علي الكاش: كاتب عراقي
عندما قتل الشيخ الصفوي حسن شحاتةـ أقيم له في جنوب العراق عدة مآتم وعلقت بسرعة المئات من اللافتات والصور الكبيرة تحمل اسم الشيخ مما يثير الدهشة ويدل على إستعدات قوية وتمويل سريع، وقد اعتبر الشيخ شهيد الشهداء والشهيد السعيد، وسميت أحدى الساحات في الجنوب بأسمه. والرجل لم يكن يحمل من المشيخة لا علما ولا عمامة ولا نسبا. كل مافي الأمر إنه صنيعة إيرانية قضى حياته ما بين زيارة قم والتزود بما خف حمله وغلى ثمنه، والتأنس بزاوج المتعة. وقد أخذ الشيخ شهرته من تكراره الشتيمة على الصحابة وسب أم المؤمنين عائشة وتكفيرهم بلسان بذيء تعف عنه العاهرات. والشيخ هو الوجه الثاني لياسر الحبيب في بذائته ونهجه الصفوي الأعوج.
كتبنا عنه مقالا حينها ولم نستغرب ردود الفعل تجاه المقال لأنه يناقش موضوع غارق في دوامة الغموض وضال في متاهات الوهم. ولكن ما حثنا على المعاودة، إن المحور الطائفي تحول من موضوع هامشي الى محور جوهري على الصعيدين الإجتماعي والسياسي في العراق، وذلك بعد ان صحت الفتنة من غفوتها الطويلة على نهيق رجال الدين والسياسة. وإزداد عفوانها مع ذكرى وفاة الإمام العسكري مطلع هذا الشهر. وهذا ما توضح خلال المسيرة العوجاء التي قادها زعيم الغوغاء ثائر الدراجي بحماية الشرطة والأجهزة الأمنية وهي تجوب منطقة الأعظمية ـ معظم سكانها من أهل السنة ـ وكان المتظاهرون يرددون شعار” لعن الله عمر، هو للضلع كسر”. أي الخليفة عمر الفاروق كسر ضلع فاطمة زوجة علي بن أبي طالب. علاوة على سبٌ النواصب وأم المؤمنين عائشة وبقية رموز أهل السنة في عقر دارهم ـ يمكن الرجوع إليها بسهولة في المواقع ـ وفي تحد سافر لم يشهد له العراق مثيل سوى عام 1965 عندما أرسل شاه إيران أقفاص من الذهب إلى العتبات المقدسة فطافوا بها شوارع بغداد بصحبة عدد من الإيرانيين، ثم مروا متعمدين من منطقة الأعظمية لإستفزاز سكانها وكانوا يرددون أمام جامع أبي حنيفة شعار” يتلفت حسباله نزوره”. إي إن الإمام أبو حنيفة ينتظر زيارتهم الميمونة ولكنهم سيخيبون إنتظاره كخيبة إنتظارهم المهدي؟ وكانت النتيجة علقة قوية وإرجعوهم من حيث أتوا. ذلك عندما كان الرجال رجال ولم يلبسوا العباءات. إن سكوت القوي عن حقه يشجع الضعيف في التمادي عليه والإستهانة به. وتصل به الجرأة لأن يهينه ويذله في عقر داره.
لدينا في العراق الكثير من ورثة المسخ الراحل شحاته، وما كان لأحد منهم يجرأ على السب والشتيمة علنا بحكم الخوف أو ما يسمى بالتقية. ولكن عندما تُرفع أقنعة التقية تسفر الوجوه القبيحة المتخفية عن ضلالتها. لقد أدخل البعض رؤوسهم في رفوف الكتب التأريخية المغبرة محاولين إستنطاق الأوراق الصفراء، لعل جهودهم تشفي عليلا أو تروي غليلا. ولم ينتبهوا إلى أن الكثير من المراجع تضم بين دفتيها المغالاة في الأفعال، وتحريف للكلام، والأغلاط الفاضحة، والإسهاب في الإسفاف، والتعابير السخيفة، والأساليب الركيكة، والكلمات الفاحشة والطمطمانيات التي لا يخرج منها المرء بطائل. لقد تضاربت الأفكار وتصارعت الرؤى في الروايات والأحاديث. كل يدلو بدلوه في سبيل أن يقيم حجته على الآخر. احيانا بعقل وأحيانا بتهور، تارة بإعتدال وتارة بتطرف. ولم يخرج البعض من دهاليز التأريخ سوى بالأتربة والفطريات العقلية الفتاكة فخلطوا الإيمان بالضلالة، والتعصب بالتسامح، والرشد بالهوى. والقليل من غاص في التأريخ وخرج من أعبابه محملا بالمعرفة المجردة من الشوائب التي هي المرفأ الأمين والملاذ المعين للباحثين عن الحقيقة.
مهما كانت أهمية التأريخ، فإنه لا يحمل الحقيقة كاملة وقد صدق الشاعر بقوله:
وما كتب التأريخ في كل ماروت لقرائها إلا حديث ملفق
نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا فكيف لأمر الغابرين نصدق
التأريخ يكتبه عادة المنتصرون والحاكمون والمتسلطون والمتزلفون، وقليل من يشذ عن هذه القاعدة فيكون هدفه الحقيقة الناصعة، دون أن يخضع نفسه للأهواء والميول، ويكبت نوازعه وشهواته. وخير مثال على ذلك العراق الجديد الذي يسبغون عليه صفات الحرية والديمقراطية والتعددية، وتعزيز حقوق الإنسان وغيرها من الصفات الباطلة، حتى ليخيل للقاريء البعيد عن العراق، إن هذا البلد في القمة وليس في القاع كما هي الحقيقة. التأريخ تعتز به الأمم بسلبياته وإيجابياته لأنه يمثل صفحة تأريخية طواها الزمان، إنتهت بنهاية شخوصها وأزمانها واحدائثها ومسبباتها. إنه دروس وعبر وليس حجر عثرة يقف أمام تقدم الشعوب ونهضتها. وإن كان التأريخ كذلك فوجب رصفه جانبا والإنطلاق نحو المستقبل كما فعلت المانيا واليابان. علينا أما أن نستذكر الصور المشرقة والناصعة في تأريخ أمتنا المشرف والبناء الإخلاقي والإنساني الذي أسسته، ونستهدي بمباديء الإسلام السمحاء بإعتبارها العلاج الناجع لأمراضنا الإجتماعية المزمنة. أو نجعل التأريخ طوطما ونهمله مثل أرض محرمة مزروعة بالألغام.
تأريخنا مع الأسف الشديد أصبح العدو الذي يتربص بحاضرنا. والعجب إن تأريخنا لا يموت! إنه لايزال حيا بشخوصه واحداثه وتفاعلاته. تأريخنا كالخريف سقطت أوراقه الخضراء وأصفر ما تبقى منها. تأريخنا صار قطبا سالبا بفعل الشعوبية التي ما تركت منه شيئا سالما. تأريخنا مُسحت منه الإيجابيات وحلت محلها السلبيات فأمسى مقززا غير مستساغ اللون والرائحة والطعم. تأريحنا مسخته الفرق والملل والعقائد الوافدة من خارج الأمة والإسلام.
من الصعب التصور ان يقوم مسلم رشيد مؤمن بالله ورسوله بسب زوجه نبيه المصطفى وكبار الصحابة، بعض النظر عن موقفه الشخصي منهم. لكل منا رأيه ولكن ليست كل الأراء يعلن عنها ويجهر بها أمام الناس، سيما إن كانت تؤثر في مشاعر البعض. فأنت عندما تكون في الهند مثلا لا يمكن أن تضرب أو تهين بقرة لأنهم يقدسونها، ربما تستهجن هذه العقيدة وتتندر عليها لكن أفكارك تبقى أسيرة ذاتك، ولا تخرج للملأ لما فيها من مضرة عليك وعلى الآخرين.
لكن مسيرة الغوغاء (الدراجية)المحمية من قبل رجال الشرطة والأمن الطائفي تجاوزت كل الخطوط الحمراء من خلال الشعارات التي طرحت. كإنما أم المؤمنين هي أم أهل السنة فقط، وكأن ابو بكر وعمر من ممتلكات الوقف السني، وعلي والحسين من ممتلكات الوقف الشيعي. لا العراقيون أحفاد الحسين ولا السوريون أحفاد معاوية ولا المصريون احفاد عمر بن العاص. جميعهم ليسوا من العراقيين وما العراق بالنسبة لهم إلا بلد نكل بالأئمة وورطهم وخذلهم فصبوا عليه حقدهم وكراهيتهم الأبدية، فقد قال عنهم الإمام علي “من يصول بهؤلاء فقد صال بالسهم الأخيب”. وقال عنهم علي بن الحسين “يا أهل العراق أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى أصبح علينا عارا، وبغضتمونا إلى الناس”. وقد تحقق دعاء الإمام الحسين عليهم “اللهم إن متّعتهم إلى حين ففرّقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً”. إن لعنة الحسين ملازمة للعراقيين، كالظل لا تفارقهم.
البعض وصل به الحمق بإنتظار موقف من المرجعية إتجاه المنحرف ثائر الدراجي! ويبدو إن الحمق فعلا متأصل في بعض الأدمغة. أي موقف يٌتنظر من الأصنام الأربعة في النجف. إنهم لا يستطيعون التفوه بكلمة واحدة، لأن هذا مرادهم وهو من نتاج كتبهم وخطبهم. إن ثقافة اللعن هي اساس من أسس العقيدة الصفوية ولا يمكن الخروج عنها مهما كانت خطورة النتائج. يذكر الكليني وهو بخاري القوم “أن الشيخين فارقا الدنيا ولم يتوبا، ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين”. وهذا المرجع الملقب بعمدة العلماء والمحققين محمد نبي التوسيركاني يذكر في كتابه لآلئ الأخبار عن افضل أوقات اللعن “إعلم أن أشرف الأمكنة والأوقات والحالات وأنسبها للعن عليهم، عليهم اللعنة إذا كنت في المبال فقل عند كل واحد من التخلية والاستبراء والتطهير مرارًا بفراغ من البال. اللهم العن عمر ثم أبا بكر وعمر ثم عثمان وعمر ثم معاوية وعمر ثم يزيد وعمر ثم ابن زياد وعمر ثم ابن سعد وعمر. اللهم العن عائشة وحفصة وهندًا وأم الحكم والعن من رضى بأفعالهم إلى يوم القيامة”. وهذا الخميني الذي تملأ صوره العراق الجديد يذكر بكل وقاحة ورعونة “وإن مثل هؤلاء الأفراد الجهال الحمقى والأفاقون والجائرون غير جديرين بأن يكونوا في موقع الإمامة وأن يكونوا ضمن أولى الأمر”.
كما إن الطعن بشرف أم المؤمنين عائشة يمثل كذلك ركنا اساسا في العقيدة، إرجع إلى مصادر الصفويين وسترى العجب العجاب وهذه بعض منها. قال مرجعهم الطبرسي الذي يجاور مرقده مرقد أئمتهم وهو من أكبر مراجعهم الذين يعظمونهم “إنَّ عائشة زينت يوما جارية كانت عندها، وقالت: لعلنا نصطاد شابا من شباب قريش بأن يكون مشغوفا بها”. (احتجاج الطبرسي). ويذكر الشيخ رجب البرسي “إنَّ عائشة جمعت أربعين دينارا من خيانة وفرقتها على مبغضي علي”. (مشارق أنوار اليقين لرجب البرسي). نعم هذه هي العقيدة زأسسها، ويخطأ من يظن إن التأريخ لا يعيد نفسه، لقد ورث بعض الصفويون من السلف الحقد والكراهية واللؤم والغدر. فمن ينتظر موقف من المرجعية بشأن اللعانين والشتامين كمن ينتظر إمامهم المهدي.
وإذا ما قام أحدهم ـ وهذا شبه محال ـ بمطالبة الرعاع بالكف عن اللعن والشتيمة فإنه سيفقد حظوته عند أتباعه. أي يفقد الخمس، وكل شيء يمكن التضحية به عند المراجع من الشرف والكرامة والغيرة والعقيدة إلا الخمس! إنه دينهم وديدنهم.
وإن قالها المرجع فرضا بلسانه فسوف ينفيها فورا بقلبه، وسيٌفهم أتباعه قبلها أو بعدها بأنها التقية، وهذا النفاق مقبول وتسمح به العقيدة بل هو يمثل تسع أعشار الدين. إلا تتذكرون كذب المرجع الأعلى عندما أعلن بأنه سيقف على مسافة واحدة من الكتل المرشحة في الإنتخابات السابقة، وإذا به يُوقف الدراسة في الحوزة، ويرسل الطلاب إلى المحافظات موجها بإنتخاب القائمة الشيعية! والنتيجة أمامكم.
هذه المراجع الصفوية البغيضة هي السبب الرئيس في تفكيك المجتمع العراقي وإتلاف نسيجه الإجتماعي. إنظروا إلى المرجع الأعلى فقد أعلن عيد الاضحى المبارك بعد إعلان السعودية مباشرة وكالعادة بفارق يوم واحد. وأتحدى أي شخص يذكر عيد مضى أعلنه المرجع قبل أهل السنة! إنهم لا يعلنوه إلا بعد إعلانه من أهل السنة في سبيل أن لا يتوافق معهم. لكن هل سمعتم إن المرجع إختلف أو خالف في رؤية هلال شهر محرم؟
اما من ينتظر المالكي عسى أن يتخذ إجراء ضد ثائر الدراجي و المتظاهرين أو الأجهزة الأمنية التي كانت تحميهم، فإنه كمن يطبخ على شعلة شمعة. أليس المالكي هو من صرح بأن هناك بحار من الدماء بينه وبين النواصب؟ هل إتخذ المالكي أي إجراء سابق ضد واثق البطاط زعيم حزب الشيطان في العراق وتهديداته لأهل السنة؟ هل إتخذت الحكومة إجراء ضد الأستاذ الطائفي(عباس حكمت فرمان) معاون عميد كلية القانون لشؤون الإدارة. عندما جاء في أسئلته لإمتحان نصف السنة السؤال الغريب التالي: “قام المدعو عمر بقتل شقيقته عائشة لتلبسها عارية في الفراش مع عشيقها متلبسين بالزنا. فقتلهما في الحال! فما هو الحكم القانوني”؟ ما الفرق بين هؤلاء ومن يفجر نفسه؟ أليس جميعهم بإرهابيين؟
هل يجرأ أي من رجال الأمن والشرطة بحماية اللعانيين لو لم يكن محصنا من قبل قادته؟ هل فاتكم اللعن وسب الصحابة الذي تمارسه قوات المالكي نفسها عند مداهمات مناطق أهل السنة؟ أليس المالكي طائفيا؟ إذن ما الذي تنتظروه من عميل طائفي حتى النخاع؟ هل سيرفع نعاج وثيقة الشرف التي لم يجف حبرها بعد رؤوسهم للأعلى ويتحدثون عن الشرف الذي فقدوه من يوم وضعوا أيديهم بإيدي أعداء العراق؟ وهل يلام أحمد مطر عندما وصف وطنه” ألا تف على هذا الوطن والف تف”؟
لكن نقول لمطر ليس تف على هذا الوطن! بل تف على أصحاب العمائم التي تخفي تحتها أعتى الشياطين. وتف على بوش الذي سلم الأوغاد قيادة البلاد. وتف على الخامنئي الذي أعاد الحكم الصفوي للعراق. وتف على حكومة العمالة التي تنحصر كفائتها بالقتل والسرقة والفساد وإثارة الفتن. وتف على الأصنام الأربعة التي إبتلى العراق بهم. وتف على البرلمان العقيم الذي عجز عن تخصيب الحكومة. وتف على الوقف السني المشغول بالسحت الحرام. ألا تف عليكم جميعا وألف تف.
لم يبق لنا أمل إلا بالله الواحد الأحد، والمقاومة الوطنية لتقطع السنة الأفاعي الصفوية السامة