يجب قتلها. فابن تيمية يبيح قتل النساء لمجرد انتقاد أو هجاء محمد رغم أن القرآن يقول عن محمد (قل إنما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ) (فصلت 6). فهل انتقاد البشر يوجب قتل النساء؟ والغريب أن ابن تيمية نفسه يقول “والشِّعْرُ كلام موزون يحفظ ويروى وينشد بالأصوات والألحان ويشتهر بين الناس، وذلك له من التأثير في الأذى والصَّدِّ عن سبيل الله ما ليس للكلام المنثور، ولذلك/ كان النبي يأمر حسان أن يهجوهم ويقول: “لَهُوَ أَنْكَى فِيْهِمْ مِن النَّبْلِ” فيؤثر هجاؤه فيهم أثراً عظيماً، يمتنعون به من أشياء لا يمتنعون عنها لو سُبُّوا بكلام منثور أضعاف الشعر.” (الصارم المسلول، ج 1، ص 90). فالنبي يجوز له أن يأمر حسان بن ثابت أن يهجو الكفار شعراً ولكن من يهجو محمداً بالشعر يُقتل غيلةً. إنها سماحة ابن تيمية.
أما السمة الثانية التي امتدح بها الشيخ الدكتور فهد بن سعد شيخه وشيخ الإسلام ابن تيمية كانت ثقافته الواسعة، فهو يقول “أما السمة الثانية فهي: قراءته العميقة للفكر الإنساني، سواء في أدواته أو في مضامينه، وتذرعه إلى ذلك بما لديه من أصالة فكرية وثقافية، بحيث كانت قراءته هذه قراءة ناقدة فاحصة تتبين الاتجاهات والدلالات، وتستنتج الأفكار والأطروحات.” انتهى
تعالوا نرى قراءته العميقة الناقدة للفكر الإنساني. يقول ابن تيمية في حديث عن البخاري ” روى البخاري في “صحيحه” عن عبدالعزيز بن صهيب عن أنس قال: كان رجلاً نصرانياً، فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي، فعاد نصرانياً، فكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبتُ له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لَفَظَتْه الأرض، فقالوا: هذا فِعْلُ محمدٍ وأصحابه، نَبَشُوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له و أعمقوا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح وقد لفظته الأرض، فعلموا أنه ليس من الناس، فألقوه.) (الصارم المسلول/ ج1، ص 80). فهل هذه قراءة عميقة، ناقدة للفكر الإنساني أم تدليسٌ على العقل؟ الله يتدخل ويميت النصراني الذي شكك في محمد ويجعل الأرض تلفظ جسده بعد دفنه مرتين، بينما لا يميت الله عبد الله بن أبي سرح المسلم الذي قال نفس الشيء عن محمد. والغريب أن ابن تيمية، كالغزالي قبله، يستعمل الأحاديث الآحادية والضعيفة ليثبت ما يريد أن يقوله. فهو يقول مثلاً عن أحد أحاديث الشعبي المرسلة “ثم إن كان فيه إرسال لأن الشعبي يبعد سماعه من عليّ فهو حجة وفاقاً، لأن الشعبي عندهم صحيح المراسيل، لا يعرفون له مرسلاً إلا صحيحاً) (الصارم المسلول، ج1، ص 48). ويقول عن الواقدي في قصة قتل اليهودية التي شتمت محمداً “وإنما سقنا القصة من رواية أهل المغازي ـ مع ما في الواقدي من الضعف ـ لشهرة هذه القصة عندهم، مع أنه لا يختلف اثنان أن الواقدي من أعلم الناس بتفاصيل [أمور] المغازي”. انتهى. فهل هذا ما يفعله الرجل ذو القراءات العميقة الناقدة، يستعين بالأحاديث المرسلة وبالروايات من أشخاصٍ ضعفاء ليثبت وجهة نظره التي تحث على القتل لمن ينتقد رجلاً قال عنه القرآن إنه بشرٌ مثلنا؟
وتعالوا ننظر الهجوم الشرس من ابن تيمية على فلاسفة الإسلام، فهو يقول “ومنهم من يقول ما كان [النبي] يعلم الحق كما يعلمه نظار الفلاسفة وأمثالهم وهؤلاء يفضلون الفيلسوف الكامل على النبي ويفضلون الولي الكامل الذي له هذا المشهد على النبي كما يفضل ابن عربي الطائي خاتم الأولياء في زعمه على الأنبياء وكما يفضل الفارابي ومبشر بن فاتك وغيرهما الفيلسوف على النبي وأما الذين يقولون إن النبي كان يعلم ذلك فقد يقولون إن النبي أفضل من الفيلسوف لأنه علم ما علمه الفيلسوف وزيادة وأمكنه أن يخاطب الجمهور بطريقة يعجز عن مثلها الفيلسوف، وابن سينا وأمثاله من هؤلاء ، ومنها في هذه الجملة قول المتفلسفة والباطنية كالملاحدة الإسماعيلية وأصحاب رسائل إخوان الصفاء والفارابي وابن سينا والسهرودي المقتول وابن رشد الحفيد وملاحدة الصوفية الخارجين عن طريقة المشايخ المتقدمين من أهل الكتاب والسنة كابن عربي وابن سبعين وابن الطفيل صاحب رسالة حي ابن يقظان وخلق كثير غير هؤلاء” (درء تعارض العقل والنقل، ج1، ص 3). فهل هذه قراءة عميقة للفكر الإنساني، تلك الصفة التي وصف بها الشيخ الدكتور سعد بن فهد شيخ الإسلام ابن تيمية؟
في تقديري أن ابن تيمية كان العقل المدبر وراء ظهور التشدد والإرهاب والتكفير في العالم الإسلامي منذ القرن الرابع عشر وحتى الآن.

About كامل النجار

طبيب عربي يعملل استشاري جراحة بإنكلترا. من هواة البحث في الأديان ومقارنتها بعضها البعض وعرضها على العقل لمعرفة مدى فائدتها أو ضررها على البشرية كان في صباه من جماعة الإخوان المسلمين حتى نهاية المرحلة الجامعية ثم هاجر إلى إنكلترا وعاشر "أهل الكتاب" وزالت الغشاوة عن عينيه وتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من حقيقة الميثالوجيا الدينية الهدف الوحيد من كتاباتي هو تبيان الحقيقة لغيري من مغسولي الدماغ الذين ما زالوا في المرحلة التي مررت بها وتخطيتها عندما كنت شاباً يافعاً
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.