أمنية العام الجديد والإصرار على التنفيذ

أشرقت الشمس هذا الصباح… أدهشني شروقها وكأنه للمرة الأولى، ففي كل شروق بداية جديدة… ولو عرفت أن اليوم هو آخر يوم في حياتي لعشته بكل عمقه، فالمسافة بين الصباح والمساء هي حياة، والحياة قيمة, وتستحق أن نعيشها بعمق….
……..
خرست كل اسلحة الفيسبوك، واستراح المحاربون، ورحلت الومضة الفاصلة بين عام وآخر… وبدأت الحياة تعود إلى روتينيتها، علما بأنني اؤمن بأنه لا يوجد روتين تحت الشمس!
………
صار بامكاني أن أكتب كلمة بهذه المناسبة، وأنا على يقين من أنها لن تضيع مني في زحمة الأماني التي وزعها قراء العربية بكرم وبلا حساب…. نعم، مجرد أماني. الأمر الذي دفعني لأن أركز على الفرق بين ثقافة تحمل أمنية للعام الجديد، وثقافة يقول لك انسانها،
My resolution for the new year is to do this or that
كلمة resolution
تعني “قرار مع الإصرار على التنفيذ”, الغربي يبدأ سنته باتخاذ قرار وهو مصر أن ينفذه في السنة الجديدة، بينما الإنسان في تلك البقعة الميؤوسة من العالم يحمل أمنية، مجرد أمنية…..
………….
أحيانا وفي سياق الحديث مع صديق أمريكي، أسأله
Do you want to do that?
هل تريد أن تفعل ذلك؟
فيرد:
It’s not I want, it’s I will
(ليس ألامر أنني أريد أن أفعل ذلك، ولكنه سوف أفعل ذلك!)
فلديه فرق بينا مايريد وبين ماسيفعل بالتأكيد، إنها اللغة وطريقة التحدث فهي من تصنع البشر، ولغتنا قد صنعتنا وصنعت معنا واقعنا!
…..
لا تحمل مجرد أمنية للعام الجديد، بل اتخذ قرارا وأصرعلى أنك ستنفذه هذا العام، حتى ولو كان مجرد أن تزرع بصلة في علبة صغيرة!
….
على ذكر زراعة البصل، أتواصل مع سيدة عراقية تعيش فقرا مدقعا، لكنني تعلمت منها ما أغنى عقلي إلى حد الثراء….
أرملة مسؤولة عن ثلاثة اطفال، تجمع علب الكونسروة الفارغة من الزبالة وتملأها ترابا وتزرع فيها بعض البذور والشتلات، وتعيش أغلب الاحيان على ماينبت ويثمر منها, ترسل لي صورا للبصل والثوم والأعشاب وهي تشرأب من تلك العلب, وأنا أرسل لها بدوري اعجابي الذي يفوق قدرتي على الوصف، اعجابي بنظرتها الجميلة للحياة…. عندما سألتها على الطريقة العربية: ماهي أمنيتك للعام الجديد؟ ردت باصرار الأمريكي: سأبحث عن علب كبيرة كي أزرع فيها شتلات الخيار والبندورة!!
ياله من قرار، وياله من اصرار على تنفيذ القرار!!
……….
كالعادة جلست أرتشف فنجان قهوتي في مقهاي المفضل وأقرأ جريدة الصباح, قادني فضولي إلى زاوية “عزيزتي آبي”
Dear Abby
وهي زاوية تنشر في أغلب الصحف الأمريكية المعروفة ترد من خلالها الأخصائية النفسية “آبي” على مشاكل الناس وتساؤلاتهم. في زاوية اليوم نشرت السيدة آبي قرارات ارسلها لها بعض قراءها، قرارات اتخذوها وهم مصرون على تحقيقها في هذا العام. أنقل لكم بعضا منها:
*ـ سأركز على هذا اليوم فقط، لن اشكو من الماضي وأغرق بالتفكير في المستقبل، لن أضع أهدافا بعيدة المدى، فأنا أعرف أنني استطيع أن انجز مهام ٢٤ ساعة، لكن التفكير بمهام الحياة كلها دفعة واحدة يُغرقنا في دوامتها…
*ـ سأكون سعيدة، ولن ألف وأدور حول الأفكار التي تجعلني كئيبة، وإذا امتلأ عقلي بالغيوم الداكنة سأطاردها، وأدع أشعة الشمس تنيره…
*ـ سأتخذ قرارا عن وعي وتصميم وهو ان أكون أكثر قبولا لمن حولي، سأكون لطيفة ومؤدبة مع كل من أصادفه في طريقي، ولن استغيب أحدا على الإطلاق…..
*ـ سأعتني بمظهري، وسأتكلم بهدوء، ولن أقاطع أحدا يتحدث، لن أحاول أن أغير أحد إلا من خلال تغييري لنفسي….
*ـ سأتخذ خطوة ايجابية من أجل تحسين وضعي الصحي, إذا أنا مدخنة سأتوقف عن التدخين، وإذا أنا سمينة سأنقص وزني
سأنهض من كرسي وأمشي بعض الوقت، حتى ولو لمسافة قصيرة…..
*ـ ساسعى لتحسين عقلي، سأقرأ بعض الكتب التي تطلب جهدا عقليا وتفكيرا وتركيزا, سأرفض أن أكون خمولة بعد اليوم….
*ـ سأجمع شجاعتي لافعل فقط ماهو صح، ولأتحمل مسؤولية أفعالي…
*ـ سأواجه الواقع بكل تفاصيله، عندها سأغير ما استطيع أن اغير وسأقبل ما لا أستطيع……
………
أخيرا ـ ومن باب الطرفة ـ أحب أن اشير إلى أجمل القرارات التي قرأت عنها، والتي اتخذها أصحابها في رأس السنة، كان قرار
للكاتب والناقد المسرحي البريطاني الذي عاش في اواسط القرن التاسع عشر
James Agate
جاء على الشكل التالي:
New year resolution: to tolerate fools more gladly provided this doesn’t encourage them to take up more of your time
(قراري بمناسبة راس السنة: أن أتقبل الأغبياء بصدر أرحب، هذا لن يسمح لهم أن يضيعوا المزيد من وقتي…)
……………
جميل أن تحمل أمنية للعام الجديد، ولكن الحياة ليست مجرد أمنيات…. إنها قرارات وإصرار على تنفيذها… لذلك، أتمنى لجميع قرائي عاما سعيدا وناجحا، وسأخصهم بقرار ألا وهو ان تكون كتاباتي للعام الجديد من نوع آخر وأجمل…. وغدا هو البرهان!