لا أستطيع أن أخفي دموعي وأحزاني وأوجاعي عنكم, لا تستطيع شفاهي أن تنطق لكم بغير ما ينبض به قلبي, لا أستطيع أن أمر مر الكرام من أمام أحزان الناس وأوجاعهم من غير أن تشكل دموعي جدولا من مقلتيّ نبعه, لا أستطيع إلا أن أنفجر أمامكم بكل ما بي من أحزان وأوجاع,لا أستطيع أن أكذب عليكم أو أكذب على نفسي, أنا حزين جدا على هذا العالم الذي من حولي, أناس مرضى نفسيين, أناس مرضى بأمراض عضالية, قتل وتقتيل, ذبح وتذبيح, وتشرّدٌ وتشريد, وأحزانٌ تفتح طرقاً جيدة للبكاء, أنا كلي آلام وكلي أحزان وكلي أوجاع, في الفترة الأخيرة التي مرّت عليّ, لم أستطع فيها حتى الآن أن أنام بشكلٍ جيد,نومي كله قلق وبطريقة غير عادية وكل الأخبار والمشاهدات تتسببُ لي بمغص كلوي, لا أستطيع أن أنام أو أن أصحو بشكلٍ جيد, إن سألتم عني فلست على ما يرام, لا أستطيع أن أقول لكم بأن صحتي النفسية جيدة ومستقرة, هذا القلب صار ممتلئا بالمآسي والأحزان…كل الأوضاع المحيطة بي تبعثُ على اليأس وتبعث على الخجل مما نحن فيه,طبيعتي البشرية وما جُبلتُ عليه يشكل بالنسبة لي بركة من القاذورات الإعلامية.. أين يأخذنا القدر! وماذا ننتظر؟ لا أستطيع أن أمد يدي إلى الطعام كما يجب, أحيانا أجلس مع العائلة على الطعام وأمدُ يدي ومن ثم أرجعها فارغة دون أن تعود أصابع يدي محملة بما يشتهيه الناسُ من الطعام والشراب, وحين أُلاحظ أن أفراد العائلة قد لاحظوا ذلك تجدونني فورا أمد يدي إلى الطعام ثم أرجعها إلى فمي مجاملة ورفعاً للعتب وأنا لا أملك الرغبة بتناول الطعام أو طحنه بفمي, أمي قالت أنني بحاجة ماسة إلى حبوب فتح الشهية, وقلتُ لها أنا بحاجة إلى حبوب منع الحمل بالاكتئاب وبالحزن على هذا العالم المحيط بي من المحيط إلى الخليج, جارتنا لاحظت تغيرا كبيرا على سلوكي أثناء الجلسات العائلية وهمهمت ببعض الكلمات غير المفهومة ومن ثم قالت:يا رب تفرجها على أبو علي, صحتي ليست على ما يرام, أفكر باعتزال الناس والحياة الثقافية إلى الأبد, أشعرُ أحيانا بالنعاس دون أن يأتي الموعد الروتيني للنوم, وأحيانا أكون مجهداً من شدة التعب والتفكير ومع ذلك لا استطيع النوم ولا حتى من خلال استعمال الحبوب المنومة.
لا أستطيع أن أكذب عليكم أكثر, أنا إنسان لي طاقة محددة ولي سعةٌ محددة , لا استطيع أن أحتمل كل تلك المشاهد على التلفاز دون أن تروي عيوني خدي وذقني وأردان قميصي , لا استطيع أن أصف لكم حالة البؤس التي وصلت إليها جراء ما يجري حولي من أحداث, أنا لا استطيع أن أُجمّلَ الصور المخزية التي أشاهدها كل يوم وكل ساعة وكل لحظة على الفضائيات, أتمنى أن أرى حمامة سلام تطير فوق رأسي وسمائي, أو أتمنى أن تبث إحدى القنوات الفضائية صورة لعصفور يبني عشا, أو لمنظر عاشقين يجلسان على قارعة الطريق العام وهم يتبادلان بالقبل وباللمسات أو حتى بالهمسات, كل الذي من حولي صواريخ طائرة ونعوش طائرة وأراضي تفتح فمها وبطنها لالتهام الموتى والشهداء والقتلى, مستشفيات تستقبل الجرحى, سيارات إسعاف تنقل الجرحى والموتى, أنام على أصوات طلقات الرشاش وأصحو على منظر الجثث وهي تنتشر في الشوارع, ليس للإنسان قيمة,أهكذا هي قيمة الإنسان؟ صار الإنسان يُذبح على أتفه سبب وصار الذبح والقتل والتدمير منظرا روتونيا عند بعض الناس أو عند غالبية الناس,إلا عندي أنا, فأنا لا تبدو مثل تلك المناظر أمامي عادية, أنا تربيت ونشأت على القصص والروايات الرومانسسة , ونشأت على مشاهدة الأفلام الرومانتيكية, وتربيت على سماع الأغاني الطربية, لست معتادا على مشاهدة المجازر البشرية, أنا أحنُ لصوت العود والكمنجا, تغذيت روحيا من ربات الفنون السبعة, وعشقت المسرح الروماني وشربت من (الإلياذة) , وحفظت عن ظهر قلب كل القصائد الرومانسية, وليس بوسعي أن أتسخ بأشعار الحرب والقتل والروايات الدموية, كلمة رقيقة واحدة تجعلني أبيع ما فوقي وما تحتي, كلمة واحدة رومانسية تجعلني أسهر الليل وأشتاق وأحن إلى الأوكار, أبكي على أطلال العشاق المتيمين, أبكي على فراق الأحبة, لا أستطيع أن أستمع لأصوات القتل والتعذيب, أنا كلي عبارة عن كتلة عاطفية, ومشهور بعاطفتي أكثر من كل النساء ويشهد بذلك كل من يعرفني, وكل مواصفاتي السيكولوجية تقول لي:أنت لست رجلا بل امرأة رقيقة وحساسة, وأحيانا أو قل أحيانا أكون متأكدا أنني لست رجلا, لأنني لا أقسو على أحد ولا أحتمل أن اضرب أحد سواء أكان بيدي أو بلساني, أنا صورة طبق الأصل عن الإنسان الذي خلقه الله لأول مرة.
أنا مكتئب جدا من تلك المناظر, أنا مستاء جدا ولا استطيع أن أحتمل أكثر من ذلك, آخ آخٍ آخ, رأسي يؤلمني, قلبي يكاد أن ينفجر, أصابع يدي وأطرافي العليا كلها ترتجف, حتى جيراني يتقاتلون كل يوم وكل ساعة, وسيارة الشرطة في كل ساعة تأتي لتأخذ أحد المطلوبين, إلى هنا نفذ حدود صبري ولا أستطيع أن أستمر أكثر, لست حجرا, وقلبي ليس من الحديد, مشاعري رقيقة وأنا إنسان رقيق جدا , وأنا أسرع إنسان يبكي, فحين يدعوني البكاء أنطلق إليه بسرعة أكبر من سرعة الضوء, وحين أتكلم مع أي إنسان مثلكم فورا يشعر بأن في صوتي شجن وبحة كبيرة, أنا مخنوق جدا من هذا العالم المحيط بي, أنا لا أستطيع الوقوف على قدمي, أنا أرتجف خوفا وحزنا على مصير البشرية.