خلال الأسابيع الأخيرة انتشرت فى وسائل التواصل الاجتماعى وبعض المحطات التليفزيونية، كثير من الحوارات والأخبار والتقارير المصوّرة وجلسات العصف الذهنى والعسف الفكرى حول ما أُشيع أو شاع من حديث يرتبط بما يسمى «جهاد النكاح». والذى يعتبر المتحدثون عنه والمروجون له من دون أى تثبت، بأنه دليل على ظلامية المكونات الإسلامية فى الحراك السورى. حيث «يُقال» بأن هذا النوع المستحدث من «الجهاد» يُحلل مشاركة فتيات مسلمات فى المعركة فى سبيل «الدين» فى أرض الشام من خلال إباحة «نكاحهم» لفترة مؤقتة من قبل المقاتلين فى إطار «شرعى» محمود، وذلك للتخفيف عنهم وتلبية الاحتياجات «الجنسية» الطبيعية.
وقد اعتُبر هذا الأمر فرصة سانحة لكثيرٍ من الأطراف، التى نأت بنفسها أخلاقيا أو سياسيا أو إيديولوجيا أو مصلحيا عن الثورة السورية، لكى تقفز بكل نشاط وحيوية على هذا الطرح الشاذ وتطوّره وتنشره وتدعمه بالصور وأشرطة الفيديو لكى تبرر عداءها للثورة السورية أو ترددها فى دعمها أو شكّها فى مآلاتها.
وبشكل تدقيقى أكثر، برزت أصوات لسوريين وسوريات، ليسوا من الموالين طبيعة أو انتماء أو خيارا، ولكنهم كانوا يبحثون منذ اليوم الأول للمسار الثورى، حتى عندما كان سلميا بحتا، عن تبرير لمواقفهم المترددة والضبابية والمليئة بالخشية. وقد أتت هذه المعلومات وما يلوذ بها كورقة رابحة على طاولة اللعب فى المواقف المبدئية. وأكثرهم وضوحا من قال وبحسم: «ألم أقل لكم؟».
●●●
من جهة أخرى، ارتاح الكثيرون لهذه الأخبار من بعض العرب الذين خاب ظنهم من المسار الثورى فى بلادهم التى جرى فيها التغيير باتجاه لم يتوقعوه لأسباب عديدة ليس المجال متاحا لسردها الآن. وبدأوا بتبنى هذه الأخبار ونشرها بشكل موسّع دون أى تحفظ أو محاولة للتحقق، وكأنها جاءتهم بردا وسلاما. وساعدت شبكات التواصل فى إضافة ما تيسّر من تفاصيل ومن صور أتى بها ناشروها من حيث لا يدرون بحثا عن دعم موقفهم وحفلت بالتعليقات حول الموضوع بطريقة استغلالية وتبريرية للهجوم على الحقوق الشرعية للسوريين.
وأتت بعض الأقنية التليفزيونية القريبة أو الحليفة «للمؤسسة» الحاكمة فى سوريا بالمزيد من خلال تنظيم الحوارات حول الموضوع على نوعيات مختلفة، بين فكاهية وبدائية الأقنية السورية و«حرفية» الحلفاء اللبنانيين فى الذود عن حمى أولياء نعمتهم العملية أو النظرية.
وفى هذه الأثناء، انبرى المدافعون عن شرعية الثورة من كل الفئات السورية إلى مواجهة هذه الموجة «الفرويدية» من الجدل السياسى وتفنيد أصالتها أو مقوماتها الشرعية أو دحض صدقية من قيل بأنه أفتى بها أو محاولة تبريرها بطرقة تبسيطية أو حتى إدانتها وإدانة التيار الذى يمكن أن يكون هو المعنى بها.
بالمقابل، تلقفت وسائل الإعلام الغربية الخبر وبدأت بالترويج له بعد أن فقدت أخبار الموت والدمار «جاذبيتها» وصار من المطلوب «مهنيا» البحث عن مواضع أكثر إثارة بعيدا عن التغطية الفعلية لما يجرى على الأرض، ليس فى المجال العسكرى فحسب، بل من إرهاصات فكرية وإعلامية ومجتمعية وإنسانية. وقد أتاحت هذه التغطية أيضا للبعض من الرسميين الغربيين الاختباء وراء هذه «الاستعارات» المهلوسة لكى ينبروا قائلين أيضا «ألم نقل لكم؟».
وفى الحقيقة، لقد قيل الكثير للسوريين، وهى حقيقة طعمها مر. وقليل جدا ما فُعل من أجل السوريين، وهذا واقع طعمه أمرّ. ومن المسلمات بأن حالة بمثل هذا السوء تدوم أكثر من عامين سترى فى جنباتها كل انواع الطفيليات والتى لا يجب أن تفاجئ حتى السذج.
●●●
وبالمحصلة، فربما هرف متعمم بما لا يعرف وتطرق إلى ما يشغل بال الكثير من الجهلاء وغيرهم، وهو يرتبط بالعقد المكبوتة المتراكمة فى المجتمعات العربية والإسلامية، ولكن الاستغلال المتدنى لهذا من قبل البعض يحمّلهم نفس المسئولية اللاأخلاقية فى معالجة الشأن السورى. إيراد الحديث عن الجنس فى كل شاردة وواردة، فى الحلّ وفى الترحال، أضحى من مميزات السقوط. هو تسفيه للعقل البشرى إلى مستوى التقوقع فى جزء معين من الجسد، وحصر الهم العام بعملية فيسيولوجية قدمها منذ قدم الحياة.
إن كان بعض الجهلة يضعون الوقود فى محركات من يعادى الثورة بترّهاتهم، فمن يستثمرها من أى طرف كان يساهم فى تسخيف حدث جلل، ويهزأ بمأساة آلاف الضحايا السوريين الذين سقطوا من أجل الحرية وليس من أجل أى شىء آخر.