أين المفَر؟

 February 21, 2015 ·

جلستُ أقلّبُ في محطّاتِ التلفزيون أبحث عن شيء أستطيع أن أشاهدَه بعد جُرعةٍ زائدة من الأخبار اليوميّة التي أصابَتني بالإستِياء، فوقعَ نظري على مَشهد ٍ أوقفني للحظة؛ كان مشهد من مُسلسل “أهل الرّاية” المَقيت والمُماثِل لمُسلسل “باب الحارة”. مشهدٌ استفزازيٌّ يعرضُ سخافة المُجتمع برجالهِ ونِسائِهِ، ويُسلّطُ الضّوءَ على تَدَنّي الفِكر والعِلم وحتّى الإنسانيّة، فيصوّر الإنسانَ السّوري – الرّجل كان أو المرأة – وكأنّه وحشٌ جاهِل، فيحكمُ ويقتلُ ويُنهي ويأمُر بجَهالةِ الفِكر ِ والقرار.

توّقفتُ لِلحظة وفكّرت كم شوّهَتْ هذه الأعمال الإنسانَ السّوريّ الحقيقيّ؛ كم شوّهَتْ عقلَ المرأةِ السّوريّة التي لعِبَتْ أدواراً مهمّة في الثلاثينيات من أواسِط القرن الماضي على الصّعيد الثّقافي والقومي والإجتماعي، وكم أثّرَتْ هذه الأعمال على عُقول الأجيال الشّابّة التي بدأتْ تتمثّل وتقتدي بشجاعة ‘العقيد’ المُزيّفة والمَبنِيّة على أفكار ٍ قَبَليّةٍ بالِية. وما كانَ مِمّا تلى هذه الأعمال إلاّ تلك المُسلسلات التّركيّة البائسة، التي اختَصرتْ معها أفكار وأحلام الشّباب بمئةٍ وعِشرين حلقة تتكلّم عن غرام “نور ومُهنّد”!!! مئةٌ وعِشرونَ ساعة من المُتابَعة لأحداثِ قصّةٍ شَدّتْ معها العُقول واستنفَذَتْ الأفكار والأحلام بهذه الرّواية الخياليّة.

كم يُؤلمني ما حَلَّ بالإنسان السوريّ من تَهميش ٍ وتَجريد ٍ فِكريّ؛ كم يُؤلمني أن أرى أجيال الشّباب تحتكِر تفكيرهم أحداث “باب الحارة” بأجزائِهِ الخمسة، وجريمة الشّرف النّكراء التي حصَلتْ في “أهل الرّاية” وتَهليل البعض لعودةِ مثل هذا التيّار!!
شعرتُ بالإزدِراء وأنا أشاهد تفاصيل تحرّكات المُمثّلين، ومَحدوديّة الفِكر التي قلّصَتْ الإنسانَ السوريّ بِما يشرب ويأكُل ويُمارس فقط شيئين؛ الجِنس والنّميمة، فاختَزَلتْ بهذا حضارة عمرها آلاف السّنين!!

ما كان منّي إلاّ وغيّرتُ هذا المَشهد الهَزيل المُبتَذَل، لأعودَ أستمع لأخبار الوطن المؤلِمة، وجُرعة جديدة من الألم والهَمّ … فماذا حَلَّ بك يا وطن!؟
تذكّرتُ قولَ طارق بن زياد عند مَضيق جبل طارق “العدوّ من أمامِكُم؛ والبَحرُ من ورائِكُم؛ فأينَ المَفَرّ!!؟
نعم .. أينَ المَفَرّ من كلّ هذا؟…. ولكِ اللّهَ يا سوريا. ا
الكاتبة ريم شطيح
#ريم_شطيح
#سوريا
#باب_الحارة
#أهل_الراية

About ريم شطيح

ريم شطيح كاتبة وباحثة سورية تكتب في الصحف مقالات سياسية وفكرية الدراسة: ماجستير في علم النفس من جامعة فينكس الأميركية
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.