إصلاحات العبادي والهروب الى الامام

علي الكاش مفكر وكاتب عراقيiraqprisdentmlaki
هناك مثل مشهور ينطبق على الإصلاحات المزعومة لرئيس الوزراء حيدر العبادي يقول” اسمع كلامك أصدقك، أشوف أمورك أستعجب”. ما أن أنفض المتظاهرون من ساحة التحرير إلا وأعلن العبادي عن حزمة من الإصلاحات مهددا البرلمان بقبولها جميعها أو رفضها جميعها، وفي حال الرفض فإنه سيعلن إستقالته من منصبه، وهذا ما لم يعلن عنه في حينه، تاركا الكرة في ملعب مجلس النواب، ولكن رئيس المجلس وهو من ثعالب الإحتلال عرف كيف يتعامل مع القضية الجديدة محاولا أن يجعل من المجلس سيء السمعة عاملا إضافيا للإصلاح بإضافة إصلاحات تناساهها أو تجاهلها العبادي، ولأكمال المسرحية فإنه جعل الجلسة علنية ومفتوحة أمام وسائل الإعلام لغرض إحراج النواب الرافضين لحزمة الإصلاحات، وبالفعل لم يجرأ أي نائب بما فيهم المعارضين لها الإفصاح عن رفضه لأنه يعرف بأنه العاقبة ستكون وخيمة في ظل السخط الشعبي المتزايد.
أتى إجتماع ائتلاف دولة القانون في 12/8/2015 بحضور جودي المالكي ورئيس الوزراء حيدر العبادي ليضع العديد من علامات الإستفهام في طريق الإصلاحات المزعومة، فقد أعلن مكتب المالكي في بيان له ” أن ائتلاف دولة القانون عقد، اجتماعاً بحضور زعيمه المالكي ورئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي لبحث مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية، وحزمة الإصلاحات التي أطلقتها الحكومة مؤخراً”. بلا شك هذا الأجتماع الشاذ يثير الريب والمخاوف أزاء خطة العبادي لملاحقة الفاسدين، فهو يجتمع مع إمبراطور الفساد المالكي على طاولة واحدة ويتبادلون الإبتسامات والأحاديث بروح المودة والأخوة الشخصية والحزبية، حتى أعلن النائب عن دولة القانون محمد الصيهود بأن الغرض من الإجتماع ليس كما اشارت وسائل الإعلام الحزبية والرسمية بل” إن إجتماع الأخوان المالكي والعبادي كان من أجل تشكيل حكومة الأغلبية”، وهو المطلب الذي كان يصرٌ عليه المالكي قبل وبعد توليه رئاسة الوزراء.
إذا وضعنا الثرثرة الإعلامية جانبا وناقشنا وضع التظاهرات وما إدت إليه من نتائج لا تتناسب مع الإصلاحات المعلنة على أقل تقدير، وفي حال توفر شرط حسن النية سوف نصطدم بالكثير من الأمور التي تضعنا في موضع المتشكك من طبيعة التظاهرات والجهات الشبحية التي تقف ورائها من جهة وحزمة الإصلاحات الهامشية من جهة أخرى. مسألة الفساد مسألة عامة في العراق وتتعلق بالسلطات الثلاث إضافة إلى السلطة الرابعة أي الإعلام الحكومي، والحقيقة إنه لا توجد مؤسسة في العراق من أعلى الهرم إلى أسفله دون أن تعاني من هذه الآفة المخيفة، ولذا قبل ان نناقش موضوع الفاسدين لا بد من تحديد الأسباب التي أدت الى الفساد، فليس من المعقول أن تعالج المرض وتصف الدواء دون ان تشخص العلة!
1. الدستور وقوانين بريمر
لاشك أن الدستور الملغم الذي تمت صياغته خلال فترة الإحتلال بأنامل امريكية ـ إيرانية بإعتراف اكثر من مسؤول إيراني هو الأساس المشرع للفساد في العراق. اللصوص الحكوميون والنواب الفاسدون كانوا دائما يدافعون عن موقفهم المشين، من خلال الدستور مستندين إلى نصوصه المبهمة التي يمكن لكل منهم أن يفسره حسبما يتراءى له وفق مصالح الحزبية والشخصية. علاوة على القوانين الشاذة التي وضعها المندوب السامي الأمريكي ومندوب ولاية الفقيه لإدارة الدولة المحتلة. ذكر القاضي (محسن فاضل) إن “66 قضية مفتوحة حالياً بحق وزراء ووكلاء وزارات ونواب حاليين وسابقين وضباط برتب رفيعة وأن تلك القضايا تتعلق بتهم فساد”، لافتا الى” أن بعض النواب المطلوبين لا يمكن إحالتهم لتمتعهم بالحصانة النيابية، وان المعني برفعها مجلس النواب، كما أن بعض المطلوبين عن هذه القضايا هرب وصدرت بحقهم مذكرات قبض ومنع من السفر وحجز الأموال لإجبارهم على تسليم أنفسهم لكن دون جدوى لانهم غادرو العراق”.
2. مجلس النواب
مجلس النواب خلال الدورتين السابقتين وخلال السنة التشريعية الأولى للدورة الحالية برئاسة العبادي كان عقيما في تخصيب مواقفه تجاه الحكومة بحكم آلية العمل ونظام المحاصصة الطائفية والعنصرية التي تتحكم في عمله. لم يتمكن المجلس من إستضافة ليس رئيس الوزراء السابق جودي المالكي فحسب بل قائد أمني ليناقشة مسألة تدهور الأوضاع الأمنية، إضافة إلى رفض الوزراء لإستضافة مجلس النواب بكل صفاقة في حالة فريدة من نوعها. الحقيقة إن إستخدام مصطلح إستضافة بدلا من محاسبة المسؤول هو بحد ذاته يكشف ضعف المجلس وعدم رصانته. كما إن المجلس لم يتمكن من تشريع أهم القوانين كقانون النفط وقانون الأحزاب وقانون المحكمة الإتحادية وإزدواج الجنسية وغيرها التي سهلت هروب المسولين المتهمين بالفساد. لم يكن مجلس النواب ناطقا بإسم الشعب خلال السنوات الماضية بل ناطقا بإسم حزب الدعوة، لذا لم يجرأ على الإدلاء بأي تصريح ضد التدخلات الإيرانية في الشأن العراقي، أو محاسبة نائب أو وزير من الحزب الحاكم. مؤخرا أبلغ مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، تحذير طهران من محاولة تقديم نائب رئيس الجمهورية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي إلى القضاء لمحاكمته بتهم تتعلق بالاجرام والفساد خلال توليه الحكم في العراق لثماني سنوات. وهذه الحصانة المدرعة للمالكي لا يمكن للعبادي ان يخترقها.

3. السلطة القضائية
السلطة القضائية هي السيف القاطع بين الحق والباطل، ومسيرة القضاء العراقي حلال السنوات السابقة كانت مهزلة المهازل، كان القضاء أسدا هصورا مع الضعفاء وفأرا جبانا مع الأقوياء، وبعد أن إنحنى بذل للمالكي، إمتطاه الأخير طوال الثماني سنوات العجاف، ولم يحاسب القضاء المسيس الهزيل أي من أركان حزب الدعوة، بل كان العامل الرئيس في الإنفلات السياسي بعد أن طوع نتائج إنتخابات الدورة الثانية لصالح المالكي في أقوى فضيحة إنتخابية في العالم. لا يمكن محاربة الفساد طالما إن القضاء هو حامي المفسدين والمجرمين، وطالما إستمر القضاة الفاسدون في مواقعهم فكيف تضمن نزاهة القضاء وعدالته؟
فقد نفت السلطة القضائية في العراق الأنباء التي تناقتلها بعض وسائل الاعلام بشأن تقديم رئيس السلطة القضائية مدحت المحمود استقالته من منصبه. وقال المتحدث بإسم السلطة القضائية القاضي عبدالستار بيرقدار” إن القاضي مدحت المحمود هو رئيس السلطة القضائية، ومستمر بعمله، لا يوجد مشكلة لتقديم استقالته، أن ما اشيع في وسائل الاعلام بشأن ذلك هي اشاعات اصدرها بعض الفاسدين”. لا يجهل أحد بأن مدحت المحمود والبرقدار هما سلاطين الفساد في السلطة القضائية، وبوجودهما لا يجوز التحدث عن نزاهة القضاء مطلقا. العجيب أن القضاء بعد كل هذه السنوات يبدو أنه كان في إنتظار التظاهرات ليرسل إلى البرلمان مشروعاته النائمة كقانون المحكمة الاتحادية العليا وقانون مجلس القضاء الأعلى وقانون تنظيم شؤون القضاة وأعضاء الإدعاء العام وقانون الإدعاء العام وقانون الإشراف القضائي وقانون الإدارة العامة للسلطة القضائية لغرض لتشريعها وفق السياقات الدستورية، والأدهي إعترافه بلا خجل” تم وضع هذه المشروعات بشكل ينسجم مع متطلبات الحاضر وترسيخ استقلال القضاء”! ترسيخ القضاء بعد أكثر من عشرة أعوام!

4. المفوضية العليا للإنتخابات وهيئة النزاهة
إن رئاسة المفوضية العليا للإنتخابات وهيئة النزاهة يقفان بقوة وإقتدار وراء إنحلال العراق والفساد المتفشي في البرلمان والحكومة، وإذا عرف السبب بطل العجب، فرئاسة وأعضاء الهيئتين تخضعان الى نظام المحاصصة الطائفية، وحزب الدعوة هو الذي يترأسهما ويهيمن عليهما، لذا ليس من المنطق أن يخرجا عن طاعة رئيس الحكومة، سيما ان المكرمات تتوالى عليهما بإستمرار. لذا خلال السنوات الماضية قرأنا عن إحالة الآلاف من الملفات الخاصة بالفساد الى القضاء، ولكن لم يحال للقضاء سوى أسماك صغيرة، أما حيتان الفساد فهم يسبحون مع التيار، ومنهم من غادر مياهنا الإقليمية غلى المياه الدولية مع المليارات أو الملايين من الدولارات، ولم تكشف الهيئة النزيهة جدا أسماء الحيتان الكبار طوال عملها بل بالإعداد فقط! وإن كشفت عن أسماء لا تزيد عن أصابع اليد فذلك بعد مغادرتهم العراق! وهنا نتسائل لماذا؟
5. المرجعية الدينية
لم يكن موقف المرجعية موقفا وطنيا وأخلاقيا وشرعيا بل ومنصفا منذ الإحتلال الغاشم ولحد الآن، مهما تَقولَ البعض فأن لم يعد مخفيا بأن المرجعية هي التي كانت وراء صياغة الدستور المفخخ وقرارات بول بريمر سيء الصيت، وهي وراء الإسراع بالتصويت عليهما، بعد ان أمنت جانبها بنص دستوري فاضح! وإنها وراء حث اتباعها على إنتخاب الفاسدين من النواب خلال الدورات الإنتخابية السابقة وزكت الفاسدين بحجة نصرة المذهب والحفاظ على الإمتيازات التي حصل عليها شيعة السلطة وليس شيعة العوام الذين عانوا الأمرين ممن يمثلهم. الغريب إنه في الوقت الذي كانت المرجعية صامته عن مطالبات المحافظات ذات الأكثرية السنية التي لم تخرج عن إطار محاربة الفساد، ولم تتضامن من المتظاهرين المسالمين بل حرضت على الإنتقام منهم، ركبت مؤخرا موجة التظاهرات بمساعدة العبادي الذي أكد بأنه يستند على توجيهات المرجعية وموقفها المتضامن معه. الرجل يعترف بصراحة ان مصدر السلطات المرجعية، وليس الشعب ولا تظاهراته، ويتحدثون عن رفض عقيدة ولاية الفقيه! المرجعية تعرف انها وراء ما يحصل في العراق وان نهاية العملية السياسية الفاشلة تعني موسم رحيل المراجع الأجنبية من العراق، لذا كان لا مناص من ركب موجة التظاهرات قبل ان يسقط السقف على الجميع، ومع هذا فقد رفعت شعارات مناهضة للمرجعية وأربابها في إيران لأول مرة من قبل اتباعها الشيعة خلال التظاهرات الأخيرة.
6. نفوذ ولاية الفقيه
لا حاجة الى تكرار موقف إيران من العراق فهو إحتلال واضح وفق الرؤية الامريكية والعربية والإيرانية أيضا كما عبر العديد من مسؤوليها، والبلد حاليا تحكمة ميليشيات تابعة لولاية الفقيه، حتى الحشد الشعبي (الطائفي) الذي أفتى به علي السيستاني تمكن الولي الفقية من تجييره بإسمه ورفع علامة السيستاني منه. كما أن القائد الحقيقي للحشد هو الجنرال سليماني، ويعاونه الضابطان في الحرس الثوري هادي العامري وابو مهدي المهندس. وبعد أن رفعت شعارات معادية في كربلاء التي تعتبر خاصرة ولاية الفقية في العراق ضد التدخلات الإيرانية، وصف نظام الملالي المتظاهرين بأنهم كفرة! قال رئيس الاركان العامة للقوات المسلحة الايرانية اللواء حسن فيروز آبادي في تصريحات نشرتها وسائل إعلام إيرانية في 10/8/2015 ” إن فئات غير مسلمة تقود التظاهرات الشعبية الحاصلة في مدن العراق لاثبات عدم كفاءة الحكومة العراقية باسباب مصطنعة، وعلى الشعب العراقي الابي سواء الشيعة او السنة الحذر، اذ ان حدوث بعض النواقص المصطنعة والدعوة لتظاهرات بتحريك من بعض الفئات الخاصة وأحيانا غير المسلمة بهدف اثبات عدم كفاءة الحكومة المركزي”. عجبا هل هناك فئات غير مسلمة في كربلاء ومعظمهم كما هو معروف من أصول فارسية او موالين لهم؟

7. الإعلام الحكومي.
الإعلام هو لسان الشعب والمعبر الحقيقي عن آماله وتطلعاته، بل هو المرآة التي تعكس حاله السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي سلبا أو إيجابا، ومن المؤسف إن الإعلام العراقي تشكل بموجب قوانين الإحتلال لذا فقد وطنيته، وبالتالي فقد بصيرته ورسالته الأساسية في مراقبة الإداء الحكومي وتشخيص العلل، صار الإعلام العراقي مطية للحكومة، وهذا مكان أي إعلام مأجور، والخلل في شبكة الأعلام العراقي ونقابة الأدباء والصحفيين وغيرها من المؤسسات الإعلامية لا يحتاج الى المزيد من تسليط الضوء عليه، فهو يكشف بنفسه عن حاله المبتذل.
8. الشعب العراقي
بلاشك أن الشعوب المتخلفة هي رحم الفساد، ومن رحمها المسخ يُولد الفاسدون، الشعب الذي يشهد الفساد الحكومي والنيابي خلال أكثر من عشر سنوات، ويرى ثرواته تُنهب أمامه ولا يحركك ساكنا لا يستحق شرف المواطنة ولا الإنتماء للوطن. الوعي أساس الإخلاص والجدية، عندما يرفع المتظاهرون لافتات بشعارات مخزية ( إسرقوا الخزينة، ولكن أعطونا رواتبنا) فأي أنانية ونرجسية هذه؟
مئات المليارات من الدولارات بددتها حكومة الفساد خلال الدورة الإنتخابية الأولى ومع هذا إنتخب الشعب الفقير الجائع العاطل الأمي المسلوب الثروة والإرادة وضحية الإرهاب، نفس الحكومة لدورة ثانية وسمى رئيسها بثفاقة مختار العصر! وبجهل وحمق لا حدود له، ولا مثيل لها في تأريخ الأمم، إنتخبه الشعب لمرة ثالثة! ولولا الخيار الأمريكي وليس الشعب العراقي لكان المالكي حاكما للدورة الثالثة وفقا لإستحقاقه الإنتخابي! لذا تصح الحكمة النبوية (( كيفما تكونوا يُولى عليكم)).
إذا كان الدستور وقوانين بريمر كما هي، ومجلس النواب والحكومة كما هما ـ حتى لوتمت إقالة بعض الوزراء أو دمج الوزارات، لأن هذا لا يعني إنتهاء الفسادـ وإذا بقيت المرجعية تمارس تدخلها في رسم سياسة البلد، وإستمرار العملية السياسية الفاشلة، والتدخل الإيراني في الشأن العراقي كما هو، والموقف من الميليشيات الإرهابية كما هو، ورؤساء المفوضية العليا وهيئة النزاهة والقضاة وشبكة الإعلام من الفاسدين مستمرين في مواقعهم، فأي تغيير يرتجى من الإصلاحات المزعومة؟
إذا كان مجلس النواب ومجلس الوزراء وكافة الكتل والأحزاب السياسية ومرجعية النجف مع شرعية التظاهرات، إذن التظاهرات ضد من؟ هل الشعب يتظاهر ضد نفسه؟
للحديث تابع حسب تطور الظروف بعون الله
علي الكاش

About علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي . لدي مؤلفات سابقة وتراجم ونشرت ما يقارب 500 مقال ودراسة. لدي شهادة جامعية في العلوم السياسية واخرى في العلاقات الدولية شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية لدي خبرة واسعة جدا في الكتب القديمة والمخطوطات
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.