عام 1897، أي قبل أكثر من قرن، سألت طفلة أمريكية اسمها فيرجينيا والدها:
هل صحيح أن سانتا كلوز (بابا نويل) غير موجود؟
في ذلك الزمن كانت صحيفة
(The Sun)
أشهر الصحف الأمريكية وأكثرها انتشارا.
أجاب الأب: إذا قالت صحيفة الـ
Sun
إنه موجود، فهو موجود!
أرسلت الطفلة فيرجينيا رسالتها تلك إلى رئيس التحرير:
عزيزي رئيس التحرير:
عمري ثمان سنوات، بعض أصدقائي الصفار يقولون لا يوجد سانتا كلوز، بابا قال: إذا قالت الـ
Sun
إنه موجود فهو حقيقة موجود!
لذلك من فضلك قل لي الحقيقة هل سانتا كلوز موجود؟
رد رئيس التحرير
Francis Church
على الرسالة ونشر الرد في الصحيفة، ورده هذا ـ حتى تاريخ اليوم ـ يعتبر من أكثر المواد التي نشرت في الصحف الأمريكية قاطبة!
******************************
فيرجينيا:
أصدقاؤك الصغار على خطأ، لقد تأثروا بالشك الذي يراودهم في هذا العمر، فهم لا يصدقون مالا يرون.
يعتقدون بأنه لا يوجد شيء خارج نطاق استيعاب عقولهم الغضة!
كل العقول، يا فرجينيا، سواء كانت للرجال أم للأطفال هي صغيرة!
في هذا الكون الرحب، الرجل مجرد حشرة، نملة، عندما يُقارن عقله بالعالم اللامحدود المحيط به، وعندما يُقاس بالذكاء القادر على استيعاب الحقيقة الكلية والمعرفة!
نعم، فيرجينيا، سانتا كلوز موجود!
ووجوده حقيقة، كما هو وجود الحب والكرم والتضحية، تلك التي تعطي حياتك جمالها المطلق وبهجتها!
كم سيكون عالمنا باهتا، وكم سيفقد من معناه ـ يا فرجينيا ـ لو لم يكن سانتا كلوز موجودا!
لن يكون هناك إيمان طفوليّ، ولا بيوت، ولا رومانسية لتساعدنا على تحمل أعباء الوجود!
لو توجب علينا أن لا نفرح إلا بما نراه ونحسه، لفقدنا الضوء الذي تشعه الطفولة في عالمنا….
لا نؤمن بسانتا كلوز!!!!
إذن، يجب أن لا نؤمن بأي من القصص الخيالية….
بامكانك أن تقنعي والدك أن يجلب الرجال كي يحاولوا أن يقبضوا على سانتا كلوز وهو يتسلل عبر المداخن رأس عيد الميلاد، ولكن حتى ولو لم يروه خارجا منها، ماذا سيثبتون؟؟؟
نعم، لا أحد يستطيع أن يرى سانتا كلوز، ولكن ليس لدينا برهان بأن سانتا غير موجود…
أكثر الأشياء حقيقة هي تلك التي لا يستطيع الرجال ولا الأطفال رؤيتها…
هل رأيت في حياتك الأقزام يرقصون فوق المروج؟ طبعا، لا، ولكن لا يوجد برهان أنهم ليسوا هناك…
لا أحد يستطيع أن يستوعب كل العجائب غير المرئية في هذا العالم…
تكسرين لعبة الرضيع بحثا عن مصدر الصوت الذي يخرج منها، دون أن تدرين أن هناك حجابا يغلف كل الأشياء غير المرئية، حجابا لا يستطيع أقوى رجل، ولا حتى قوة الرجال الذين عاشوا منذ الأبد مجتمعة أن تمزقه!
وحده الايمان، الشاعرية، الرومانسية تستطيع أن تزيل الستار عن تلك الأشياء، وتصوّر لنا الجمال الأزلي والعظمة اللذين يكمنان فيها، أليست، إذن، تلك الأشياء حقيقية؟؟
آه، يا فرجينيا، لا يوجد شيء في هذا الكون حقيقي وأزلي، أكثر مما هي تلك الأشياء غير المرئية…..
لا يوجد سانتا كلوز!!!!
شكرا لله، هو موجود وسيظل موجودا إلى الأبد…
سيظل موجودا ألف سنة من الآن……
لا لا …أكثر من ذلك، اضربي هذا الرقم بعشرة، سيظل موجودا عشرة آلاف سنة من الآن، وسيستمر إلى الأبد ليسعد قلوب الأطفال…
*********************************************************************
عندما قرأت رسالة حفيدتي جازي لسانتا كلوز هذا الصباح، ذرفت دمعة حرقت خدي، وعادت بي الذكرى إلى قصة فيرجينيا، فعدت إليها وترجمتها لقرائي، وأنا أتساءل:
ما الفرق بين فيرجينيا الأمريكية وأية طفلة سوريّة؟
آه لو كان السيد فرنسيس تشرش مازال حيا لأطرح عليه هذا السؤال!
آلاف الأطفال السوريين يعيشون ظروفا تأبى أن تعيشها حيوانات الغابة، ولا ضمير يتحرك….
لم أعد أقرأ قصصهم لأنني لم أعد قادرة على تحمّل الألم!
الهروب ـ على حد قول المثل ـ ثلثا المرجلة!
ولم أجد وسيلة أمام هذا الكم الهائل من القهر سوى أن أهرب من مواجهتها…..
…..
جازي تريد من سانتا كلوز أن يشتري لها بيتا للعبة، وكي توفر عليه وقتا وجهدا دلته على المتجر الذي بامكانه أن يجد فيه ذلك البيت، وابنتي ارسلت لي الرسالة أملا في أن أكون أنا سانتا كلوز لهذا العام!!!
ليتني أستطيع أن أكون سانتا كلوز، وأتسلل سرا إلى كل خيمة يرقد فيها طفل سوري، لأطبع قبلة على وجنته….
المشكلة في عالم لا يوجد فيه أمثال فرنسيس تشرش، لا يمكن أن يتواجد سانتا كلوز!
أيها المسؤولون العرب، متى سيخرج رجل منكم ليقول لأمته: نعم سانتا كلوز موجود، وهو حقيقة كما الحب والرومانسية والتضحية؟
متى سيقبل أن يكون كل منكم سانتا كلوز؟؟
كل الخزي والعار لكم…..
والمستقبل لنا، نحن الذين نؤمن بسانتا كلوز، وبالحب والتضحية والرومانسية…
نحن الذين نؤمن بأن الله يتجسد في الطفولة……
نحن الذين نؤمن بحق الحياة، ونبذل الغالي والرخيص لحمايتها…
……
المستقبل لكتابي القادم…
ولكل من ينير الدرب بابداعاته….
والموت لكم أيها السفلة، يامن أغرقتم وطني بدماء أطفاله!