أوهام وأكثر

زهير دعيم
تعجّ وتمتلىء فضائياتنا في هذه الايام بالمسلسلات الرمضانيّة وكلها حبّ وخيانة زوجيّة وعِشق خارج القفص وفساتين من باريس كما : الحبّ الحقيقي ، الحبّ جنون ، الحبّ لا يفهم الكلام ، حدوتة حُبّ ، سيرة حبّ وجوليا والحبّ وتانغو الحبّ … ووقتنا والذي من المفروض ان يكون ثمينًا يُهدر جزافًا في اغلب الاحيان في مشاهدة هذه المسلسلات التي تجرح المجتمع ومشاعره وتحكي فقط عن الزواج والحبّ والخيانة والحب المحرّم وكأن الشرقيّ يعيش البحبوحة ولا ينقصه الا الحبّ يتمرغ فوقه وعليه ، فلا نفايات ، ولا جوع ، ولا مشاكل في الكهرباء والصحّة والحياة برمتها..نعم الكل متوفّر وبوفرة فلا بأس من التمرّغ وصرف وقتنا في ” النعنفة”..
قبل عدّة أيام وبالصدفة تابعتُ مع زوجتي أحد المسلسلات إيّاها وإذا صبيّة سوريّة جميلة كما العادة تنحني الى الارض لتلتقط فيما أذكر عقدًا سقط منها ، فتكشّف النقاب عن وجهها …فيا للعار والشنار ويا للهول ويا للمصيبة العظمى !!! فقد شاهدها شاب كان هناك وتبادل معها النظرات .. ولم ينته الامر عند هذا الحدّ ويا ليته انتهى، فالطامة الكبرى أنّ احدى السيّدات رأت هذا المشهد “الحرام” فحملته الى الحارة بنسائها ورجالها وأطفالها ، فملأ الاستياء والقيل والقال كل نفس وانتفضت الحارة وثارت كما فارت الدماء في العروق .
وقضيت ثلاثة أرباع الساعة من العمر في قضية الوجه المكشوف والعينين المكحولتين والشاب ّ مختلس النّظَر.. هذا الوجه وهذه العينان التي التقت صدفة او عن غير قصد بعينين خشنتين كانت مدار الاحداث في ذاك المسلسل الذي نسيت اسمه !
حقيقة.. بحر من المسلسلات يجعل الغوّاص الماهر والمتمرّس ان يغرق ؛ مسلسلات كلّها تصبّ في ذات الفكرة : المرأة ، الزواج ، الإشاعة ، الطلاق ، الخيانة الزّوجيّة ، الزواج من ثانية وثالثة والعادات الجميلة !!!! التي أكل عليها الدّهر وشرب.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : ماذا تفيدنا هذه المسلسلات في هذا الزمن الراكض نحو الاختراعات في كلّ ساعة ، ونحن خاملون نلوك الماضي ونجترّه ونبكي الفقر والفقراء ، في حين نصرف ملايين الدولارات عليها هباءً منثورًا ، وكان بمقدورنا أن نوزّعها على فقراءنا الذين ملأوا الأرض والبحار.


لقد بات الأمر عادةً وادمانًا ومخدِّرًا ، وأضحت القنوات الفضائية المزروعة في شرقنا بكثافة مهولة ، أضحت إمّا للمأكولات والطبخ وإمّا للمسلسلات البائتة التي تعدو بنا الى الوراء والى رسم الواقع بالوان الخيال.
شرّ البليّة ما يُضحك ! فنحن نضحك على نفوسنا وعلى شعوبنا ، فنلوك الماضي ولا نتجرّأ أن نقابل الحاضر والآتي لئلا نظهر في عين الشمس والحقيقة ، ولئلا نُصدَم ، فحالنا بائس وأكثر ، وحالتنا تستدرّ العطف والشّفقة …
حمدًا للربّ دومًا ..وحمدًا جزيلًا له لأنّنا سنعيش بدءًا من الرابع عشر من هذا الشهر( حَزيران) سنعيش عرس المونديال في سانت بطرسبورع وموسكو، فعلى الأقلّ هناك مُتنفّس وبارقة أمل وهناك مخرج ، فمباريات كرة القدم فيها من الزركشة شيء جميل، ففيها ميسي ورونالدو وصلاح وكروس وغيرهم …شهر جميل وعرس انيق يأخذك بعيدًا بعيدًا الى العطاء والبذل والمنافسة الشريفة والجهاد الحَسَن ،
وأخيرًا أقول – وأنا أعلم أنّ هناك من سيخالفني الرأي – أنّ هذه المسلسلات او معظمها بزخمها وفيضانها تسرق أحلامنا منّا وتدفن آمالنا وطموحاتنا وتزرع في نفوس شبابنا وصبايانا روح الكسل والخمول والخيانة الزوجية والعشق المحرّم وتصوّر لنا الدنيا باّنها جنّة عدن فالكل جميل وكلهن ساحرات فاتنات يرفلن بالفساتين الباريسية ويتأنقّن ويتبرجن ويتبخترن بدلال فلا هموم ولا يحزنون .
قال احدهم مرّة : أوهام…

About زهير دعيم

زهير دعيم زهير عزيز دعيم كاتب وشاعر ، ولد في عبلّين في 1954|224. انهى دراسته الثانويّة في المدرسة البلديّة "أ" في حيفا. يحمل اللقب الاول في التربية واللاهوت ، وحاصل على شهادة الماجستير الفخرية في الأدب العربي من الجامعة التطبيقيّة في ميونيخ الالمانيّة. عمل في سلك التدريس لأكثر من ثلاثة عقود ونصف . حاز على الجائزة الاولى للمسرحيات من المجلس الشعبيّ للآداب والفنون عن مسرحيته " الحطّاب الباسل " سنة 1987 . نشر وينشر القصص والمقالات الاجتماعية والرّوحيّة وقصص الأطفال في الكثير من الصحف المحليّة والعالمية والمواقع الالكترونية.عمل محرّرًا في الكثير من الصحف المحلّية.فازت معظم قصصه للاطفال بالمراكز الاولى في مسيرة الكتاب. صدر له : 1. نغم المحبّة – مجموعة خواطر وقصص – 1978 حيفا 2. كأس وقنديل – مجموعة قصصيّة –1989 حيفا 3. الجسر – مجموعة قصصيّة حيفا 1990 4. هدير الشلال الآتي – شعر 1992 5. الوجه الآخَر للقمر مجموعة قصصيّة 1994 6. موكب الزمن - شعر 2001 7. الحبّ أقوى – قصّة للأطفال 2002 ( مُترجمة للانجليزيّة ) 8. الحطاب الباسل- 2002 9. أمل على الطّريق -شعر الناصرة 2002 10. كيف نجا صوصو – قصة للأطفال (مُترجمة للانجليزيّة ) 11. العطاء أغبط من الأخذ –قصة للأطفال 2005 12. عيد الأمّ –للأطفال 2005 13. الخيار الأفضل – للشبيبة -2006 14. الظلم لن يدوم – للشبيبة 2006 15. الجار ولو جار – للأطفال 16. بابا نويل ومحمود الصّغير – للأطفال 2008 17. الرّاعي الصّالح –للأطفال 2008 18. يوم جديد – للأطفال 2008 19. الفستان الليلكيّ – للأطفال 2009 20. غفران وعاصي – للاطفال 2009 21. غندورة الطيّبة – للأطفال 2010
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.