أن تشعر بيد غريبة فوق فخذك

يارا الأندري: العربية نت
ما زلت أشعر بتلك اليد الباردة، التي امتدت قبل سنوات مديدة، وحطت بكل قذارتها فوق “فخذ” مراهقة، جالسة في قعر الباص.
لا يزال ذاك الوجه الأصفر الكريه عالقاً في رأسي ومخيلتي، أذكر كل تفاصيله المقيتة، لا بل أستطيع تحديده، ولو بعد مئة عام.
أتدركون ما هو التحرش؟ ماذا يعني أن تدهس إنسانيتك في لحظة تمتد دهوراً؟
لا.. لا تفقهون شيئاً.. كل من ينظر بشأنه جاهل مدعٍ.
أن تشعر بجبل من الخوف يسقط فوقك، يشلّ أفكارك، يكبل جسدك ويخنق صوتك. يقطع كل فاصلة في جسمك، ليختفي “حسك” سنوات.
حين تسلب يدٌ “كرامتَك”، وصوتَك وكيانك كإنسان، وتحولك إلى كتلة ثقيلة من الخوف، والقرف والاشمئزاز.
في تلك اللحظة اللعينة تتهاوى عوالمك، تهتز كل زاوية فيك، تسقط جدرانك ودفاعاتك، كقنبلة حطت من علوّ، وانفجرت شظاياها، فلم يعد أمام ناظريك سوى الدخان يلتهم أنفاسك، لتختنق رويداً رويداً.
تختنق حتى يختفي صوتك.. تصرخ دون أن تسمع، تضرب دون أن تتحرك يدك قيد أنملة. مشلول مشلول، مقطع الأوصال أنت، جامد كحائط مدعم.
يختفي الصوت لسنوات قبل أن تتجرأ على البوح والاعتراف، لتنتقل بعدها إلى الصراخ ومن ثم المداواة.
يغطيه خجل وكأنك المذنب، ذاك الكريه الذي سمح للمعتدي بالتمادي.
إنها نظرات الأصحاب والرفاق والأب والزوج والقريب، كلها تتواطؤ في سرك عليك.. أو هكذا يخيل إليك.
سخيف تعاطي الإعلام مع الأجساد حين يتعلق الأمر بالمرأة، أو بأي من “تابوهاتنا” الساذجة ومحرمات مجتمعاتنا البالية.
سخيف بغربه وشرقه، فموجة التحرشات التي هزت الولايات المتحدة لم تكن لتنطلق شرارتها لولا أنها طالت النجوم، وأصحاب “الفلوورز” بالملايين، وقس على ذلك أينما كان.
وبالية أكثر قوانيننا في معظم البلدان العربية حين يتعلق الأمر بجسد امرأة، سواء لناحية تعنيفها أو حتى اغتصابها، وهنا لا أجرؤ حتى على التفكير بمسألة تزويج المغتصبة من مغتصبها و”عفا الله عما مضى”.
تخيل فقط أن نصف الفتيات في مصر مثلاً، لا سيما في “العشوائيات”، تعرضن للتحرش بحسب مسح أجراه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء والمجلس القومي للسكان في مصر عام 2016.
لك فقط أن تتخيل، أن نصف المتحرشين أيضاً لا يردعهم شيء، لا بل لا يتعبرون الأمر “جرماً”، إنه ببساطة متعة.
متعة تجر على متلقيها سنوات “فزع” مرير.. هكذا بكل بساطة.
قبل أيام أطلقت الأمم المتحدة بادرة توعية ضد العنف، العنف ضد المرأة ومن ضمن أشكاله طبعاً التحرش، أو العنف الجنسي.
وهنا أيضاً لك فقط أن تعي أن امرأة من بين 3 حول العالم تعرضت لعنف جنسي أو تحرش!

This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.