أهل الكتاب

peopleof thebook

د. ميسون البياتي

تعرفت لأول مرة على المؤرخ والباحث الأمريكي زخاري كرابل عند قراءتي لكتابه الرائع ( إختراق الصحراء ) الذي يتحدث عن جهود المهندس الفرنسي الشهير فرديناند دي ليسبس بالتعاون مع الخديوي محمد سعيد لتأسيس أكبر صرح هندسي على وجه الأرض , وهو شق قناة السويس , ذلك المشروع الذي لم يكن عملاقا في بنيته الهندسية أو المعمارية حسب , لكنه كان عملاقا أيضا في تغيير طبيعة العلاقة ما بين الشرق والغرب وطبيعة نظرة كل جهة منهما الى الأخرى .. وطبيعة السياسات الغربية التي تصارعت بعد شق القناة من أجل الإستحواذ على الشرق الأوسط .
حين تقرأ لزخاري كرابل لا تمتلك إلا أن تعجب بكتاباته , فهو غزير المعلومات , فلسفي النظرة , ولغته أقرب الى لغة الشعر منها الى الأدب المنثور , وفوق كل هذا فهو يمتلك صوتا هادئا لا تعلو نبرته حتى وهو يناقش أكثر المواضيع حساسية , وسلاحه الذي يمنحه هذا الهدوء هو سيطرته التامة على كل مخارج الموضوعات التي يتكلم عنها .
الفصل الختامي من كتاب ( إختراق الصحراء ) عنوانه ( أوزمانديز ) . قد تجدون العنوان غريبا لأول وهلة , لكن الإطلاع على محتويات الفصل تجعل الأمور واضحة تماما , وتدلل على نوع الأسلوب واللغة التي يكتب بهما زخاري كرابل .
الفرعون رمسيس الثاني كان قد نحت لنفسه تمثالا وزنه 1000 طن من الحجر , موجود الآن في منطقة الأقصر المصرية .. منقوش عند قاعدته عبارة تقول إنه الأعظم وأن أحدا لن يتمكن من التفوق على إنجازاته . وعلى مدى آلاف من السنين قامت الشمس والعواصف والمطر ولفحات الرمل ب ( تثليم ) حجر هذا التمثال , ومحو الكثير من الكلمات المكتوبة على قاعدته .
رمسيس الثاني .. من المعتقد أنه هو الفرعون الذي حاول منع موسى عليه السلام وأتباعه من الخروج من أرض مصر , وعبور البحر الأحمر لتتم تسميتهم بعد ذلك بإسم ( العبرانيين ) . رمسيس الثاني ورد إسمه في النصوص اليونانية الإغريقية ( أوزمانديز ) … ورغم أن الكلمات المكتوبة على قاعدة تمثاله تتحدى من يقرأها أنه لن يتمكن من التفوق على الفرعون , إلا أن الزمن هو الذي تفوق في النهاية .. وهاهو تمثاله مرمي بين الخرائب في الصحراء .
وبمثل هذا ستكون نهاية عظمة مشروع قناة السويس . فإذا كانت حياتنا المعاصرة تعتمد على البر والبحر للتنقل , مما يجعل لبعض النقاط البرية أو البحرية أهمية قصوى .. فمن يدري ما الذي سيتوصل إليه العلم غدا خارقا كل خيال ليجعل نقل البشر وحاجاتهم أيسر من إرسال إيميل او فاكس ؟ عندها ما الذي سيتبقى من قيمة عظمة إنجاز قناة السويس ؟ ستصطف هي الأخرى الى جانب ( أوزمانديز ) صرحا شامخا تأكله الرياح والمطر .
ملاحظة : قمت بالبحث عن إسم أوزمانديز فوجدت شيئا مدهشا , مثلما إستمد العرب أسماء الكثير من أبنائهم من لغات فارسية ورومية ويونانية , حيث أخذنا أسماء مثل قيصر وإسكندر , الإسم أوزمانديز دخل الى العربية فتحول الى : عثمان .

إعجابي بأسلوب كتابة زخاري كرابل جعلني أضع إسمه على سيرفر البحث في المكتبة المركزية للبحث عن بقية كتاباته فعثرت على عنوانين إضافيين الأول هو ( أهل الكتاب ) بطبعة بريطانية أما الثاني فهو ( السلام عليكم ) بطبعتين أمريكيتين .
إستعرت ( أهل الكتاب ) و( السلام عليكم ) وجلست أتصفحهما داخل المكتبة , فتبين لي أن الكتابين هما في الحقيقة كتاب واحد تغير عنوانه مع تغير دار نشره , ولا أدري هل من حق دار النشر أن تغير عنوان كتاب يبعثه لها المؤلف ؟ أم أن المؤلف هو الذي غير عنوان كتابه ليجعله متماشيا أكثر مع توجهه العام ؟
ثم قرأت العنوان التفصيلي لكلا الكتابين فوجدتهما مختلفين أيضا . عندها قررت أن أطلب النسخة الثالثة من الكتاب . ولأن (( الكتاب يقرأ من عنوانه )) كما قالت العرب فقد جلست أقرأ هذه العناوين … وأتأمل أغلفة هذه الكتب , وقبل أن أدخل الى عالم الكتاب .. شعرت أنني أمام فخ . لهذا تابعوا معي رجاءا .
الكتاب بطبعته البريطانية عنوانه : ( أهل الكتاب _ التاريخ المنسي للإسلام والغرب ) لون الغلاف وردي مرمري , أما العنوان فمطبوع بلون برونزي . عليه صورة رجل مسلم راكع , فاتحا يديه بالدعاء الى الله سبحانه وتعالى , وخلفه مكتوبة كلمة بالعربية ( ستجب لكم ) في مكان يبدو أنه جامع , لكن ما يثير الدهشة أن حيطان هذا الجامع مزينة بنجوم _ ليست ثُمانية الأضلاع كما في النجمات العربية , وإنما بنجمات داؤود السداسية التي هي بالضبط النجمة الإسرائيلية الحالية . الكتاب من نشر ( جون موراي ) لندن 2007 .

النسخة الأولى من طبعة الكتاب الأمريكية عنوانها : ( السلام عليكم _ قصة التعايش الإسلامي المسيحي اليهودي ) لون الغلاف أبيض حليبي . الربع الأسفل من صفحة الغلاف عليها صورة القدس ملتقطة من الجانب الإسرائيلي وهي تنظر الى ديار العرب . أما عنوان الكتاب ( السلام عليكم ) فمكتوب بحروف لاتينية عبرية .. وكأن من يقول كلمة السلام عليكم , هو لسان عبري , ربما لأنه يرغب أن يرد عليه العرب قائلين : شالوم .
الكتاب من نشر ( ألفريد كنوبف ) نيويورك 2007 .

النسخة الثانية من طبعة الكتاب الأمريكية عنوانها : ( السلام عليكم _ 14 قرن من الصراع والتعاون الإسلامي المسيحي اليهودي ) لون الغلاف أسود موشح بالأخضر . يشبه بالضبط نسخة كتاب ( بروتوكولات حكماء صهيون ) التي أحتفظ بها في بيتي مع فارق بسيط هو أن ( السلام عليكم ) عليه حمامة بيضاء صغيرة تحمل في منقارها غصن زيتون , عوضا عن نجمة داؤود السداسية الموجودة على البروتوكولات .
الكتاب من نشر ( فنتيج ) نيويورك 2008 .

قارنت محتويات النسخ الثلاث فوجدتها واحدة لذلك سنتحدث الآن عن متن الكتاب الذي يتضمن :
# المقدمة .
# الفصل الأول : بسم الرب .
# الفصل الثاني : في مجلس الخليفة .
# الفصل الثالث : التضحية بإسحاق .
# الفصل الرابع : الصليبيون .
# الفصل الخامس : هل كان صلاح الدين مجاهدا ؟
# الفصل السادس : حلم الفلاسفة .
# الفصل السابع : الحاكم في قارتين .
# الفصل الثامن : تراجع المد .
# الفصل التاسع : العوالم الجديدة الشجاعة .
# الفصل العاشر : عصر الإصلاح .
# الفصل الحادي عشر : الأمل واليأس .
# الفصل الثاني عشر : بخلاف ذلك العالم المضطرب .
# الخاتمة : هل دبي هي مدينة المستقبل ؟
# خرائط , ملاحظات , مراجع , إيضاحات , فهارس .

يبدأ الكتاب من ولادة النبي محمد ( ص ) ثم ظهور الإسلام وتأسيس دولة الخلافة عن طريق الفتوحات الإسلامية , وصولا الى مجلس الخليفة العباسي المهدي في علاقة الدولة الإسلامية مع المسيحيين النساطرة . عبورا الى قرطبة التي تعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود مايزيد على القرن بصفاء الى أن قام ناسك مسيحي إسمه ( إسحاق ) بالإصرار على أن عيسى هو إبن الرب خلافا لما يزعمه الإسلام , متهما محمد بإنه نبي مزيف .
حين أحيل الرجل الى القضاء أراد القاضي المسلم مسامحته على إعتبار أنه كان مخمورا , لكن إسحاق أصر على قوله , فتم شنقه ثم أحرقت جثته ورمي رمادها في النهر حتى لا يكون له قبر قد يتخذه البعض مزارا .. وكانت هذه الحكاية هي بداية النهاية للعرب في الأندلس .

يأخذنا الكتاب بعدها الى الحملات الصليبية على بيت المقدس وتأسيس المملكة الصليبية ثم يأتي الى صلاح الدين واصفا إياه بالحاكم الذي أراد توسيع ملكه بإسم الدين .
ثم يأخذنا الكتاب الى دول المرابطين والموحدين حيث تعايش المسلمون واليهود والمسيحيون على أرض واحدة تسود فيها علاقات الصراع والتعاون حتى سقوط الأندلس .
في الفصل السابع يحدثنا عن محمد الفاتح وفتح القسطنطينية وتعايش المسلمين والمسيحيين واليهود بتسامح في دولته . لكنه يشير الى بداية إزدهار الغرب في الفصل التالي ومعناه بداية تراجع المد الإسلامي .
في الفصل التاسع يحدثنا عن الدولة العثمانية ك ( رجل مريض ) وإصلاحات محمد علي الكبير وبداية إعلاء المشاعر القومية والدينية الخاصة لكل من الترك والعرب والمسلمين والمسيحيين واليهود , وشعور جميع هذه الفئات بحاجتها الى التعاون مع الغرب من أجل أن تطور واقعها وتحقق غاياتها بمعزل عن الفئات الأخرى , وهذا هو ما سيسقط جميع هذه الفئات في دوامات من التراجع الى الخلف عوضا عن التقدم الى الأمام , حيث حلت الكوارث بهم جميعا ما بين 1914 _ 1945 .
يحدثنا الكتاب بعدها عن قيام دولة إسرائيل , والصراع العربي اليهودي , وعلاقة الفلسطينيين بالأردن , ووجود لبنان كنموذج براق للعلاقة الطيبة التي تربط المسلمين بالمسيحيين , والحرب اللبنانية التي إندلعت منذ 1975 وحتى التسعينات من القرن الماضي , معتبرا أن القتال بين حزب الله وإسرائيل لا علاقة له بلبنان , لأنه قتال تغذيه أطراف أخرى .

رغم أن أول طبعة من الكتاب صدرت عام 2007 أي بعد 4 سنوات على إجتياح الولايات المتحدة الأمريكية للعراق , إلا أن الباحث يتخطى كليا هذا الحدث الذي شغل العالم كله ومازال , وكأن العراق مكان معزول عن العالمين العربي والإسلامي , أو كأن العراق خال من المسيحيين أو لا علاقة له باليهود .. ولم يتطرق بشكل تفصيلي الى مأساة الفلسطينيين ومعاناتهم بسبب اليهود ودولة إسرائيل , ولم ينتقد قيد أنملة سياسة بلده , وكأنه لم يسمع بما تفعله من أجل ضربنا ببعض , ويصور نزاعاتنا على أنها نزاعات لبشر متعطشون للدماء ولا عقل لهم , وليس أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تستغل المسلمين والمسيحيين واليهود بمقاتلتهم ببعضهم تحقيقا لغاياتها وحلمها بتأسيس الجزء الشرقي من الإمبراطورية الأمريكية بعاصمتيه : بغداد والقدس , لكنه سيقفز لنا قفزة سريعة الى ( الكودا ) أي الخاتمة .
ومثلما فعلها في كتابه ( إختراق الصحراء ) حيث وضع لنا عنوان الخاتمة ( أوزمانديز ) , سيفعلها زخاري كرابل مرة أخرى في كتاب ( أهل الكتاب ) حيث سيضع لنا عنوان الخاتمة على شكل السؤال التالي : ( هل دبي هي مدينة المستقبل ؟ ) .
لقد أوجزت عرض الكتاب في صفحة واحدة لأني سأركز جهدي على الخاتمة مترجمة إياها ترجمة دقيقة حتى لا يغفل القاريء عن أي معلومة وردت فيها .

الخاتمة .
هل دبي هي مدينة المستقبل ؟
نقرأ كل يوم أخبار الموت والعنف في العراق . والمواضيع تتضمن ( سنة عراقيين ) يقتلون ( شيعة عراقيين ) والقاعدة تغتال خصومها , والشيعة يقاتلون بعضهم في الجزء الجنوبي من العراق . كما وجدت جماعات ايرانية تقاتل جماعات سعودية , وجميع هؤلاء يقاتلون الأمريكان .
العديد من البشر في جميع أنحاء العالم يتعمدون عدم سماع هذه الأخبار , ولكن في أوربا والولايات المتحدة والشرق الأوسط فمن شبه الستحيل أن تتحاشى هذه الأخبار التي خلقت إنطباعا بأن الإسلام والعنف يحافظان على علاقة وثيقة ببعضهما .
العراق هو واحد من عناصر جرعة السم هذه , أما القتال المتواصل بين إسرائيل والفلسطينيين فهو عنصرها الثاني المألوف .
الرئيس الايراني محمد أحمدي نجاد الذي لا يدخر وسعا لتأجيج المشاعر , داعيا مرة الى تدمير إسرائيل وأخرى الى توحيد الجبهة الإسلامية ضد الغرب الذي تقوده أمريكا وهو منتعش بدفعات غير متوقعة من البترودولار ( شكرا للصين لطلبها المتزايد على نفطه ) فالحكومة الإيرانية ورئيسها يتمكنون بهذه البترودولارات من مجابهة الولايات المتحدة الأمريكية ومجابهة أي من يتساءل حول حق ايران في برنامج نووي _ الذي قد يكون بحجم إنتاج سلاح نووي .

بتفجر الأوضاع بين إسرائيل وحزب الله الذي تدعمه إيران على الأرض اللبنانية عام 2006 , فقد تبين كما لو أن المسلمين والمسيحيين واليهود قد تشابكوا مرة أخرى في رقصة الموت , وبتوقع وجود السلاح النووي بيد إسرائيل وايران فإن القتال سيفضي ذات يوم الى كارثة متوقعة .
ولكن على بعد 500 ميل جنوب العراق وايران وعلى الساحل الغربي من الخليج الفارسي , تقع إمارة دبي . حتى عام 2006 فإن القلة من الأمريكان كانوا يعرفون أين تقع دبي , لكن الأمر تغير عندما قامت شركة (( دبي بورتس وورلد )) وهي واحدة من كبريات الشركات من نوعها بدفع ( 6,8 مليار دولار ) = ( 6800 مليون دولار ) مقابل شراء شركة ( بريتان بننسيولر و أورينتال ستيم نفجيشن ) التي تعمل على عدد من الموانيء في الولايات المتحدة بضمنها موانيء : نيوأرك , ميامي , ونيو أورليانز .
تسليم دبي ملكية الشركة لم يكن هادئا , حتى قام الكونغرس بإتهام إدارة بوش بالتقصير الجسيم والإهمال في أداء الواجب . وهذه الجريمة أدت الى إقرار البيع من قبل مكتب الأمن القومي الأمريكي الى دولة عربية .
الإنتقاد لم يكن محددا بمعارضة ديمقراطية لإدارة بوش . لكنه في الحقيقة , كان لحظة نادرة من إمتعاض الحزبين الجمهوري والديمقراطي , مع أحاديث ساخنة عمت الولايات المتحدة ضد الموضوع فقد كانت هناك إدعاءات بأن حكومة دبي على إتصال بالإرهاب . تعتمد الإدعاءات على أن عددا من المشتركين في أحداث 11 /9 كانوا على إتصال بنظام دبي المصرفي . أما حقيقة أن دبي إمارة تحكم عائليا وأن شركة (( دبي بورتس وورلد )) مسيطر عليها من قبل حكومة دبي , فقد فسر على أنه إثبات بأن الأمن القومي الأمريكي سيتعرض للخطر إذا تمت الصفقة . واحد من ممثلي الكونغرس الجمهوريين قال : بالنسبة لبيع الموانيء الأمريكية الى دبي .. ليست ( لا ) واحدة … وإنما ( جرس ) لاءات .
بعد سلسلة من الإجتماعات وموجة من الضجة فإن (( دبي بورتس وورلد )) وافقت على تغيير
إتفاقية البيع بحيث لا تتضمن الموانيء الأمريكية , ويستعاض عنها بمؤسسات إنشاءات مدنية .
في العلن كان أمير دبي ملتزما الصمت , ولكن في جلساته الخاصة كان يعبر عن غضبه الشديد . فإمارة دبي كانت تستمع أكثر من أي بلد عربي آخر للمنطق الغربي , لكنها الآن لم تزل تعامل كمنبوذة من قبل الرأي العام الأمريكي الذي يصنفها سوية مع القاعدة .
من السهولة معرفة ما حصل بعد ذلك , فما أن تغيرت إتفاقية البيع حتى أخذت حكومة دبي مجموعة من الفنادق والمكاتب الفخمة في منهاتن , تتضمن أسيكس هاوس في سنترال بارك ساوث , وفندق ( دبليو ) في اليونيون ستريت , وبنايتين في أفينيو بارك من أجل شركة دبي ( إعمار ) تم الإستحواذ عليهما من عقارات بوستن التي يسيطر عليها ( مورتيمر زوكارمان ) الذي هو ليس شخصية بارزة في نيويورك فقط , لكنه ناشر وواحد من كبار الأمريكان اليهود الذين يقدمون الدعم المالي لإسرائيل .
إستثمار آخر بقيمة مليار ونصف دولار حصلت عليه دبي من ثاني أكبرشركة مباني أمريكية ( جون لينج هومس ) في نهاية ربيع 2006 .
وفي حدود نفس الوقت فإن الشركة مالكة فنادق وكازينوهات إنترناشنال ( كرزنر إنترناشنال ) والتي تمتلك مجمعات أتلنتس في جزر الباهاماس , والتي تعمل في مشروع جزيرة دبي الصناعية لتنفيذ منتجعات باذخة .. تتضمن أول كازينو في منطقة الخليج . ملآّك شركة كرزنر هم : عائلة كرزنر اليهودية من جنوب أفريقيا , وعائلة أمير دبي .
إستفادت دبي من إرتفاع أسعار النفط ما بين 2004 و 2006 , لكنها عكس بقية دول الخليج ليس لها إحتياط نفطي كبير, وبينما تستلم حصة من عائدات نفط أبو ظبي وبقية الإمارات العربية المتحدة , فإن ثروة دبي وقوتها ناتجة عن قرار صائب للشيخ راشد المكتوم خلال السبعينات في مواءمة بلده مع الغرب . وسياسته هذه إستمرت مع أولاده الذين حولوا شحة نفطهم الى قوة , فعدم قدرتهم الإعتماد على البترودولار أجبرت العائلة الأميرية على خوض المشاريع , فحققت هذه المشاريع طموحات الشيخ راشد .
بما هو أقل من 100 ألف مواطن , فإن دبي وفي مفتتح القرن الواحد والعشرين أصبحت واحدة من أكبر النطاقات الإعمارية حول العالم وفي الوطن , وأكثر من مليون شخص أغلبهم من مواطني دول أخرى يقدمون الى دبي من أجل ضرائبها المنخفضة , وضماناتها المفتوحة , وسهولة الحصول على عمل فيها , وفرصها غير المحدودة لأن يصبح المرء غنيا .
مثل لاس فيغاس وسنغافورة وميامي , دبي هي المدينة الوحيدة بين مدن الخليج ( المحافظة ) التي تسمح بتعاطي الكحول , وترحب بالغربيين وسواح العالم بلا شروط . وتتاجر بشكل حر , ولها نطاق من الأسواق الحرة , بنيت في أول تأسيسها , وتستعمل طيرانها الوطني لجذب الزوار الى عدد من المجمعات التجارية ( المول ) .
السياح من أوربا وآسيا يقدمون الى دبي في إجازات تسوق .. مثلما يفعل العرب من الدول النفطية .
( الإمارات مول ) أفتتح أواخر عام 2005 ويحتوي على بوتيكات ( رالف لورانت ) و ( كارفور ) و ( هارفي نيكولاس ) . ومثلما يتضمن المئات من البوتيكات التي تبيع ( البرقع ) لتغطية نساء الطبقة الراقية من العربية السعودية فإن هناك ( لا بيرلا ) الذي يقدم عارضات شبه عاريات .
وبعد مئة يارد هناك ( دبي سكي ) للتزلج .. منحدر من 400 متر متجمد ومكيف الهواء , مع مطاعم ( تشيللي ) تؤمن النظر الى المتزلجين في صحراء ترتفع حرارتها دائما عن 110 فهرنهايت .
على الرغم من كل ما مر بشأن صفقة الموانيء مع الولايات المتحدة , فإن دبي وبكل بساطة لا تبدو شكلا ملائما لصورة الشرق الأوسط المتصارع مع الغرب . أو حتى مع صورة المسيحيين واليهود العالقين في عراك المسلمين .
ما الذي علينا فعله مع عوائل حاكمة مسلمة تتاجر من خلال _ شركات للقمار وتسالى أوقات فراغ _ يديرها يهود ؟
أو مع شركات مملوكة لهذه العوائل الحاكمة تتفاوض مع شركات عقارية أمريكية كبرى لا تخفي دعمها لإسرائيل ؟
أو مع ( مدينة _ دولة ) محاذية للعربية السعودية تعمل مثل صمام تنفس .. حتى مع أولئك الذين يقبلون تعاليم الوهابية في وطنهم ؟
أو مع الدولة المزدهرة التي تستقطب نصف مليون سائح بريطاني برخص بضاعتها وسواحلها ؟ ماذا نحن فاعلون بدبي ؟ المدينة الدولة المتطلعة الى التحقق والنجاح في عصر العولمة الإستعماري ؟
التخمين بإن إحباط مفاوضات الموانيء مع دبي سوف يشكل تهديدا للعلاقة بين الولايات المتحدة وبطانتها من الدول الغربية _ تخمين خاطيء . فلم يحصل شيء , بعد أسابيع عاد الأمر عملا كالمعتاد , ليس إلا . لكن رد الفعل الضاري من الولايات المتحدة خلّف بقايا مريرة .
ولكن عند مفتتح القرن 21 _ وكما كان الأمر في القرون 14 الماضية _ فإن الصراع أو التعاون لم يقص أحدهما الآخر, وبقيا متلازمين .

خلال وقت ليس بالبعيد سيتم تجاهل دبي , رغم انها عملت ما بوسعها .. إستنسخت مجلات السفر , ومواضيع الإعلام التي تتحرى حياة الأغنياء والمشاهير . ولديها فنادق تشبه قوارب صيد تغوص آلاف الأقدام تحت الماء .. بغرف تبدأ أسعارها من 1000 دولار لليلة الواحدة .
ولديها وفود الى البطولات الرياضية .. ونوادي ليلية تستقطب سياح كونيين وإحتفالات عالمية , ويمكن لها أن تحتفل بالربيع خارج كثبانها الرملية .
لكن دبي غير مرحب بها لأنها نقطة تتعارض مع قرع طبول الحرب غير المتسامحة .. وربما ستكون ضريحا للطمع والإنحطاط .. ربما كانت مستفيدة من تصاعد أسعار النفط في وقت ما ولهذا تواجه أوقاتا صعبة حين إنحدر سعر الدولار . لكن وضعها لن يكون أقل من نداء للعمل المشترك بين المسلمين والمسيحيين واليهود ليوجدوا فيما بينهم قواسم مشتركة .

السلالة الوحيدة التي تجدها في مصر ( بصعوبة ) والتي تدير الأعمال , والتي تقودها العائلة القبطية المسيحية ( عائلة ساويرس ) التي تسعى الى الخروج من الحدود الضيقة التي يحددها بها الإقتصاد المصري ما بين فيضانات البترودولار على مصر من ناحية , والقلق من النزعات الأصولية المتنامية من ناحية اخرى . فالحكومة المصرية بقيادة حسني مبارك قد لاحظت مؤخرا بأنها مثلما يمكنها القيام بإصلاحات سياسية فإنها قادرة على القيام بإصلاحات إقتصادية , وأن فقدان السيطرة على الإقتصاد كما يراه وزير المالية القبطي ( يوسف بطرس غالي ) المثبت أنه متنعم من عائلة ساويرس _ بالأخص من نجيب ساويرس وعمره 50 سنة , وصاحب أوراس كوم للإتصالات وهي أكبر شركة إتصالات في المنطقة , الذي حصل على فرصة إنشاء شركة إتصالات خلوية في العراق المحتل أمريكيا للحصول على عدة مليارات من الدولارات من خلال إحدى شركات ( تليكوم ) المشغلة في إيطاليا .
ساويرس مؤيد للأمريكان بقوة ويعمل معهم على تحسين مستوى معيشة الفلسطينيين في قطاع غزة بتوفير فرص العمل للفلسطينيين , وينتقد حسني مبارك بشدة لإبطائه في إقرار الإصلاحات المالية وعلمانيته غير المبررة في السلوك والنظرة . ساويرس صاحب نظرة عالمية رغم أنه مصري , فهو المسيحي القبطي الذي يشغل عشرات الآلاف من المسلمين ويؤمن الأرباح بالمقابل للأمريكان والآسيويين والشرق أوسطيين والأوربيين , ومثل جميع رجال الأعمال
الناجحين فهو يتحدث عن إنبساط العالم أكثر مما يفكر في توارث الأحقاد بين المسلمين واليهود والمسيحيين .
هنا تكمن الحكمة والمخاطرة . المسلمون والمسيحيون واليهود , كانوا قد إنساقوا الى الصراع فيما بينهم بشدة , وحريصون على النظر الى الحاضر من خلال عدسة التاريخ , لكنهم يخاطرون بذلك أنهم قد يفقدون القدرة على تخمين اللحظة المقبلة من ذلك التاريخ , فالعديد من أجزاء العالم التي دخلت القرن 21 لم تكن جزءا من ذلك التاريخ الذي يربط المسلمين بالمسيحيين واليهود , رغبوا في ذلك وركزوا عليه أم لا , والصين واحدة من هذه الدول .
بلا أدنى شك , فإن حكام دبي ومثلهم عائلة ساويرس يستطيعون تحويل غاياتهم الى حقيقة واقعة لأنهم لا يعيرون تاريخ الصراع الإسلامي المسيحي اليهودي إهتماما , وتخلصوا من أعباء الماضي , وإستفادوا من فرص التعاون وخلقوا مجالا للتعايش مع الغير .
وهم لا يحاولون إعادة مجد العصور الذهبية , ولا يحركهم الإحساس بالظلم , لكنهم ببساطة يتعاملون مع العالم المحيط بهم . وحتى إذا حيَّوا أم لم يحيوا الغرباء بكلمة السلام .. فإنهم يقولونها بطريقة أخرى . وتقولها الملايين التي تعيش حياتها اليومية ساعية للأفضل لها ولعوائلها , دون أن يشغلها اللاهوت والعقيدة والكراهية .
هذه هي حقيقة التاريخ الإسلامي والمسيحي واليهودي , على الرغم من نسيان بعض أجزائه , وعلى الرغم من أن الغير قد صنع بينهم هذا الشقاق من أجل دراما أكثر تشويقا , فصار هذا الشقاق يبدوا اليوم وكأنه حقيقة .
السلام ظلل تاريخنا الماضي , وهو هناك نشاهده رغم فوضى الحاضر , وسيكون هناك عند مستقبلنا المشترك . ( إنتهت الخاتمة )

الدكتور زخاري كرابل كان قد درس التاريخ في جامعة كولومبيا . وحصل على شهادة في دراسات الشرق الأوسط الحديث من جامعة أوكسفورد , ثم حصل على الدكتوراه من هارفارد , وبالمقارنة قد يبدو مؤهلي العلمي متواضعا إزاء الجامعات العريقة التي تخرج منها . غير أن ما يشفع لي هو أن الباحث الجيد يبقى جيدا بغض النظر عن الجامعة التي تخرج منها مع جل إحترامي وتقديري لجامعات العراق التي ربتني وعلمتني , مضيفة الى ذلك أن ( جامعة الحياة ) هي أكبر جامعة يتخرج منها المرء وبما لايستطيع أن يمنحه أي أستاذ أو كتاب .
مع شديد الأسف لم يذكر لنا الدكتور زخاري كرابل : كم خسرت دبي في الأزمة المالية العالمية الأخيرة التي سببها عدوان الولايات المتحدة الأمريكية على العراق ؟ من ملايينها ال ( 6800 ) التي إشترت بها شركة (( دبي بورتس وورلد )) بحلم السيطرة على موانيء أمريكية , لكنها بلعبة محبوكة بين الإدارة الرئاسية ومكتب الأمن القومي , وجدت نفسها عوضا عن الموانيء الأمريكية , تدير شركات لبناء العقارات ؟
أما اليهود والنصارى و المسيحيين ومعهم المسلمين فقد تعايشوا 14 قرنا دون أن تقع بينهم مشاكل كبرى , أللهم إلا الحروب الصليبية التي أشار إليها كتاب الدكتور الفاضل نفسه . وأن الصراع لم يحتدم بين هذه الطوائف إلا حين نظرت الولايات المتحدة الأمريكية الى الشرق الأوسط وقررت وضع يدها عليه , فأسست إسرائيل .. وشغلت المنطقة بالحرب بين المسلمين واليهود , ليتسنى لها الإستحواذ على المنطقة والكل لاهون . حجة العربي المسلم أن هذه أرضه .. بينما حجة اليهودي أنه يريد تأسيس وطن .

دبي مع جل إعتزازنا بالإمارة الشقيقة حكومة وشعبا , لن تختلف عن الخراب الذي أحدثته السياسة الأمريكية في العراق أو أي من دول المنطقة بتغذية عوامل الحرب العسكرية , أوالصراع الطائفي , أوإضعاف دور النخب المثقفة , أوتجويع سكان المنطقة الذين ( يسبحون ) على بحار من النفط الذي تحويه أراضيهم , أوتكريس الحاكم العربي هبلا لا يقبل مجادلة ولا يسمع رأيا , إنما يريد ( الرعية ) ساجدة حوله صارخة ( إعلوا هبل ) ومن بعده يورثون العبادة الى إبنه ( الهبل الصغير ) .
دبي العزيزة , لم يردها الأمريكان أكثر من ( خان ) أمريكي لراحة وتسوق العابرين من الغرب الى الشرق وبالعكس , فيها شارع ( أبو بكر الصديق ) وشارع ( الوحدة ) وشاطيء الجميرة , وبرج العرب , وبإمكانك أن تركب سيارة من شارع الوحدة لتخترق الشارقة وتصل الى عجمان في عشر دقائق , وهن إمارات منفصلات عن بعضهن وكل واحدة لديها حاكمها الخاص .. مع أنهن إمارات متحدات .. وهذه هي صورة المدينة العربية كما يحلم لنا بها الأمريكان .. غير أن الجشع الأمريكي .. لن يرحم دبي .. ولن يرحم حتى إسرائيل عندما سينتهي دورها في في خدمة المخطط الأمريكي .
لو صح تطبيق ( الديمقراطية الأمريكية ) فمن المحتمل أن يصل هندي أو باكستاني الى حكم الإمارة خلال ربع قرن من الآن , لأن نسبة الهنود والباكستانيين والسيريلانكيين والبنغلاديشيين تشكل فيها حاليا ما قيمته ( 59,84% ) من نسبة السكان . في حين أهل دبي الأصليون لا تزيد نسبتهم عن ( 13,48% ) وحتى لو أضفنا لهم كل العرب القاطنين في الإمارة فلن تزيد نسبتهم عن ( 26,16% ) .
ولن يكون ( آل مكتوم ) و ( آل ساويرس ) ولا ( آل كرزنر ) بكل ما يملكون ويشغلون من أموال مكتسبة بأموال الولايات المتحدة الأمريكية البترودولارية , بديلا عن تعارف وتعايش الشعوب والأفراد بشكل حر وتلقائي , ودون أن تتحكم في علاقاتهم ( النوايا الخفية ) التي يحركها البترودولار .. لأن عوائل المال هذه , وبكل بساطة مجرد ( أدوات مرحلية ) تستخدمها السياسة الأمريكية لخدمة توجهاتها في المنطقة .
أما العرض الأمريكي لملايين الجياع العرب بدبي ك ( مدينة الشبع الفاضلة ) فيبقى تلويحا أجوف وفارغ من المحتوى , فالحواضر الحقيقية : هي الحواضر التي تمتلك عواملها الذاتية التي تمكنها من البقاء . وأول تلك العوامل هو الإنسان … وليس المال
أما سكان دبي وكما نشر موقع إيلاف فإنهم يتوزعون حسب النسبة التالية :
الجنسيه … عدد السكان … نسبة السكان
المواطنون 875.617 13.48
العرب ككل 823.633 12.68
الهند 2.367.732 36.46
باكستان 822.914 12.67
بنغلاديش 589.545 9.08
سيريلانكا 104.623 1.61
نيبال 3.469 1.44
الفلبين 279.602 4.31
إيران بدون العجم 100.309 1.54
الصين 32.637 0.50
دول آسيوبة أخرى 151.234 2.33
أمريكا الجنوبية 4.177 0.06
أمريكا الشماليه 1.354 0.64
أوروبا وأستراليا
134.630 2.07

الحرب الأمريكية على الإرهاب لم تشن من أجل أي من الأغراض التي تعلن عنها السياسة الأمريكية . الحرب على الإرهاب شنت من أجل هدف واحد هو حماية البترودولار وتأسيس إمبراطوريته في الشرق الأوسط النفطي .
عام 1971 قامت الولايات المتحدة الأمريكية بطباعة عملة ورقية ليس لها غطاء نقدي من الذهب كما هو متعارف عليه في كل دول العالم . ثم أسست من ( مشايخ الساحل المهادن ) ما أطلقت عليه ( دولة ) الإمارات العربية المتحدة . ثم أجبرت السعودية ودول الأوبك .. أن البيع من الآن فصاعدا لا يجوز أن يكون بأية عملة غير الدولار الأمريكي , وقد كان ذلك ضمن الفترة التي وقعت فيها حرب 1973 العربية الإسرائيلية والتي كانت نتيجتها إعلان العرب النفط كسلاح في المعركة .. فكان من نتيجة الحرب والإعلان : ( إجبار العرب على الإعتراف بحق إسرائيل في الوجود + إجبارهم على بيع نفطهم بالدولار الأمريكي دون سواه ) ومع هذا فالطبول العربية , والحناجر العربية تصدح لحد اليوم تغزلا ( بالنصر ) العربي في تلك الحرب , خصوصا عبور قناة السويس , وإختراق خط بارليف … فكم نحن مساكين .

خلال سنوات من بدأ الحرب البترودولارية على العالم , طالبت فرنسا الولايات المتحدة بتسليمها كمية من الذهب مقابل الدولارات الأمريكية التي بحوزتها .. لكن الولايات المتحدة رفضت لأنها لا تملك الذهب الكافي , ولأن الدولارات الحالية تطبع وتوزع حول العالم دون غطاء نقدي .

إذا كان ذلك يعني شيئا , فلن يكون غير أن على الدول المتعاملة بالبترودولار , عليها أن تستقتل من أجل بقاء وسلامة الولايات المتحدة الأمريكية … لأن هذه الولايات حالما ستنهار .. فإن الدولارات الأمريكية ستتحول الى ورق تواليت .
أما قيمة الدولار الحالية فإنها لا تقيم بالذهب , ولكنها ومنذ بداية الحرب البترودولارية على العالم , ستقيم بالنفط الذي تستحوذ الولايات المتحدة الأمريكية عليه بحكم سيطرتها على السعودية ودول الخليج وأغلب بلدان الأوبك , ولذلك بقي سعر الذهب ثابتا تقريبا , ولم تتبدل أسعاره إلا بشكل نسبي بسيط , حين حلقت أسعار كل شيء في الأزمة الإقتصادية التي تضرب العالم حاليا .

أضف الى ذلك أن الدول التي تريد شراء النفط منذ ذلك التاريخ أيضا .. صار لزاما عليها ان تذهب أولا لشراء الدولار الذي هو مجرد ورق لا أكثر .. لكي تدفع به سعر النفط الذي تريده .. وهذا معناه أن الولايات المتحدة في الحقيقة تبيع ( هواء ) مع كل برميل نفط يخرج من الدول المصدرة له .. لكن هذا ( الهواء ) يدر عائدا سنويا قيمته مئات المليارات على الخزينة الأمريكية . وكل هذا بالطبع يعزز الميزانية الأمريكية على حساب رفاه وميزانية جميع شعوب الأرض .
أعلن صدام حسين بعد إجتياحه الكويت , عن بيعه النفط العراقي باليورو خارقا الإتفاقية الأمريكية مع دول الأوبك .. عندها صار لزاما على الولايات المتحدة الأمريكية الإطاحة به ليكون عبرة لكل من يفكر في زعزة وضع بترودولارها . فشرعت الولايات المتحدة في كتابة سيناريو فلم 11/9 ونفذته .. ثم إجتاحت العراق بحجته .
وكان أول ما قامت به عند غزو العراق 2003 هو التأكيد على جميع دول الأوبك : لا بيع بغير الدولار الأمريكي .
الرئيس الفنزويلي ( هوغو شافيز ) كان أول من تحدى هذا القرار الجديد , لذلك خططت وكالة المخابرات المركزية عددا من المحاولات لإغتياله او الإطاحة به .

عندما تكون الولايات المتحدة في تحدي مع موضوع ساخن , فإنها تطرق على موضوع شبيه له تقوم هي بصناعته , قبل أن توجه ضربتها القاصمة الى موضوع التحدي الأصلي .
ولهذا فقد قامت ايران وهي دولة وكيلة للولايات المتحدة رغم كل السباب المتبادل بينهما , ممثلة بشخص رئيسها أحمدي نجاد بمحاربة ( الشيطان الأكبر ) عن طريق بيع نفطها بكل العملات المتاحة _ عدا الدولار الأمريكي .
التهديدات القاسية التي تطلقها الولايات المتحدة الأمريكية الآن إتجاه ايران .. ترعب السعودية وإمارات الخليج وأي من دول الأوبك التي قد تفكر في خطوة مثيلة . وهذا هو الدور المرسوم لإيران لا أكثر , ولهذا فلن تتعرض ايران الى ضربة أمريكية ولو كره الكارهون .

حتى قبل 70 سنة كان المسلمون والمسيحيون واليهود يتعايشون في هذا الوطن الكبير , عندهم الدين لله والوطن للجميع .. وأغلبهم إنصرف الى العلمانية فبدأت الفروق بينهم تقل وتنمحي الى ما هو أكثر من ذلك . وحصلت بينهم مصاهرات رغم إختلاف أديانهم .. حتى جاء الطمع الأمريكي بالمنطقة , فأعاد تقسيمهم من جديد لا الى مسيحيين ومسلمين ويهود فحسب بل الى كاثوليك وبروتستانت وأرثوذوكس وأرمن , وسنة وشيعة ووهابية وعلمانية , وأشكيناز ومزراحي وشرقيين وغربيين . وبعد إثارة كل هذه النعرات يطلب منهم أن يتعايشوا .. !!!

سيتمكن الأوربيون من الإطاحة بالهيمنة الأمريكية في حالتين فقط :
# الأولى هي حماية الدول التي يشترون منها نفوطهم بعملاتهم المحلية لإن ذلك سيشجع المزيد من دول الأوبك على رفض التعامل بالدولار الأمريكي الذي هو مجرد ورقة لا قيمة لها , في هذه الحالة ستفلس الخزائن الأمريكية , ولن يكون بيد الأمريكان كخطوة إستباقية لمنع ذلك .. غير إشعال حرب عالمية جديدة .. غير أنهم بحكم إفلاسهم المتوقع لن يكونوا قادرين على تمويلها .
# التعجيل في تسخير البحث العلمي للحصول على مصادر طاقة بديلة عن النفط ( الطاقة الشمسية مثلا ) وبذلك تصبح قيمة النفط في عصر الطاقة الشمسية مشابهة لما كانت عليه قيمة فحم الكوك في عصر النفط , ومتى تم الإستغناء عن النفط كمصدر أساسي للطاقة .. فستسقط قيمة البترودولار .
عندها وكما ضمت الصحراء العربية تمثال أوزمانديز الذي ثلمته الرياح والمطر مرميا بين الخرائب , رغم تشدق صاحبه بعظمته التي لن يتفوق عليها أحد أو ينال منها شيء , فإن صحراء أريزونا أو صحراء نيفادا ستضم تمثال ( البترودولار ) مرسومة عليه وجوه كل الساسة الأمريكيين تثلمها الأعاصير التي تضرب أمريكا كل عام , ماسحة كل الكلمات المكتوبة تحت ذلك التمثال محولة إياها الى ( شذر مذر ) .

كاميرا” ام بي سي” تتجول داخل مكتب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.