إحتلال العرب لمدينة القدس (٢) كيف تعامل المسلمون مع الفلسطينيين آنذاك؟

بقلم: يعقوب الأورشليمي

خاص: موقع لينغا

 إن هذا المقال سيجيب على سؤال هام؛ وهو كيف تعامل العرب المسلمون مع سكان الأرض الشرعيين، وهم الفلسطيين؟

١- عاملوهم بقمة الإذلال:

لقد انتدب عمر ابن الخطاب أبي عبيدة بن الجراح لاحتلال القدس؛ فلما وصل أبي عبيدة إلى الأردن، بعث لأهل القدس، “إيلياء” الإنذار التالي:

“بسم الله الرحمن الرحيم. من أبي عبيدة بن الجراح إلى بطارقة أهل إيلياء وسكانها، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله والرسول. أما بعد فإنا ندعوكم إلى الشهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله….فإن شهدتم بذلك، حُرمت علينا دماؤكم وأموالكم وذراريكم؛ وكنتم لنا أخوة. وإن أبيتم، فأقروا لنا بأداء الجزية عن بد (أجبارٍ) وأنتم صاغرون (وأنتم مذلولون). وإن أبيتم، سرت إليكم بقوم هم أشد حبًا للموت منكم لشرب الخمر وأكل الخنزير. ثم لا أرجع عنكم إن شاء الله أبدًا، حتى أقتل مقاتيلكم وأسبي ذراريكم (أي أولادكم وبناتكم).”(المفصل ٨٨)[1].

فالدعوة واضحة، إمَّا أن يؤمنوا بالإسلام، أو أن يعطوا الجزية، وهم مذلولون؛ وإلا سيواجهون الموت، ويستعبدوا أولادهم وبناتهم. طبعًا هذا ما تعلمه ابن الجراح من قرآنه؛ حيث أمره قائلاً:

” قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولايحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية وهم صاغرون.” التوبة٢٨.

فنرى أن أحد أساليب الإسلام والمسلمون هي الترهيب، الإذلال والعنف، للضغط على غير المسلم لكي يدخل دين الإسلام؛ فكيف يأتي قومٌ اليوم وينكرون بأن دين محمد قام بالسيف؟

طبعًا لقد رفض أهل المدينة البواسل الذل والطغيان هذا، واختاروا القتال؛ فاستمروا في القتال مع الغزاة المسلمين بشكل متواصل لمدة أربعة شهور، حتى سلموا؛ فخرجوا يتصدرهم البطريرك صفرونيوس على صدره الصليب المقدس (المفصل ٨٨). وهكذا اغتصب المسلمون فلسطين من سكانها الشرعيين. جدير بالذكر أن البطريرك صفرونيوس، هو ليس يوناني الأصل، بل فلسطيني محلي، من أصل سوري [2]. ونرى أيضًا أن الدعوة وجهت له للتسليم، وليس لقائد الجيش البيزنطي مثلاً، مما يدل أن المسيحيين الفلسطينيين المحليين، هم من قاوم وحارب ضد الاحتلال الإسلامي؛ والبطريرك صفرونيوس، هو الذي كان صاحب أعلى سلطة في المدينة، وهو الذي سلمها.

كنيسة القيامة – القدس القديمة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وأبشع صور الأذلال الذي تعرض لها السكان الشرعيين، يكمن في العهدة العمرية. فالعهدة العمرية المتعارفة هي ما قطعه عمر مع المسيحيين المحليين، وسنبرز بعض النقاط منها لاحقًا. لكن ما لا يتحدث عنه المسلمون ومؤرخوهم كثيرًا، هو العهدة التي جعل عمر المسيحين يوقعوها له. وهي غير مشهورة أبدًا، لأنها مليئة بأقصى درجات الإذلال والإهانة والقمع الديني. وفيما يلي نص لتلك العهدة:

“..شرطنا (نحن المسيحيين) لكم (أيها المسلمين) أن لا نحدث (نجدد) في مدينتنا ولا فيما حولها ديرًا ولا كنيسة ولا قلاية (بيت للأسقف) ولا صومعة راهب. لا نجس منها ما كان في خطط المسلمين. ولا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار. وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل. وأن ننزل من مر من المسلمين ثلاث ليالٍ، نطعمهم ولا نواري في كنائسنا ولا في منازلنا جاسوسًا. ولا نكتم غشًا للمسلمين. ولا نُعَلم أولادنا القرآن، ولا نظهر شركًا، ولا ندعو إليه أحدًا، ولا نمنع أحد من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام أن أراده. وأن نوقر (نحترم) المسلمين، ونقوم لهم من مجالسنا إذا أرادوا الجلوس، ولا نتشبه بهم في شيء من لباسهم في قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر. ولا نتكلم بكلامهم، ولا نتكنى بكناهم، ولا نركب السروج (اي الخيل)، ولا نتقلد السيوف، ولا نتخذ شيئًا من السلاح، ولا نحمله معنا. ولا ننقش على خواتمنا بالعربية. لا نبيع الخمور. وأن نجز مقادم رؤوسنا، وأن نلزم زينا حيثما كنا. وأن نشد زنانير على أوساطنا. ولا نظهر الصليب على كنائسنا. ولا نظهر صلباننا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا في أسواقهم. لا نضرب نواقيسنا (أجراسنا) في كنائسنا إلا ضربًا خفيفًا. ولا نرفع أصواتنا مع مواتانا. ولا نتخذ من الرقيق ما جرت عليه سهام المسلمين. لا نطلع عليهم في منازلهم…” (المفصل ٩٤).

وفيها نرى مثلاً أن المسيحيين أمروا أن يميزوا أنفسهم بملابس خاصة لكي يعرفهم المسلمون؛ وبعد الأمور التي طلبت منهم كانت أن يقصوا مقدمات شعور رؤوسهم بشكل معين، ليظهر أنهم مسيحيين. وفي هذا نرى إذلالاً أبشع بكثير مما طلبه النازيين من اليهود، أن يضعوا نجمة داود باللون الأصفر على الناحية العليى اليسرى من أقمصتهم؛ فهنا نرى أن المسلمون، لم يطلبوا فقط من المسيحيين بأن يلبسوا زيًا معينًا؛ بل طلبوا منهم علامة تصيب الجسد نفسه، وهذا إذلالاً أعظم بكثير من تميز اللباس. طبعًا بالإضافة إلى الكثير من المتطلبات التي تعد بسيطة جدًا مقارنة بما طلبته قوات الاحتلال الإسرائيلي من الفلسطينيين على مدام الـ ٦٥ سنة الماضية.

٢- عاملوهم كما عاملوا الأجانب (الروم-البزنطيين):

نرى أن المسلمون تعاملوا مع السكان الفلسطينيين الشرعيين، تمامًا كما تعاملوا مع اليونان البيزنطيين. ففي العهدة العمرية التي تعهد بها عمر للمسيحيين، قال:

” …ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وعلى صلبهم، حتى بلغوا مأمنهم… فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم…”

أي سياسة الإذلال، والتطفيش للسكان الفلسطينيين الشرعيين؛ كما انتهجه المسلمون على البيزنطيين تمامًا. وهي إحدى السياسات التي نهجتها إسرائيل ضد السكان الفلسطينيين. أما بخصوص التسامح الديني، كما ذكره عارف في كتابه، فاختصره بثلاث سطور، دون أن يعطي أي مثل لذلك التسامح، فقال:

“ ولقد تمتع المسيحيون في زمن العرب بالحرية الدينية. ورأوا من شمسهم وآبائهم وكرم نفوسهم ما لم يروا مثله من الرومان والبيزنطيين المسيحيين أنفسهم.” (المفصل ١٠٢).

هذا كل ما ذكره الكاتب تحت عنوان التسامح الديني!! يا لها من مهزلة لكل إنسان مفكر. فبعدما ذكر عهدة المسيحيين لعمر، والإذلال والطغيان الإسلامي، يقول هذه الكلمات القليلة، الخالية من اي مثال تاريخي!! يا له من كذب صارخ على التاريخ، يُبَكِّي قلب كل إنسان له ضمير حي وفكر سليم.

٣- استبدال السكان المحليين، بمهاجرين جدد:

لقد كتب المفصل أن عدد الجيش الذي دخل البلاد المقدسة كان خمسٌ وثلاثين ألفًا (المفصل ٨٧)؛ وبقي الكثير منهم في الأرض. أما بعدما استقر المسلمون في فلسطين، وبعدما أطلقوا النداءات لتطفيش الفلسطينيين، أصحاب الأرض الشرعيين؛ بدأوا حركة استيطان لعرب مسلمين سكنوا في الأرض. فيذكر عارف فصلاً كاملاً عن أهم الشخصيات والعشائر التي استوطنت الأرض، تحت عنوان “تغلغل القبائل العربية في البلاد”. (المفصل ١٠٢-١٠٤).

يعني كما فعل اليهود تمامًا مع الفلسطنيين، أحضروا مهاجرين جدد، “عوليم حدشيم، עולים חדשים” ليستبدلوا بهم سكان الأرض الشرعيين.

لتكميل الموضوع، سنجيب في المقال القادم على سؤالين، زيف الإجابة عنهما جميع المؤرخين المسلمين:

لماذا لم يصلي عمر في كنيسة القيامة؟

وكيف كان شعور البطريرك صفرونيوس بقدوم المسلمين؟

المراجع:

[١] عارف العارف، “المفصل في تاريخ القدس”، الطبعة الخامسة، سنة ١٩٩٩، مطبعة المعارف، القدس.

[2] http://www.mariedenazareth.com/12908.0.html?&L=1

اقرأ أيضا:

إحتلال العرب لمدينة القدس (١) مقدمة
إحتلال العرب لمدينة القدس (٣) شعور المسيحيين تجاه المسلمين الغزاة

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to إحتلال العرب لمدينة القدس (٢) كيف تعامل المسلمون مع الفلسطينيين آنذاك؟

  1. س . السندي says:

    ماقل ودل .. لمن يدعي المنطق والعقل ؟

    ١: يكفي تخير سكان ألأرضي المغزية بين ألإسلام والجزية على عدم صدق هذا الدين ؟

    ٢: كيف لإله يخير عباده بين عبادته أو الجزية لنبيه ، وكيف لإله ينسخ أقوله بين ليلة وضحاها ، والملوك لاتفعلها ولو كان في ألأمر فناها ؟

    ٣: كيف لإله يمدح اليهود والنصارى في مكة ، ثم ينقلب عليهم في المدينة وفي نفس كتابه ، والسؤال لكل ذي عقل أهذا إله أم دجال ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.