أنا كاتب غبي وتافه!

خطيب بدلة

أتذكر الأيام الأولى لعرض المسلسلات المدبلجة. كان أشهر مسلسل هو المكسيكي كاساندرا، أحبه الناس لأنه شبيه بالأفلام العربية الميلودرامية القديمة، فيه حب، وغرام، واستعراض جمال أنثوي، وجمال طبيعة، ومكائد ومشاحنات… إلخ. أضف إلى ذلك أنه يعرض بشكل يومي، ولكن حلقاته لا تنتهي، وكأنه مسدس “رينجو” الذي يطلق به النار طيلة الوقت، ولا تنفد ذخيرته في أفلام الكاوبوي.

كان مسلسل كاساندرا يعرض في تمام الرابعة عصر كل يوم، وخلال عرضه ينقطع المرور في الشوارع، وتتوقف الحياة العامة، وبعد الانتهاء من العرض تبدأ المناقشات بين الذين شاهدوا الحلقة، وتوقعات ما سيجري في الحلقة القادمة، والاستنتاجات.
قبل اختراع الإنترنت والبريد الإلكتروني، لم نكن نعرف شيئاً عن القراء الذين يقرأون بعض مقالاتنا ثم يسبون علينا.

بعد سنوات من عرض المسلسلات المكسيكية، اهتدى منتجو الأعمال المدبلجة إلى كنز ميلودرامي آخر، متوفر في المسلسلات التركية، وكانت البداية مع مسلسلين هما (نور) وقد سمي نور مع أن اسمه الأصلي
(Gümüş)،
وتعني فضة، ومسلسل (سنوات الضياع) الذي اشتهرت بطلته لميس أبو شعر بجمالها الأخاذ… وتكرر سيناريو الفرجة ذاته مع المسلسلات التركية، ولكن الجديد في الأمر أن المحطات الفضائية التي كانت تعرضهما تكاثرت، فصار المواطن يشاهد الحلقة على
(MBC4)
مثلاً، ثم يشاهد الإعادة على التلفزيون السوري… وهكذا.

ذات يوم، كتبتُ في جريدة “النور” السورية رأيي بهذين المسلسلين، فقلت إنهما شيء يصلح للتسلية، ولا يمت لحياتنا الواقعية بأية صلة. وكانت العادة آنذاك أن يسجل الكاتب عنوان بريده الإلكتروني تحت اسمه. وفي اليوم التالي لنشر مقالتي، وردتني رسالة من آنسة تنتمي إلى إحدى الدول العربية، هذا نصها:

خطيب بدلة، كنت أحترمُك وأتابع مقالاتك وقصصك في كل مكان، ولكن ما كتبته عن مسلسلي (نور) و (سنوات الضياع) الرائعين جعلني أكتشف أنك إنسان تافه وغبي، إنني أتخيل الآن عشرات المشاهدين ممن يحبون هذين المسلسلين الجميلين يضربونك بالأحذية والصرامي، ولكنك في الحقيقة لا تستحق حتى الضرب بالصرامي، لذلك سأكتفي بالبصاق عليك… تفو عليك.

(ملاحظة: وضعت المرسلة حوالي عشرين حرف واو بعد كلمة تفو!)

ما أردت قوله بعد هذا الحديث هو التالي: قبل اختراع الإنترنت والبريد الإلكتروني، لم نكن نعرف شيئاً عن القراء الذين يقرأون بعض مقالاتنا ثم يسبون علينا. وإن من مزايا الحرية الرائعة التي منحنا إياها هذا الاختراع العظيم هو أننا أصبحنا نطلع على كل شيء، وضمن ذلك البصاق علينا.

This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.