أمريكيا هي السبب

jihadalawnaسألني الكثير من الأصدقاء لماذا توقفت عن الكتابة فجأة أو لماذا قلّ حجم ما كنت تنشره من ناحية النوع والكم؟, والحق أقوله لكم أنني يئست وشعرتُ بأني أحرث في البحر وأزرع في الرمل ومحبوس في عنق الزجاجة وأرجلي في قاع القمقم وليس هنالك من سبيل إلى الخلاص, أنا رجل واحد ناضلت وكافحت ما يقرب من ربع قرن وأنا أحاول تنوير العقول وغيري يدفع بالملايين من الدولارات من أجل العودة إلى الحضيض والمحافظة على التخلف وأنا رجل يئست كثيرا لأنني جعت كثيرا وتعبت كثيرا ولم أعد أملك في جيبي ثمن الخبز والكل يدعو لي بالتوفيق ولكن لا أحد يمد لي يد العون ولم يتبق مني غير أن أجلس على الطرقات وأمد يدي الناعمة أمام المساجد والكنائس فرضوان الله عليهم أولاد الحلال لاحقوني وحاصروني في كل بقعة ضوء أقف عليها.

وكذلك أنادي بالسلام وأصرخ بصوت السلام والدبابات تمخر الشوارع وتبحر في دماء المساكين في سوريا وتونس والعراق ولا أحد يستمع إلينا معشر الكُتاب, وإذا نادينا بالحرية الكل يهبُ بوجهنا هبة رجل واحد ويتهموننا بالخلاعة وبالدعارة, أنا يئست من هذا العالم, أنا قدمت زهرة شبابي وأنا أقاوم وأناضل وخسرت حيويتي وشبابي وأنا أنادي بضرورة أن يعم السلام معظم المدن العربية ولكن لا أحد يستمع لي, فمثلا هل سيقرئ رئيس حكومة أو زعيم عصابة مسلحة مقالتي عن السلام ويتوقف عن إطلاق النار؟ على العكس إنهم حين يقرؤونها يطلقون النار عليّ وعلى آل بيتي.
يئست من صلاتي في النور وأنا لا أملك في جيبي دولارا واحدا وغيري يملك ملايين الدولارات ويدفع بالناس إلى ظلام القرون الوسطى, ثم أن لي عتب على أمريكيا والتي من المفترض بها أن تكون راعية للحرية, ولكنها تدعم كل الأنظمة الاستبدادية التي تقهر الشعوب العربية وتذل بها, فمعظم الأجهزة الأمنية التي تضطهدنا انحن الكتاب تتلقى دعمها المالي واللوجستي من الولايات المتحدة الأمريكية وهذه الأجهزة تلاحق المثقفين وتعطل مصالحهم التجارية وتضر بهم وتحاول تشويه سمعتهم الأخلاقية, فبدل أن تدعمنا أمريكيا كونها تدعي أنها تدعو إلى الحرية والديمقراطية نجدها تساند الأنظمة الاستبدادية وترعاها هنا وهناك وتدافع عنها في كل مكان.

فماذا يبقى لنا نحن المثقفون في هذا الزمن غير أن نعيش فقراء وتعساء في الظلام, ماذا يتبقى لنا غير الديون والفقر وملاحقة الناس لنا في الشوارع والأزقة, يئست من الكتابة وتعبت منها لأنني لم أجد يوما أي تقدير من أي جهة سواء أكانت حكومية أو خاصة, لم أجد التشجيع من المؤسسات الأوروبية التي ترعى الحقوق المدنية للمضطهدين, وها نحن أصبحنا في الشوارع شبه متسولين من أجل أن نأكل لقمة الخبز وغيرنا يتلقى الدعم بالملايين من أجل أن يحافظ على النفاق والدجل والشعوذة ويعيد إنتاج الأساطير بوسائل حديثة جدا.

إن أمريكيا تقود عالمنا العربي إلى الهلاك, الحرب على الأبواب وداعش تتقدم ولا تستطيع روسيا إيقافها ذلك أن داعش ليست جماعة إرهابية وحسب وإنما هي عقلية متواجدة في أجهزة المخابرات والجيش ووزارات التربية والتعليم والزراعة والصحة والجمارك والمخابرات وكافة الأجهزة الأمنية, وأنا أين أفر وأين أهرب من كل أولئك؟ أنا رجل لا حول لي ولا قوة وأريد أن أربي أولادي الآن هم تقدموا في العمر وبعد أربع أو خمس سنوات سيتوجهون إلى الجامعات وأنا رجل مفلس وتحيط بي عصابات داعشية إرهابية في كل مكان أذهب إليه, حاصروني ولم أعد قادرا على العمل كسابق عهدي, أين أذهب هذا اليوم بوجهي من بطش المستقبل؟ أين أذهب بكتبي ومقالاتي من بطش العصابات الإرهابية؟ ماذا سينفعني التنوير وما الذي فعلته لي الكتابة إلا أنها جلبت لي الفقر والعازة وجعلتني أخسر عملي أكثر من عشرين مرة, التيار أقوى مني وأنا شعرت بأنني لم ولن أقدم أي شيء طالما أمريكيا ترعى الجماعات الإسلامية المتطرفة, تلك الإمبراطورية التي عولت عليها وراهنت عليها بأن تحفظ لي حياة كريمة وإذ بها تقدم الدعم للعصابات الإرهابية الخارجة على القانون وتقدم الدعم أيضا للعصابات الحكومية المرخصة قانونيا لكي تضطهد المثقفين أمثالي من البؤساء والتعساء في الأرض وفي السماء, أنا راهنت على ورقة خاسرة, أمريكيا ورقة خاسرة لأنها تدعم الإرهاب وتدعم الحكام المتسلطين على رقاب الناس.

ثم أنه لا أحد يستجيب لصلوات المثقفين, ولا لنداءات المثقفين, الكل يستهزئ بنا, الكل يتمصخر علينا ويتندرون علينا في الأمسيات والندوات, لا أحد يستجيب لسحر الكلمة ولا أحد يستسلم لجمال لوحة فنية مرسومة بالزيت أو بالفحم والرصاص, إننا لا نُعجبُ أحدا من الناس ولا حتى أبناءنا وأنا توصلت إلى نتيجة فحواها: لماذا نكتب ؟.

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.