محمد حبش
قبل سنين كتبت لي أول زيارة لليابان، ذلك الكوكب الرائع الذي أنهكته الحرب العالمية دماراً وموتاً ولكنه أصر على استئناف الحياة من جديد وتمكن من بناء كوكب مختلف داخل هذا العالم وأصبحت حضارته وإنجازاته تملأ العالم.
كانت فرصة لي لرؤية العالم الحديد، في أرقى صور بهائه ورونقه، وعندما عدت إلى دمشق صعدت منبر الجمعة وقلت للناس: منذ عشرين عاماً وأنا أصعد هذا المنبر وأفسر لكم سورة الرحمن وسورة الفرقان، واليوم سأفسر لكم سورة اليابان…!!!
كان طرحاً صادماً يستدعي ألف سؤال حائر حول سورة اليابان…
قلت لهم: لو أن الرسول الكريم قرر اليوم أن يزور هذا العالم، وركب البراق الذي تركبه الأنبياء ونزل من برزخه العلوي ووقف في سماء الدنيا يختار أرضاً ينزل فيها، أين هي أمتي؟ إنهم بالتأكيد من نجحوا في تطبيق وصاياي، وعملوا على تحقيق ما حملته لهم من الخير والعدالة.
سيسأل أولاً عن أول كلمة جاء بها من السماء: اقرأ… فأين هي الأمة التي استجابت لله والرسول حين دعاها لما يحييها؟ تبلغ نسبة الأمية بين العرب 30 في المائة عموما وترتفع لتبلغ وفق موسوعة انكارتا 75 بالمائة بين نساء اليمن وفي السودان 78 وتبلغ في الصومال المسلم 90 بالمائة من النساء أميات لا يقرأن ولا يكتبن.
إن أمة اقرا لا تقرأ… فيما تمكنت اليابان من دفن آخر أمي في عام 1971 وأصبحت اليابان خالية من الأمية تماماً.
ولو سأل عن الآية الكريمة: وإن هذه أمتكم أمة واحدة… فإنه سيجد أن العالم الإسلامي يتألف من 57 دولة وهي تختار سياسات متناقضة ومحتلفة وتعجز عن توحيد رأيها في المحافل الدولية في حين أن اليابان التي يبلغ سكانها 130 مليون إنسان يمثلهم وزير خارجية واحد في المحافل الدولية ويصدرون عن رأي واحد يفرض احترامه على العالم كله.
ولو سأل عن قوله: بورك لأمتي في بكورها فإنه يمكنك أن ترى اليوم الياباني يبدأ في الخامسة صباحاً فيما يبدأ اليوم العربي في العاشرة قبل الظهر.
ولو سال عن قوله: إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه، فسيكون الجواب واضحاً تحدده الأسواق بين ما صنع في عواصمنا وما صنع في اليابان.
ولو سال عن قوله: ما آمن بي ساعة من نهار من أمسى شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم، فإن النتيجة الصادمة أن المجتمعات العربية لا تزال تغلي باللاجئين والنازحين والمتسولين والفقراء فيما يستعرض مترفوها سياراتهم اللامبارديني والرولزرايس وقصورهم الفارهة، ولا يطالهم قانون تكافل حقيقي يقضي على الفقر، فيما قضت اليابان على التسول كله تقريباً ووفرت للمحتاجين كفالات كريمة تغنيهم عن سؤال الناس.
ولو سأل عن قوله الطهور شطر الإيمان، وشاهد الواقع البيئي وتردي النظافة في السوارع العربية فيما تطوف النهار كله في شوارع اليابان فلا تقع على عقب سيجارة!
ولو سأل عن قوله: أن الله يكره العبد البطال، ووفق وثائق الأمم المتحدة فإن نسبة البطالة تبلغ في البلاد العربية 22 بالمائة وفي ليبيا قبل الحرب الأخيرة نحو 35 بالمائة غير البطالة المقنعة التي تضاعف عدد العاطلين فيما تتحدث اليابان عن معدل بطالة لا يتجاوز 4 بالمائة
ولو سأل عن قوله: النساء شقائق الرجال، فإنه سيجد المرأة اليابانية تشغل 30 بالمائة من المناصب القيادية في اليابان في حين أنها لا تزال ممنوعة من قيادة السيارة في أرض الحرمين.
وطرحت عليهم في المسجد عشرين سؤالاً مماثلاً بالطريقة إياها: السؤال من القرآن والجواب من الأرقام…. ثم تساءلت: فهل يلام النبي العربي الكريم إذا قرر ان يهبط حيث طبق الناس تعاليمه في طوكيو؟؟
أما لو سال عن أطول الأمم لحى وأكبرهم عمائم وأغلظهم سواكاً فلا شك انه سيهبط في مقديشو أو قندهار.
حان الوقت لنعود بقيم الإسلام العليا إلى شعار: أمة بين الأمم وليس أمة فوق الأمم، ونبي بين الأنبياء وليس نبياً فوق الأنبياء، ودين بين الأديان وليس ديناً فوق الأديان…..
مواضيع ذات صلة: حنان الحبش: مطرة آذار
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟بقلم علي الكاش
- مباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراثبقلم مفكر حر
- دراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.بقلم آدم دانيال هومه
- ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني … غدت ضرورية غربية ودولية **بقلم سرسبيندار السندي
- الحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولودبقلم مفكر حر
- ** كيف بلع نظام الملالي … الطعم ألإسرائيلي **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد … على عقول ألمسلمين **بقلم سرسبيندار السندي
- المسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحيةبقلم صباح ابراهيم
- استقصاء تأثيرات الميثولوجيا الآشورية على ثقافة الأقوام والشعوب والأمم الأخرى.. رأس السنة الأشورية (اكيتو)بقلم مفكر حر
- من يوميات إمرأة حلبجيةبقلم مفكر حر
- اسطورة الإسراء والمعراجبقلم صباح ابراهيم
- الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”بقلم طلال عبدالله الخوري
- ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **بقلم سرسبيندار السندي
- فيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارعبقلم مفكر حر
- ** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **بقلم سرسبيندار السندي
- النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10بقلم علي الكاش
- المجزرة الأخيرة
أحدث التعليقات
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **