الشرق الاوسط
يبدو أن سيرغي لافروف تمكن أخيرا من لي ذراع جون كيري فيما يتصل بالأزمة السورية؛ فالحديث عن تراجع أميركا عن مواقفها وابتلاعها كل إعلاناتها الأخيرة عن أن لا مكان لبشار الأسد في الحكومة الانتقالية وأنها ستقبل تسوية تكفل بقاءه حتى انتهاء ولايته ومشاركته في الانتخابات المقبلة، إنما يعني أن واشنطن استسلمت أخيرا لموسكو!
المعارضة السورية ترفض بالطبع كل الهراء المتصل ببقاء الأسد رغم المقتلة الكبرى التي أنزلها بالسوريين، لكن وكالة «وورلد نت دايلي» الأميركية تنقل عن دبلوماسي فرنسي عريق، تعليقا على التراجع المتلاحق في مواقف واشنطن من الأزمة السورية يقول: «ليس غريبا على الأميركيين أن يبيعونا، إنهم معتادون على ذلك». والواقع أن تصريحات كيري بعد لقائه الأخير مع لافروف في باريس كشفت عن أنه يقترب من التفسير الروسي لإعلان جنيف، فقد قال: «إن البلدين ملتزمان بمبادئ اجتماع جنيف بشأن سوريا عام 2012 الذي دعا إلى تشكيل حكومة انتقالية بموافقة حكومة الرئيس الأسد وجماعات المعارضة»!
التراجع الأميركي لا يقف عند هذا الحد، وخصوصا إذا صحت الأنباء التي تحدثت قبل يومين عن أن كيري اتفق مع لافروف على إعطاء الطرفين في جنيف الحق في الاعتراض على مكونات الطرف الآخر، بما يعني إعطاء الوفد الذي سيشكله الأسد حق الاعتراض على أي عضو في وفد المعارضة، ولأن النظام يعتبر المعارضين جميعا من الإرهابيين سيظل يعترض على الأسماء ليكسب مزيدا من الوقت، في حين تبرز الآن مراهنته المستجدة على الحسم العسكري، وخصوصا بعد دخول الإيرانيين وحزب الله و«عصائب أهل الحق» العراقية، المعركة إلى جانبه!
إضافة إلى هذا، تشكل موافقة كيري على توسيع دائرة المعارضين بحيث تضم «معارضة الداخل» التي فبرك النظام معظم تلاوينها، مدخلا إضافيا لمحاصرة أي اتجاه في «جنيف – 2» لوضع نهاية لعهد الأسد وإسقاط النظام الذي جعل من سوريا بلدا مدمرا ومقبرة أسطورية. أما عندما تعلن موسكو أنها اتفقت مع واشنطن على أن دور الحكومة الانتقالية وما لها من الصلاحيات وموقع الأسد في المرحلة الانتقالية وما بعدها هي أمور يقررها السوريون أنفسهم من خلال الحوار، فإن ذلك يعني أن واشنطن تراجعت عمليا عن شرطها الذي كرره كيري دائما، أي ضرورة تنحي الأسد قبل بدء عملية الانتقال السياسي!
زيادة في الإثارة يقول نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، إن كيري تخلى أخيرا عن رفضه مشاركة إيران في المؤتمر، رغم أن الإيرانيين يقاتلون إلى جانب النظام مع أذرعهم العسكرية اللبنانية والعراقية، وليس من الواضح ما هو مبرر إشراك الإيرانيين في جنيف، وخصوصا مع وجود الظهير الروسي الذي يدعم النظام ويصر على بقاء الأسد، والذي يتولى حماية المذبحة منذ عامين ونصف العام، وقد أفشل «المبادرة العربية» وأغلق مجلس الأمن بالفيتو ثلاث مرات، كما أفشل كوفي أنان ومن بعده الأخضر الإبراهيمي.
لا ندري إذا كانت موافقة أميركا على حضور إيران قد جاءت في مقابل موافقة روسيا على حضور إسرائيل «جنيف – 2»، وهو ما يشكل في الواقع قمة الإثارة، فقد أعلن غاتيلوف أن روسيا ترحب بمشاركة إسرائيل في المؤتمر، ربما لأن هذا يدعم جبهة الحريصين على بقاء النظام، ولئن كان شر البلية ما يضحك فيكفي أن نتخيل المندوب الإيراني جالسا إلى جانب المندوب الإسرائيلي ليتشاركا التمسك ببقاء الأسد ونظامه ترجمة للمواقف المعلنة في دمشق وتل أبيب وطهران.
ففي دمشق ارتفعت مع بداية الثورة ومن داخل الأسرة الحاكمة، أصوات تقول إن سقوط النظام سيؤذي إسرائيل وينهي ذلك الهدوء المديد المستمر في الجولان منذ فك الاشتباك عام 1967، وفي تل أبيب طوفان من التصريحات التي طالما تخوفت من سقوط النظام السوري المريح، وقد جهدت الدوائر الصهيونية لتعطيل الموقف الأميركي وترك الساحة للروس في دعمهم للأسد، أما إيران التي تعتبر أن «سوريا الأسد» هي الولاية الإيرانية رقم 35، فليس غريبا أن تقاتل إلى جانب النظام الذي تديره كما تدير بلدية طهران!
وسط هذه الخريطة العجيبة ليس من الواضح أولا: كيف يمكن للمعارضة أن تذهب إلى مؤتمر يطالبها بالإذعان.. وادفنوا قتلاكم وعودوا إلى بيت الطاعة الأسدي؟ وثانيا: كيف يمكن تصديق أو تفسير تخريجات السيد حسن نصر الله الذي اعترف أخيرا بدخول الحرب إلى جانب الأسد، ليس دفاعا عن المقامات الروحية فحسب، بل «لحماية ظهر المقاومة من إسرائيل»، لكن إسرائيل تبدو شريكا مضاربا في الدفاع عن الأسد يقف في خندق واحد مع الإيرانيين والروس!