إختفى رغيف خبز التفتوني ولم يعد!

عاصم الجابري:  موقع العراق القانون

كانت اغلب المخابز التي تعمل في النجف وكربلاء والكاظمية في بغداد ومحتمل اغلب مدن العراق يسيطر عليها عراقيين من اصول فارسية، وكانوا يتفننون بصنع الخبز، وينتجون انواع عديدة من الخبز أهمها:

خبز التنور

خبز كورك او خبز ركاك (وهذا خبز رقيق جدا ويخبز في التنور على نار هادئة، يؤكل مع الزبادي أو الشاي ويكون هش بش، يرتاح له الطفل والشيخ لهشاشته).

الخبز التفتوني (قرص صغير الحجم مطبوخ زيادة عن الطبيعي يقدم لذوي المشاكل المعوية).

خبز اللحم (لحم فخذ الخروف+لية الخروف+كراث+بصل+كوركم+كمون+ملح+عجين الخبز المخمر يعجن سويةً ويخبز بالتنور المصنوع من الطين المطبوخ).

خبز الشكر (دهن الحر المستخرج من الزبد الطبيعي+ سكر+ سمسم+حبة سودة+حب الهال+زعفران مشهدي اصلي+دقيق القمح+الخميرة، يعجن سويةً ويخبز بالتنور المصنوع من الطين المطبوخ).

فضلاً عن انواع كثيرة من المعجنات، مثل الكلجة بأنواعها والشكرلمة بأنواعها، لاحظ الاسماء واضحة فارسية بقت على حالها.

ايضاً كانوا هؤلاء الخبازين يُعِينون رباة البيوت في الشواء: شواء الباذنجان ليُأكل مع الزبادي والخبز، شواء الخروف، والسمك البني والكطان والبز الكبير الحجم، والدجاج، والديك الرومي، والبط، والخضيري، ودجاج الماء وغيرها، وللعلم لا يوجد اطيب وألذ من شواء التنور الطيني المسعر بالحطب ونوى التمر أبداً.

لكن هذه النعمة لم تدوم! منذ وصول البكر وصدام الى سدة الحكم في تموز عام 1968 بدأوا بتسفير المقيمين الايرانيين وكل عراقي عنده اصول ايرانية حتى وان كان يحمل الجنسية العراقية وشهادة الجنسية العراقية وان كانت مصدّرة ضمن المادة 4أ (شهادة الجنسية هي وثيقة اخرى تؤكد عراقية الذين يحملون الجنسية العراقية! وجدت حسب رأي انا لاسباب طائفية، وهذه الوثيقة موجودة فقط في العراق)، في البداية بدأوا بالذين لا يحملون اوراق الاقامة، وتدريجياً وصلوا الى الذين عندهم اقامات دائمية رسمية، ألغوها وسفروهم، ثم بالنهاية أخذوا يبحثوا عن العراقيين الذين عندهم اصول فارسية من الجدود البعيدة قد تمتد لخمسمائة سنة! ومن هؤلاء العراقيين على سبيل المثال لا الحصر، عشيرة الجواهري الذي منهم الشاعر الوطني الكبير محمد مهدي الجواهري.

بالمناسبة، هنالك كثير من العوائل العربية تجنست بالجنسية الايرانية هرباً من التجنيد الاجباري الذي كانت تفرضه عليهم الدولة العثمانية، على سبيل المثال لا الحصر، من هذه العوائل العائلة العربية الاصيلة آل الطريحي.

حملة تسفير العراقيين ذوي الاصول الفارسية بدأت حدتها بالضبط منذ عام 1972 وتقريبا هدأت حدتها بعد عام 1982 بعد أن سجنوا معظم شباب هذه العوائل وسفروا البقية منهم، لكن لم تتوقف الحملة نهائياً، وفيما بعد عرفنا أن أغلب هؤلاء الشباب صفوا، لم يبقوا في الحياة! الا اعداد منهم نادرة باعوا انفسهم ليكونوا جواسيس لمخابرات صدام في الحرب المستعرة بين العراق وايران في ذلك الوقت!

ومن ذلك الحين أغلقت ابوابها هذه المخابز الرائعة ولم نعد نرى بجودة خبزها الى يومنا هذا، كما أُسدل الستار على مأسات انسانية مرعبة، يندى لها الجبين، تعرضت لها آلاف الاسر العراقية ذوي الاصول الفارسية.