الحرب الكارثية بين السوريين وعلى السوريين، أخرجت ملف “الأقليات” من سلة مهملات نظام البعث العروبي الفاشي الحاكم لسوريا منذ انقلابه على السلطة 1963. بدا الملف الكردي أكثر إثارة، لما للأكراد من حيوية سياسية وقومية متميزة و امتداد ديمغرافي في دول الجوار السوري وسلاح لا يستهان به، أشهروه في وجه المعارضات والنظام معاً. لسان حال السياسيين الكرد يقول: ” الكرد جزء اساسي من النسيج الوطني السوري. عنصر مهم وفاعل في المعارضة الوطنية. يعملون لأجل تعزيز وترسيخ قيم ومفاهيم العيش المشترك بين السوريين. حريصون على وحدة سوريا “. يقولون هذا، بينما مرجعياتهم خارج الحدود ” اربيل – قنديل “. يحملون خرائط لما يزعمون بأنها “كردستان سوريا – روج آفا “. وضعوا مسودات “دساتير” و”عقود اجتماعية” لكيانهم الكردستاني القيد الانشاء. فتحوا مكاتب وشكلوا بعثات دبلوماسية كردية في العديد من دول وعواصم العالم. يتنشطون ويتحركون في الخارج بحثاً عن الدعم و الاعتراف الدولي كما لو أن كيانهم قادم لا محال. والحال هذه، ماذا ترك الأكراد السوريون لسوريتهم، في جعبتهم السياسية؟
خمس سنوات وأكثر مضى على الأزمة السورية، واكراد سوريا لم يحسموا خياراتهم ورهاناتهم. أنهم ليسوا مع الأسد ونظامه العروبي الفاشي. بذات الوقت هم ليسوا مع “الثورة السورية”، بشعارتها وأهدافها الوطنية المعروفة والمعلنة. لهم فهمهم الخاص لمعنى الثورة والتغيير والديمقراطية والوطنية. أنهم مع كل من يؤيدهم ويساعدهم في تحقيق أحلامهم القومية، وضد كل من يقف عقبة في طريقهم، بصرف النظر عن هويته وتموضعه السياسي. المناورة السياسية وانتهاز الفرص هما من ثوابت السياسة الكردية. في إطار هذه المنهجية السياسية لأكراد سوريا، تأتي الاعترافات الجريئة لسكرتير الحزب التقدمي الديمقراطي الكردي (عبد الحميد حاج درويش)، على قناة
(suroyo
– ܤܘܪܝܐ) الآشورية. قال درويش: ” بتاريخ 29 / نيسان / 2011، اجتمعتُ، برفقة عضو قيادي في حزبنا، مع نائب الرئيس بشار الأسد، محمد سعيد بخيتان، الذي قال لي بأن الرئيس بشار انتقدك لأنك لم تلب طلبه للالتقاء به. والآن أنا نادم وأنتقد نفسي، كيف أنني لم أجتمع مع الرئيس بشار؟”. جدير بالذكر(عبد الحميد حاج درويش) أحد مؤسسي أول فصيل سياسي كردي في سوريا( الحزب الديمقراطي الكُردي – البارتي 1957). عن هذا الحزب تفرعت معظم الأحزاب الكردية الموجودة اليوم على الساحة السورية والبالغ تعدادها أكثر من 30 فصيل. لحميد دور بارز في تشكيل “المجلس الوطني الكردي” وانضمامه الى (المجلس الوطني السوري المعارض) ومن ثم الى (الاتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية). عُين حميد درويش نائباً لرئيس الاتلاف لأكثر من عام. حول الولادة المشوهة للأحزاب الكردية في سوريا وتشبث رؤساءها بكرسي الزعامة، كتب الكاتب الكردي (دهام حسن) مقالاً بعنوان “ميلاد بلا مخاض” جاء فيه ” ولادة غالبية الأحزاب عندنا ولادة غير طبيعية، وبالتالي من العبث الدعوة لتغيير السكرتير، فالسكرتير هو مالك الحزب، فمن غير المعقول المطالبة بتنحيته، فتغيير السكرتير لهذه الأحزاب بأحد مراميه هو نهاية للحزب”. يتساءل الكاتب: هل يمكن للتقدمي أن يمارس حياته الحزبية دون السيد حميد درويش وهو لم يزل على قيد الحياة.؟.. يضيف ” مثله بالنسبة للأحزاب التي تفرعت عن التقدمي… فغياب السكرتير هو نهاية تلك الأحزاب “.
تتوزع فصائل الحركة الكردية السورية على كتلتين أساسيتين ( المجلس الوطني الكردي) و (حركة المجتمع الديمقراطي)، القائمة على ما يسمى بـ”الادارة الذاتية الكردية” بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي
pyd.
المجلس الوطني الكردي هو جزء من الاتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية. أما حزب الاتحاد الديمقراطي هو أقرب من النظام السوري الى المعارضة. لكن الخلاف الأساسي بين الكتلتين ليس على الاصطفاف السياسي لكل كتلة، وإنما على “القرار الكردي”. حزب الاتحاد الديمقراطي، يصر على توحيد “البندقية الكردية” تحت رايته وأمرته، ويرى نفسه الأحق في تمثيل أكراد سوريا والأقدر على انتزاع حقوقهم وتحقيق تطلعاتهم القومية. فيما بقية القوى الكردية في المجلس الوطني الكردي وتلك التي خارج الكتلتين ترفض ما تعتبره “مصادرة القرار الكردي واحتكار البندقية الكردية” من قبل حزب الاتحاد الديمقراطي والمؤسسات العسكرية والسياسية والأمنية المرتبطة به. وهي ترى في سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي وطريقة حكمه وإدارته للمناطق الخاضعة لسيطرته باسم “الادارة الذاتية “، تقويضاً للمشروع الكردي في سوريا. في سياق الانتقادات الكردية لحزب الاتحاد الديمقراطي، قال(عبد الباسط سيدا)، الرئيس الأسبق للمجلس الوطني السوري المعارض، عبر فضائية سكاي نيوز” مليون كردي ترك سوريا منذ اعلان الادارة الذاتية “. وقد ساءت العلاقة كثيراً بين القائمين على الادارة الكردية والمجلس الوطني الكردي، الى درجة التخوين المتبادل، على خلفية قيام أسايش الادارة الذاتية، باعتقال العديد من قيادات الأحزاب الكردية المعارضة لسياسات حزب الاتحاد الديمقراطي، بينهم رئيس المجلس الوطني الكردي(ابراهيم برو) ونفيه الى الشمال العراقي. هكذا، رغم إجماع أكراد سوريا على خيار “الفدرالية” كحل مناسب لقضيتهم، باتت ” الادارة الذاتية الكردية “، المرشحة للانتقال الى الفدرالية في الكانتونات الثلاث( الجزيرة- عين العرب/كوباني- عفرين)، سبباً في انقسام أكراد سوريا، ومصدر لخلافات ونزاعات حادة داخل المجتمع السياسي الكردي، تنذر بحصول تصادم (كردي- كردي).
اكراد سوريا، استعجلوا في الاعلان عن “إدارتهم الذاتية”، ورفع سقف مطالبهم الى “الفدرالية”. لم يكونوا مهيئين سياسياً ومجتمعياً لإدارة وخدمة المناطق التي انسحب منها النظام وسلمها لحزب الاتحاد الديمقراطي. اعلان الادارية الذاتية من طرف واحد، أبقاها من دون جمهور ومن غير دعم شعبي، وبلا قيمة سياسية أو قانونية، لطالما لم تعترف بها حكومة دمشق. الأكراد بخطواتهم المتسرعة نحو الفدرالية والتمدد العسكري في مناطق لا وجود للأكراد فيها، أثاروا مخاوف الأصدقاء قبل الاعداء، في الداخل السوري وفي المحيط الاقليمي، من “نزعة انفصالية” قد يتحضرون لها، واسسوا لعداوات هم بغنى عنها. تركيا، الأكثر قلقاً وتوجساً من الشبح الكردي، أخذت من التمدد العسكري الكردي، ذريعة لغزو مناطق حدودية من سوريا وشن حرب على ( قوات حماية الشعب الكردية)، الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي، بهدف تقويض الوجود العسكري لأكراد سورية. تالياً، لقطع الطريق أمام أي كيان كردي قد يخططون له على حدودها الجنوبية مع سورية.
باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com
المصدر ايلاف