«ألقى فضيلة الشيخ الدكتور محمّد عبدالستّار السيّد، وزير الأوقاف، مساء أمس، محاضرة كبيرة في حشد من السادة العلماء بعنوان: ضوابط وقواعد تفسير القرآن الكريم تفسيراً معاصراً (التفسير الجامع نموذجاً) وفق المرتكزات الفكريّة للسيّد الرئيس بشّار الأسد في الإصلاح الدينيّ. وتأتي هذه المحاضرة ضمن فاعليّات الدورة السادسة والعشرين لجائزة الشيخ أحمد كفتارو لحفظ القرآن الكريم وتحفيظه».
استدعاء «المرتكزات الفكريّة» للسيّد الرئيس لا يُغني عن استدعاء «المرتكزات المبدئيّة» لوالده، السيّد الرئيس أيضاً. لهذا الغرض، مثلاً، بدأتْ قناة «الميادين» تعرض مسلسلاً سمته «الرجل الذي لم يوقّع» (قاصدةً التوقيع على سلام مع إسرائيل)، حيث تُرك تاريخ سوريّة والمنطقة في عهدة السيّدة بثينة شعبان.
بطبيعة الحال هناك تفاصيل كثيرة لا تحتمل هذه العجالة أكثر من إشارة عابرة إليها، كأنْ يكون النظام السوريّ اليوم مهتمّاً بمخاطبة الحساسيّات السنّيّة، الدينيّة والقوميّة، بالطريقة التي يظنّها مفيدة، وأن يكون الشيخ كفتارو هو من نُصّب مفتياً عامّاً ورئيساً لمجلس الإفتاء عام 1964، بُعيد وصول حزب البعث إلى السلطة، إثر إسقاط الشيخ حسن الحبنّكة المنافس على المنصب. وعام 1964، للتذكير، كانت تستدعي غطاء دينيّاً قويّاً لأفعال كاقتحام حماة الأوّل وهدم جامع السلطان فيها. أمّا عدم التوقيع، الميدانيّ – الشعبانيّ، فأعطى «العدوّ الإسرائيليّ» ما لم يُعطه أيّ توقيع: الجولان كانت أهدأ الجبهات ما بين 1974 و2011. الهدوء هذا استدعى تأجيج الحروب الأهليّة في عموم المشرق العربيّ، وأمّن للأسد سلطة تحترف قهر مجتمعها وإخضاعه.
الشيء المهمّ هنا، وهو الجديد نسبيّاً، هو تجديد ذاك الميل (الذي قطعته سنوات الثورة ثمّ الحرب الأهليّة) المعهود: إسباغ الإعجاز على السلالة الأسديّة، وبالتالي تمليكها «مرتكزات» فكريّة أو سياسيّة لا يحلم الآخرون، كلّ الآخرين، بامتلاكها.
لكنْ لنلاحظ أنّ الإعجاز الأسديّ مرّ بطورين وانطوى على معنيين:
مع حافظ خصوصاً، وقبل الثورة عموماً، كان واحداً من التعابير المضخّمة لعبادة الشخصيّة التي تستعرضها، بقدر ما تستدعيها، سلطة بالغة العتوّ والفيضان. هذا سبق أن رأيناه في الصفات الخارقة التي نُسبت لستالين وماو تسي تونغ وكيم إيل سونغ وصدّام حسين، وهم يتربّعون في ذروة البأس والتمكّن.
مع بشّار خصوصاً، وبعد الثورة عموماً، بات الإعجاز تمكيناً يعوّض نقص التمكّن: صحيح أنّ بشّار انتصر، إلا أنّه لم ينتصر بقوّته الذاتيّة. لقد تدخّلت قوى هائلة، إقليميّة ودوليّة، لجعله ينتصر. إذاً الإعجاز مطلوب بوصفه الأداة التي تجعل الخيال، لا الواقع، مسرح الفعل. إنّه إعلان عجز لا إعلان قدرة.وفي أنظمة كهذه تقوم على الهيبة المفروضة بالقوّة، سيكون صعباً التعامل بجدّ مع تلك الهيبة بعد كلّ الوحل الذي لُطّخت به أسماءً وصوراً وتماثيل. هكذا تتعاظم الحاجة إلى الإعجاز الذي سيغدو، مع مرور الزمن، أكثر فأكثر غرائبيّة وأقلّ فأقلّ قابليّة للتصديق!
لقد كان إعجاز حافظ في حياته، وفي عداده «انتصاراته» في تشرين وفي عدم التوقيع، سبباً للغضب الممزوج بالخوف. إعجاز بشّار، ومعه إعجاز حافظ في الزمن البشّاري، هو سبب لقهقهة طويلة لا يمنعها ألم السوريّين العميق.
نقلا عن “الحياة”