د. ميسون البياتي
ألفريد جاري هو كاتب رمزي فرنسي شهير عاش 34 عام من العمر فقط بين عامي 1873 _1907 في حياة بوهيميه أصيب خلالها بالسل الذي قتله وهو في أوج شبابه وعطائه
أشهر أنجازات ألفريد جاري كانت تمثيله للمسرحية التي كتبها هو وهي ( أوبو روا ) أي أوبو الملك , وقيامه بصياغة المصطلح والمفهوم الفلسفي الباتافيزيقا
يعتبر جاري كاتباُ رمزياً لكن إنتاجاته تعتبر سلفاً للدادائيه والسورياليه والمستقبليه والأنماط الأدبيه الهجينه التي ظهرت بين العشرينات والثلاثينات وسبقت ما بعد الحداثه
يقول جارى فى تعريفه للباتافيزيقا : إنها علم المفاهيم المُتصوَّرة أو الخياليَّة ، ومن خلالها نصل إلى مستوى آخر من مستويات الفهم ونحقق وعياً لايمكن تحقيقه , وبها نصل إلى القوانين التى تحكم العوارض والاستثناءات فى الكون ، بحيث نكتشف العالم الذى يكمل عالمنا التقليدي
الباتافيزيقا تتيح لنا فهماً أعمق للحياة عن طريق فهم المعاني الحقيقيه والمعاني المجازيه للأشياء وإمكانية أن يحل المعنى المجازي محل المعنى الحقيقي
المهنى الحقيقي : هو المعنى الذي وضع له اللفظ في الأصل
المعنى المجازي : هو المعنى الذي ينقل اليه اللفظ لمناسبته للمعنى
عند الجد يراد باللفظ معناه الحقيقي أو المجازي ولكن أن تعني فعلاً ما تقول , أما عند الهزل فقد تستعمل اللفظ الحقيقي وتعني به المعنى المجازي أو العكس
ظهر المصطلح لأول مرة في صورة مطبوعه في مسرحية ألفريد جاري ( غويغنول ) 28 نيسان 1893 ويعد تداول مفهومه واحداً من الأسباب التي دفعت ألفريد جاري الى كتابة وتمثيل مسرحية أوبو الملك , وبسبب التأصيل الفلسفي لمفهوم الباتافيزيقا يعد ألفريد جاري اليوم أبا ً حقيقياً وشرعياً لهذا المفهوم
نأتي الى مسرحية أوبو الملك قصتها تبدو للوهلة الأولى تافهه وتقليد ساخر لأعمال شكسبير في مسرحيات هملت ولير ومكبث ولكن مع الإستمرار في متابعة المسرحيه تكتشف خيال ألفريد جاري في العمل لأن هذا التقليد الذي إعتبرناه تافهاً سيبدأ بالتعبير عن شيء أعمق ووعي داخلي بالرموز , ولهذا أعتبر ألفريد جاري كاتباً رمزياً من الطراز الأول
تبدأ المسرحيه بثوره يقوم بها أوبو ويقتل ملك بولندا ومعظم العائله المالكه مما يتسبب في وفاة ملكة بولندا حزناً . يظهر شبح الملك المقتول يطالب بالإنتقام مما يدفع أوبو الى قتل من يظهر لهم الشبح والإستيلاء على أموالهم . زوجة أوبو يساعدها ولي العهد ( بوغريلاس ) عندما تشاهد الكثير من المال في البيت تحاول سرقة زوجها فيشك زوجها في أتباعه ويرميهم في السجن
أحد هؤلاء الأتباع يفر من السجن ويذهب الى قيصر روسيا ويحصل على دعم القيصر بالعوده ومقاتلة أوبو وعندما تقع الحرب زوجة أوبو السارقه تخدع زوجها أنها الملاك جبرائيل من أجل أن لا يشك فيها اذا إنكشفت حقيقتها . يقاتل أوبو قتالاً مستميتاً وحين يهزم , يأخذ زوجته معه ويهرب الى فرنسا وتنتهي المسرحيه
يحتوي العمل على زخارف مسرحيه غصت بها مسرحيات شكسبير : قتل ملك , زوجه متسلطه , شبح ملك مقتول , حرب مع تابع تحالف مع عدو , موت ملكه حزناً على قتل أحبتها
التلاعب باللغه هو مزيج فريد في هذه المشاهد بين رمزية الكلمات , التوريه , وإستعمال المعاني الحقيقيه والمجازيه واحد في محل الآخر
بدأت فكرة كتابة المسرحيه في عقل ألفريد جاري عندما كان طالب مدرسه عمره 15 عام أثناء حمله قام بها هو وزملاؤه للسخريه من معلم الفيزياء في مدرسته الذي كان يحاول إبتزازهم لجمع المال , وفي حين نسي الكثير من الطلاب قصة هذا المعلم واصل ألفريد جاري في حياته القصيره العبث مع فكرة السخريه من هذا المعلم حتى حوله الى أوبو الملك في المسرحيه
ليوم واحد فقط 10 ديسمبر 1896 عرضت المسرحيه وتسببت برد فعل عنيف من الجمهور , من بين حضور العرض كان الشاعر ( وليم بتلر ييتس ) الحائز على نوبل في الأدب الذي علق على العرض والصخب الذي صاحبه بقوله (( هذا العمل يمتلك أهمية ثوريه )) وبالفعل كانت المسرحيه هي التي فتحت الباب لما يسمى بأدب ما بعد الحداثه
قام الفريد جاري بتمثيل المسرحيه بنفسه , أراد ان يلبس الملك أوبو رأس حصان من الورق المقوى في بعض المشاهد كما في المسرح الإنكليزي القديم لأنه كان يهدف الى إرسال رساله الى مشاهديه بمعنى مجازي , لكنه رغم هذا لم يهتم بألوان ملابس ممثليه ولا بدقتها التاريخيه , وهو لم يستخدم الممثل بإعتباره ( إنسان ) ولكن بإعتباره سوبر ماريونيت أي ( دميه كبيرة الحجم ) يعلق عليها الأفكار والأفعال لكنه لا ينسبها الى البشر
بعد مسرحية ( أوبو الملك ) قدّم ألفريد جاري مسرحيات : ( كوكو أوبو ) و ( أوبو الديوث ) و ( أوبو مقيداً ) بعدهن عاد ليهتم في حياته البوهيميه بالتأصيل لمفهوم الباتافيزيقا , ثم ضربته نزلة شديده من ضربات مرضه بالسل أنهت حياته القصيره