تسربت في الأسابيع الأخيرة أنباء متنوعة حول وصول أسلحة جديدة إلى مقاتلي الجيش الحر في سوريا، قيل إنها لن تردم تماما الهوة بين ما لدى جيش السلطة من سلاح وما يستعمله هؤلاء في قتالهم ضده، لكنها يمكن أن تضيق الفجوة وتحدث تحولا في مناطق معينة يعاني النظام فيها ضعفا هيكليا أو ملحوظا، خصوصا في شمال البلاد وشمالها الشرقي، المهم جدا من الناحيتين البشرية والاقتصادية، وقد تكبح اندفاع جيش السلطة إلى حسم الوضع في مدينة حمص، حيث تدور معركة هي في الحقيقة «أم معارك» الثورة السورية، لما لحمص من أهمية استراتيجية بالنسبة إلى مجمل الوضع السياسي والعسكري والبشري، وإلى بقاء سوريا دولة موحدة أو تعرضها لتقسيم لاحق.
وسواء كانت الأخبار صحيحة أو مبالغا فيها، فإن لها دلالة مهمة بالنسبة إلى موقف أميركا من الأزمة السورية المستعصية، الذي كان مبنيا على فكرتين رئيستين، هما: أولا: لا سلاح للمقاومة ولا تدخل عسكريا مباشرا ضد النظام، وثانيا: لا قبول بخيار أصولي سوري يؤثر على إسرائيل وربما جرها إلى المعمعة السورية العنيفة وأدخلها في مواجهة بالسلاح مع تنظيمات إسلامية أصولية ومتطرفة، قوية ومنظمة، يمثل وجودها كقوى متفوقة في ساحة الصراع تجاوزا لخط أحمر دولي، خصوصا إن هي استولت على أسلحة دمار شامل، أو أفلت زمام هذه الأسلحة من أيدي النظام.
يبدو أن وصول السلاح إلى سوريا إما أنه يعبر عن تغير المعادلة الأميركية ثنائية الحد السابق ذكرها، وإما عن وجود محاولات ضغط قوية تمارسها أطراف عربية وإقليمية عليها. إنه يعبر عن تغير في سياساتها، إن كانت قد وافقت على إرسال السلاح وتخلت بالتالي عن مبدئها الأول، الذي لطالما تمسكت به ورددته دون كل أو ملل في تصريحات مسؤوليها خلال العامين المنصرمين، ولم يحد أحد من قادتها عنه، وهو أنه لا سلاح للمقاومة. وإذا كانت لم توافق على إرسال السلاح، فهذا يعني أن رقابتها على علاقات بعض الدول العربية مع الحدث السوري قد تراخت أو انهارت. فهل تراخت حقا رقابة واشنطن على الصراع وقدرتها على التحكم به، أم أنها غيرت موقفها وأخذت تتجاهل إرسال السلاح إلى الداخل السوري، أو تشجع دولا بعينها على مزيد من الانخراط في الصراع العسكري الدائر فوق أرض سوريا، وعلى إمداد مقاتلي المعارضة بالسلاح، لإحداث تحول نوعي في المعركة سواء ضد النظام أو لمواجهة أطراف مقاتلة تنتمي إلى تنظيمات جهادية معادية للغرب؟
يقال تلميحا وتصريحا إن السلاح أرسل من أجل تحجيم دورها وتمكين قوى المقاومة الأخرى من استعادة زمام المبادرة الميدانية منها، بعد أن برز دورها خلال الأشهر الأخيرة وغدت أطرافا فاعلة ومؤثرة إلى أبعد حد، يكاد حضورها المنتشر في معظم الأمكنة والمعارك يحجب وجود الجيش الحر، خصوصا بعد استيلائها على مطارات الجيش الرسمي وقواعده العسكرية الكبيرة ومعسكراته، وتمتعها بشعبية واسعة وصلت إلى حد قول بعض رجال الدين في خطب الجمعة: «لا نعترف بمقاتلي الإخوان المسلمين، ولا نقر بالشرعية والشجاعة لغير مقاتلي جبهة النصرة، ولا نريد حماية من سواهم».
هل حدث هذا التغير في الموقف الأميركي بالتوافق مع رغبة دول خليجية في الحيلولة دون وصول إسلاميين أصوليين إلى السلطة في دمشق، وكذلك في إضعاف فرص الإسلاميين المعتدلين في الاستيلاء على الحكم بعد إسقاط الأسد وبطانته، وبالتالي في ضوء قرار اتخذته دون تنسيق مع الأميركيين يقضي بتنشيط دورها في تسليح الثورة سواء أعجب ذلك أميركا أم أزعجها، ما دام التطور السوري يتحول أكثر فأكثر إلى قضية أمن وطني وداخلي بالنسبة لنظمها؟ أم أنها فهمت معنى الانزياح الجهادي الجاري على الأرض السورية، وقدرت أن مخاوف أميركا منه ستحول بين واشنطن وبين استمرار موقفها الرافض لتسليح المعارضة، فقامت بخطوتها وهي على ثقة من أن ردود أفعال واشنطن ستكون معتدلة أو قابلة بالذي يتم؟
مهما كان الجواب، أعتقد أن ما حدث وقع في إطار هذه الحسابات، وأن أميركا لا تدرس فقط إجراء تبدل في سياساتها، بل هي قررته وبدأت تنفذه. من علاماته ما شاع حول وصول الأسلحة من كرواتيا، وهي دولة أوروبية صديقة أو حليفة لها ولألمانيا، وما يقال عن مروره الشرعي في تركيا، وعن قيام واشنطن بتشجيع وصوله إلى مقاومين ينتمون إلى تنظيمات وفصائل غير أصولية، وما يجري اليوم من محاولات لضمان الاستعمال الآمن لهذه الأسلحة المتطورة نسبيا، عبر تنفيذ خطط يتولى سوريون وضعها والإشراف عليها لإعادة هيكلة الجيش الحر، بحيث تكون سلسلة القيادة والآمرة فيه محض عسكرية، ويقع انفصال محدود بين العسكريين والمدنيين يمكن الأولين من السيطرة على الأرض، تحسبا لتطورات مقلقة كاستيلاء الإسلاميين على السلطة، أو فوضى السلاح التي يمكن أن تقوض ما سيبقى من البلاد والعباد عقب إسقاط الأسد، أو مشاريع الاقتتال التي تخطط أطراف متنوعة لنشوبها بين مكونات الجماعة الوطنية السورية، أو الصراعات الإقليمية التي قد تأخذ أبعادا عسكرية وسياسية معقدة في ظل انتشار المسلحين في كل مكان واستيلائهم على مناطق كبيرة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة إلى أي صراع مستقبلي كما بالنسبة إلى إعادة بناء البلاد، لما فيها من ثروات طبيعية وموارد لا يمكن التخلي عنها في أي مشروع تنموي.
كان من الجلي في الأسابيع الأخيرة أن تبدلا ما في موازين القوى سيسبق التفاوض مع النظام، وأن خطوة ما ستتم في هذا الاتجاه ستعبر عن نفسها في تسليح المعارضة وتمكينها من ردع جيش النظام وفك حصاره لحمص وتسريع انهياره في مناطق بعينها، داخل دمشق وحولها. هل نحن اليوم على مشارف هذا التبدل في السياسة الأميركية وعلى الأرض السورية؟ أعتقد أن هناك شيئا من هذا، وأن هدفه الأخير إرغام النظام على التخلي عن الأسد وإعلان أطراف وازنة فيه استعدادها للتفاوض حول انتقال ديمقراطي يتم في أجواء آمنة نسبيا، للجميع مصلحة فيها. ماذا إن ظل النظام متماسكا وأصر على مواصلة القتال وصعد وتائره؟ أعتقد أن الأسلحة ستتدفق عندئذ بالكميات الضرورية على المقاتلين، ليكون بوسعهم اقتحام القصر الجمهوري، خلال فترة غير طويلة.
نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط”
ماقل ودل … لمن يتصف بالعقل ؟
ستستمر الحرب هذه حتى يستصرخ جميع من في سوريا وخارجها السلام ، ،سلم