تصدير: تتحول الحركات السياسية بسرعة من حركات ومنظمات سياسية إلى مذاهب فكرية, وهذا هو الذي يؤثر في الدول العربية على شكل العلاقات الإسرائيلية العربية.
مما يحرق لي دمي ويثير لي أعصابي ويرفع لي ضغطي أن تكون إسرائيل على بُعد فركة كعب من منزلي وبنفس الوقت أن يكون شعوري بأنها تبعُد عني آلاف الكيلو مترات أكثر مما تبعد عني قارة أستراليا أو أي قارة أخرى بعيدة عني أو كما يقول عامة الناس: أبعد من مالطا, ومما يفتت مرارتي بالفعل أن يبقى شعوري بأن إسرائيل دولة عدوة وليست صديقة أو شقيقة رغم أنها على بعد ساعتين من منزلي, ولا أدري لماذا شعورنا بأن إسرائيل بعيدة عنا ولا نراها إلا في الأحلام وفي الصور وفقط على شاشة التلفاز, دولة مثل إسرائيل ملاصقة لنا وبنفس الوقت لا تكون دولة شقيقة أو صديقة فهذه بحد ذاتها مصيبة كبيرة.
علما أن إسرائيل أقرب شيء إلى العرب دينيا وثقافيا وتاريخيا, فهي دولة دينها الرسمي الدين اليهودي, ومن المؤكد عقائديا أن إسماعيل ويعقوب(إسرائيل) هم إخوة من أبٍ واحد وهو إبراهيم, وأيضا الدول العربية كلها تنتمي إلى الدين الرسمي الإسلامي والديانة الإسلامية هي ديانة موحدة واليهودية أيضا ديانة موحدة وبهذا يجب أن تكون العلاقات الدبلوماسية بين العرب وإسرائيل أقوى وأفضل من العلاقة الدبلوماسية بين العرب وأستراليا أو بين إسرائيل وأستراليا.
لذلك ومن هذا المنطلق يجب أن تكون العلاقات طيبة بين العرب وإسرائيل ويجب أن يحتفلوا بأعياد بعضهم البعض وأن يأكلوا كإخوة على منضدة واحدة.
ومن الجدير ذكره أن الذي يخرب العلاقات الطيبة بين العرب وإسرائيل هو انشغال الولايات المتحدة الأمريكية بإسقاط بعض الأنظمة السياسية العربية, وهذا استدعى تجنيد الإسلاميين لمثل هذه المهمة الشاقة وتجيش الشعوب العربية إسلاميا من أجل تجنيد الجنود من بينها للثورة في سوريا والعراق وخصوصا تجنيدهم لجيش كبير من السنة, وهذا هو السبب الذي أدى إلى انتشار ثقافة العنف والثقافة الأصولية الإسلامية ولا شك أنها لها تأثير كبير على أمن إسرائيل القومي لأن تلك الجماعات الأصولية السنية تكن العداء للحكام العرب ولإسرائيل وبالتالي الشعوب العربية كلها بسبب الإسلام تحقد حقدا كبيرا على إسرائيل وعلى الحكام العرب, من هنا ومن هذا المنطلق تباعدت العلاقات الطيبة بين الأنظمة العربية وبين إسرائيل وبالتالي باتت عملية السلام صعبة وشاقة, ولن تتحسن العلاقات الطيبة بين المسلمين وبين إسرائيل إلا من خلال ربع قرن جديد من بث ونشر ثقافة علمانية وسلمية جديدة بدل ثقافة القتل والتهجير والعنف والإرهاب, عندها سيصبح العربُ وإسرائيل أقرباء جدا وسيأكلون على منضدة واحدة ومن طبق واحد, وستكون العلاقة بينهما أطيب وأفضل من العلاقة بين العرب والهند, فأنا أستغرب, العرب المسلمون يتقبلون الهنود رغم أن ثقافتهم الدينية مخالفة للثقافة الإسلامية وبنفس الوقت العلاقة بين العرب وإسرائيل علاقة سيئة رغم أن اليهود من ناحية دينية أقرب شيء إلى العرب المسلمين.
كان من المفترض أن تقلب الأنظمة السياسية في الوطن العربي قوىً أخرى غير القوى الإسلامية مثل اليسارية, ولكن هذه القوى لا يثق فيها النظام الأمريكي الليبرالي, وبالتالي لن تثق أمريكيا إلا بالعرب الإسلاميين, وقد فعلتها فعلا, وهذا بالنسبة لإسرائيل يعتبر سكينا في حلقها فهي غير قادرة على ابتلاعه وغير قادرة على أخراجها وهي تدرك خطورة تلك العصابات الإرهابية عليها, وأمريكيا تريد من تلك الجماعات الإسلامية إسقاط الأنظمة التي تنوي إسقاطها وبعد ذلك ستنقلب على الإسلاميين والثقافة الإرهابية التي رعتها أمريكيا وبراميل النفط الخليجية أشعلت منطقة الشرق الأوسط والبلدان العربية كلها, وبنفس الوقت أساءت هذه الثقافة وأثرت بشكل سلبي على نمو إسرائيل وعلى علاقات الجوار بين العرب وإسرائيل ولن تتحسن هذه العلاقات إلا من خلال زوال العصابات الإرهابية التي تكاد أن تتحول من حركات سياسية إلى مذاهب دينية وهنا تكمن الخطورة, وبالتالي لا يمكن بين يوم وليلة تجاوز ثقافة من العنف سيطرت على جيلين كاملين أن تنتهي بين يوم وليلة,ويجب حاليا القضاء على الحركات السياسية التي تتحول بسرعة إلى مذاهب دينية, يجب أولا تغيير شكل الخطاب الديني وأيضا تغيير المناهج التربوية في المدارس لكي يظهر على الساحة جيل جديد من المتنورين بدل هؤلاء الذين انتشروا في المساجد والحارات والجامعات والمؤسسات الثقافية, عندها ستصبح إسرائيل دولة شقيقة وصديقة والوصول إليها لا يكلف إلا ساعة واحدة بسيارة خصوصية.