أن تنحني إلى الأسفل لترفع هؤلاء الذين سقطوا في القاع، ولو قليلا فوق مستوى وضعهم

هناك طموح أنبل من أن تكون ضوء هذا العالم.. ألا وهو أن تنحني إلى الأسفل لترفع هؤلاء الذين سقطوا في القاع، ولو قليلا فوق مستوى وضعهم! هذا ماقاله
Henry Van Dyke…
وهذا هو طموحي أيضا!
…….
بين الحين والآخر يستنزفني هذا الطموح، فأنشد الهروب إلى مكان ما، كي أحقن نفسي بشحنة من طاقة جديدة….
بالم سبرينغ
(Palm Springs)
هي دوما خياري الأول… صحراء محاطة بسلسلة جبال لا أثر فيها لحياة.. لكن العقل الذي انطلق من عقاله حوّلها إلى سحر يتجاوز قدرتي على استيعابه…
…….
إن كان الاستنزاف الطاقوي قد دفعني للقدوم إليها، أتساءل: ما الذي يدفع تلك الطيور لتأتيها؟؟؟؟ يحيط بي الجمال من كل حدب وصوب… بين البحيرة والبحيرة بحيرة… وبين النخلة والنخلة نخلات…. أما الورود والأزهار فتسحر الألباب.. إنها جنات عدن… لكنها نظيفة من الأكعاب والأتراب… ومطهّرة من كل أثر لغلمان ينزفون أو لا ينزفون…
…..
عقول أنبتت الحجر وأحيت الرمل وفجّرت ينابيع من رحم الجفاف.. بينما أضغاث بشر مازلوا يقصّون على أطفالهم “حتوتة” أم المؤمنين وصفوان بن المعطل محاولين أن يثبتوا أن الله قد برّأ علاقتهما… وبأن محمدا قد نكح زينب بعد أن قضى زيد منها وطرا… وبأن قطرة الانف قد تبطل أو لا تبطل الصيام… وبأن المرأة والغائط يفسدان الوضوء… وبأن جزّ الرقاب رحمة وشفاء للصدور…
….
لا يصنع الغد إلاّ عقول اليوم، كما صنعت يومنا عقول الأمس… يقول الكتاب الذي بين يديّ، في صفحة من صفحاته: (بعد مائة عام من الآن لا يهمّ أي نوع من السيارات امتلكت.. ولا أي نوع من البيوت سكنت… ولا حجم حسابك في البنك.. ولا مصمّم ملابسك… ولكن، بعد مائة عام من اليوم، قد يكون العالم أفضل بسبب دور مهم لعبته في حياة طفل ما!)
…..
سيكون العالم أفضل طالما هناك أيدي تمتد لترفع هؤلاء الذين سقطوا، فلقد ازدحم بهم القاع… وأهم من فيهم أطفال يتطلعون إلى الأعلى، ومن حقهم أن يرتفعوا فوق مستوى وضعهم، لأنهم صنّاع المستقبل!
…
هذا هو طموحي الذي رغم أنه يستنزفني أحيانا… لكنه يجمّل وجودي ويجعل مني مشروعا أنبل من أن أكون ضوء العالم!