إذا كان دم المسيح قد غير العالم ودم بائع البسطة التونسي ( محمد بو عزيزي) قد أقام الربيع العربي ولم يقعد حتى الآن فإن دم الشهيد اليساري الأردني (ناهض حتر) سيغير من السياسة الأردنية وطبيعة المناهج الدراسية, ناهض حتر الشهيد البطل (شاهد: رسم الكاريكاتير الذي ادخل المفكر ناهض حتر للسجن) حالة وطنية أردنية نادرة جدا لن تتكرر إلا كل 100 عام مرة واحدة, كنت مشتاق جدا للحديث معه على الهاتف قبل موته بأيام وكأني كنت أودع رائحة الدحنون الأردني والياسمين الشامي, حين اغتالوا ناهض حتر على عتبات قصر العدالة هم اغتالوا العدالة ولم يغتالوا ناهض حتر, حين قتلوا ناهض حتر لم يقتلوه وحده بل قتلوا كل الأردنيين الشرفاء الغيورين على مصلحة الوطن والمواطن, ناهض حتر أردني حتى النخاع وتفوح من دمه رائحة العطر والياسمين وإن كان ناهض الشهيد قد اقترف بعض الذنوب أو الخطايا-وكلنا خطاءون- فإن الذي قتله قد محا باستشهاده كل ذنوبه وحملها القاتل وحده, دم ناهض حتر سيغير مناهج التدريس في الأردن لأن الذي قتله يعمل في وزارة التربية والتعليم معلما لأولادنا, دم ناهض حتر لن يضيع سدى ولن يذهب مع الريح ولن تشرب دمه الأرض الأردنية, إننا ندعو دوما إلى احترام كافة الأديان والمعتقدات والمذاهب, إننا ندعو إلى سياسة الحوار والنقاش لتقريب وجهات النظر وليس لنختلف مع بعضنا , وكلامي واضح حين أقول لن يذهب دمه سدى لأن دمه سيغير الحياة السياسية في الأردن, ناهض حتر أسم على مسمى(ناهض) يعني النهضة وقد أخذ من اسمه قسمته ونصيبه, كان ناهض حتر يريد بفكره أن يرفع من مستوى قاتله الاجتماعي والفكري والسياسي بين الأمم, كان ناهض حتر يسعى لتعزيز دولة القانون والمؤسسات, والغريب في الموضوع أن كافة المناضلين والمفكرين لا يقتلون بأيدي أعدائهم بل بإيدي الذين يدافعون عنهم, وكما قال يوليوس قيصر عقب ليله عاصفة بالرياح حين التف إلى الوراء ورأى خنجر الشاب الذي تبناه فقال بكل حسرة ( حتى أنت يا بروتوس!!), والذين قتلوا السادات هم أنفسهم الذين دعاهم السادات للخدمة في الجيش وفي مؤسسات الدولة لكي يرقى بهم إلى أعلى المستويات, الطامة الكبرى يا صديقي الشهيد أننا نتلقى الأذية ليس من أعدائنا وإنما من الذين ندافع ونناضل ونكافح من أجلهم, الذين قتلوك كنت تدافع عنهم..كنت تحاول أن تنور عقولهم…صدقني لم أكن لتسقط مني دمعة واحدة لو أن الذين نعتبرهم أعداؤنا قتلوك ولكن مصابنا الجلل أن الذين قتلوك هم الذين ناضلت طوال عمرك من أجلهم.
ماذا أقول وقد رحلت آخر أساطير الفكر العربي التقدمي, ماذا أقول وقد انطفأت شمعة أردنية كادت أن تضيء أعناق الإبل في بصرى الشام!! ماذا أقول لأولادي في المستقبل عن هذا الأسطورة الذي ملء الدنيا وشغل الناس مثله مثل المعري والمتنبي وأبو تمام, مثله مثل فرج فوده ومهدي عامل وكافكا وديستوفسكي, ماذا أقول عن رائحة الزعتر بعدك يا ناهض, كنت حينما أزور عمان اشتم فيها رائحة زهر الليمون وزهر الأقحوان, كنت حينما أزور عمان أمشي تحت أضواء المفكرين والمبدعين, ماذا أقول عنك وقد امتصوا آخر قطرة دم في عروقي, حين سالت دماءك على البنكيت كانت تسيل معها رائحة النرجس التي لم يشتمها إلا من كان عنده ذوق, يا صديقي لا عليك وقد يأتي يومٌ على أحفادنا يبنون لك صرحا تذكاريا في محل استشهادك, سيعتذر لك القتلة كما اعتذروا للمسيح, سيعتذر لك كل من شمت بك واستهان بدمك, أخي ناهض حتر, ستكون في المستقبل القريب جدا مثلك مثل غاليليو وكوبرنيكوس, ستضاف إلى قائمة الأبطال والشهداء والقديسين, ستضاف إلى قائمة الذين غيروا بدمهم الأحمر القاني حياة الناس, سيعتذر لك مهندسو البناء حين يبنون لك في الجامعات وفي دور العبادة الثقافية تماثلا تخلد ذكراك, أدمعت عيني وقلبي, لثلاثة أيام لم استطع النهوض على قَدمي, لم استطع أن أحضر جنازتك يوم تشييع جثمانك لأنني كنت في حالة من الهستيريا العصبية, ولأنني مقهور وأعلم أن كل الذين قتلوك مشوا في جنازتك وتباكوا عليك, هذه مصيبتنا يا صديقي, الذين يزجون بنا في السجون يزورونا ليطمئنوا على صحتنا والذين يقتلوننا يمشون في جنازتنا ويقيمون الصلوات الطويلة من أجل التعبير عن حبهم لنا, والذين يحفرون لنا في الطرقات الحفر يمشون فيها خلفنا ليشاهدوننا ونحن نسقط, وسقطت آخر زنبقة أردنية وأصبحت آخر زجاجة عطر فرنسية فارغة وآخر كلمة رومنسية جافة, استعمل القتلة الذين قتلوك ألوانا من اللوحات الفنية ليعبروا لنا عن حزنهم في مصابنا الجليل, وانتصر اللصوص والسحرة والمشعوذون على العلم والعلماء والثقافة والإبداع, انتصر الخونة على الأمناء والجهلة على الأذكياء, لم يبقَ مجرم إلا وعرفت أنه شارك في تشييع جثمانك, آهٍ ثم آهٍ ثم آه يا صديقي لو كنت تدرك وترى وتشعر بالقتلة الذين سفكوا دماءك كيف كانوا يحنون رؤوسهم في الصلاة حزنا عليك….أمة محكومٌ عليها بالموت حتى تموت… نزكي لكم ايضا : بعد مقتل الكاتب ناهض حتر كتبت على صفحتها رنا غريبة من الأردن..