أوباما يتعامل مع الأزمة السورية بدم بارد

ريتشارد كوهين: الشرق الاوسط

اتضح أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أخطأ في التعبير واختلط عليه الأمر بين الخط الأحمر والخط الأخضر، تماما كما في محطة المترو، حيث يشير هذان الخطان إلى اتجاهي النزول من عربة المترو والصعود إليها، واتضح أن الرئيس أوباما كان يقصد الخط الأخضر بدلا من الخط الأحمر! وكانت صحيفة «واشنطن بوست» قد نقلت عن الرئيس الأميركي قوله إنه لم يكن يعني ما قاله بخصوص «الخط الأحمر»، بشأن الأزمة السورية. وكان الرئيس أوباما قد نسي أن استخدام الأسلحة الكيميائية أمر محظور في جميع أنحاء العالم، وأن استخدامها يعد منطقة محظورة لا تقبل التلوين بين الخطوط الحمراء والخضراء!

وكان البيت الأبيض قد أصدر بيانا بدأ بالحديث المعتاد عن انعقاد اجتماعات رفيعة المستوى بشأن كيفية الرد على التقارير التي ظهرت الصيف الماضي وتقول بأن نظام الرئيس السوري بشار الأسد يستعد لاستخدام أسلحة كيماوية. وبعد الاعتماد على نهج معين للتعامل مع هذه القضية – التحذيرات التي تنتقل عن طريق الروس وحتى الإيرانيين – تحدث أوباما في شهر أغسطس (آب) إلى أصدقائه المقربين في الصحافة، وذهب أوباما إلى أبعد مما اعتقده بعض المستشارين وقال إن استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية سيكون بمثابة «خط أحمر» لا يمكن تجاوزه، كما لم تخلُ تصريحات الرئيس الأميركي من كلمات معتادة مثل «عواقب» و«الحسابات» المتغيرة.

ومع ذلك، دعونا نتساءل: لماذا يعد استخدام الغاز السام خطا أحمر، في حين لا ينطبق نفس الأمر على ذبح المدنيين بالوسائل التقليدية، مثل البنادق والسكاكين والمدفعية والقنابل والألغام. فالموت هو الموت، وفي حين يمكن النظر إلى الغاز على أنه وسيلة شنيعة ووحشية للموت، فلا يمكنني أن أوصي بطريقة أخرى جيدة للموت، ولكن يمكنني أن أؤكد أنه ليس من السهل أن تستخدم الغاز – مع الوضع في الاعتبار الاتجاهات المغيرة للرياح – كما أن الغاز ليس بالسلاح الفعال.

وفي الآونة الأخيرة، كتب جون مولر، وهو خبير سياسي بجامعة أوهايو، مقالا بمجلة «العلاقات الخارجية» يقول فيه إن البريطانيين هم من روجوا لخطورة استخدام الغازات خلال الحرب العالمية الأولى، وذلك في محاولة لتصوير الألمان على أنهم بلا أخلاق – ولحث الولايات المتحدة على الدخول في الحرب. وكما رأينا في العراق والآن في سوريا، ربما يكون هذا الكلام المخيف هو الاستخدام الأكثر فعالية للأسلحة الكيماوية!

وعلى أية حال، تحدث الرئيس أوباما عن خطوط حمراء أخرى برباطة جأش مثيرة للإعجاب، في الوقت الذي تسامح فيه مع قصف المناطق السكنية وقتل المدنيين واستخدام سلاح الجو في القصف وإطلاق الصواريخ على التجمعات السكنية والهجوم على الصحافيين والعديد من المجازر، مثل تلك التي وقعت الأسبوع الماضي من قبل قوات النظام السوري والتي أودت بحياة نحو 70 شخصا في قرية البيضا.

في الحقيقة، تعاني الإدارة الأميركية من مشكلة حقيقية، لأنها لا تجد ما تقوله، علاوة على أنها لا تتبع سياسة محددة تجاه ما يحدث في سوريا، كما هو الوضع في أماكن أخرى. كل ما تريده الإدارة الأميركية هو تجنب المتاعب والمشكلات بالخارج لإحداث نوع من الهدوء والاستقرار في الداخل – وهو ما يعد بمثابة طموح رائع، ولكنه لا يرقى لكونه سياسة. في العراق، على سبيل المثال، تعاملت الإدارة الأميركية مع الحرب الطويلة هناك عن طريق الانسحاب السريع، والآن يتجه العراق نحو حرب أهلية، في الوقت الذي يؤكد فيه الإسرائيليون أنه يتم استخدام الأجواء العراقية من قبل إيران لإرسال أسلحة إلى حزب الله في لبنان. نعرف جميعا أن حرب العراق خطأ كبير، ولكن الأمر بات أكثر سوءا الآن.

وعلاوة على ذلك، هناك حالة من عدم وضوح الرؤية فيما يتعلق بالوضع في أفغانستان أيضا، حيث ستبقى القوات الأميركية هناك حتى عام 2014 فقط لأن الرئيس أوباما قد قرر الوصول لحل وسط بين أولئك الذين يريدون المزيد من القوات والمزيد من الوقت، وأولئك الذين يريدون تقليل عديد القوات وتقصير المدة الزمنية للبقاء هناك، وهو ما يجعل من الواضح أن السياسة الخارجية لأوباما تهدف في الأساس لمداهنة منتقديه في الداخل. وإذا كان هناك مبدأ أساسي لدى أوباما، فإنه يتمثل في إلقاء خطاب الحيدة والوصول لحلول وسط.

في الحقيقة، يتعين على الرئيس أوباما الكف عن الحديث عن الخطوط الحمراء والتوقف عن ترديد التحذيرات من تحول سوريا إلى عراق جديد لأن هذا لن يحدث.

تستطيع الإدارة الأميركية تسليح الثوار المعتدلين واستخدام سلاحها الجوي، كما حدث في ليبيا (وكما تفعل فرنسا في مالي من خلال عملية محدودة). أما بالنسبة لاستخدام القوة الجوية، فيبدو أن الإسرائيليين يضربون أهدافا داخل سوريا وهم يستمتعون بحصانة كاملة من الولايات المتحدة – وربما من خارج المجال الجوي السوري – مع عدم وجود أي تقارير أو حتى ادعاءات سورية بإسقاط طائرات إسرائيلية.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة الآن هو: لماذا تصر وزارة الدفاع الأميركية على عدم التدخل في سوريا؟

لقد بدأ الوضع السوري يخرج عن نطاق السيطرة. وكلما تأخر أوباما في التدخل، زاد الأمر صعوبة، ولا سيما أن الصراع قد أودى بحياة أكثر من 70 ألف شخص حتى الآن، كما تشرد أكثر من مليون آخرين.

يعاني السوريون بشدة، والنتائج المترتبة على عدم التحرك لحل الأزمة نتائج كارثية، والبيت الأبيض يتعامل مع الأزمة بدم بارد، في الوقت الذي يخرج فيه الرئيس أوباما في نهاية الأمر ليقول إنه لم يقصد ما قاله عن الخط الأحمر!

* خدمة «واشنطن بوست»

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.