فايز سارة
ليس من مفاجأة، أن يعلن نظام بشار الأسد عن كثافة مشاركة السوريين في لبنان في التصويت بانتخابات الرئاسة التي شرع فيها النظام لإعطاء رئيسه ولاية رئاسية ثالثة، وليس من المستغرب، أن تقوم أوساط إعلامية وسياسية وميليشيات لبنانية بالترويج لأكاذيب النظام حول مشاركة السوريين في لبنان بعرس الدم. فالأخيرة مثل سيدها، تردد أكاذيب تتكرر على نحو ما درجت العادة لأكثر من ثلاث سنوات، انقضت على انطلاق ثورة السوريين ضد نظام الاستبداد والديكتاتورية الأسدي، الذي لم يترك لافتة إلا وتستر خلفها من العلمانية إلى القومية ومن الاشتراكية والحرية إلى المقاومة والممانعة وحماية الأقليات، قبل أن تنفضح على نطاق واسع دمويته وإرهابه قتلا وتهجيرا للسوريين وتدميرا لقدراتهم وبلدهم، وانكشاف دوره في جر المنطقة وما حولها إلى كارثة كبيرة، لا يمكن تقدير حجمها، طالما بقي نظام الأسد، واستمرت جرائمه.
ويرتبط كشف أكاذيب نظام الأسد والسائرين على خطه من اللبنانيين بمقاربة أرقام ومعطيات بينها أرقام السوريين في لبنان، وأرقام من قيل إنهم شاركوا في العمليات الانتخابية، التي جرت في السفارة السورية ببيروت أو في مقار يسيطر عليها لبنانيون موالون لنظام الأسد مثل أعضاء حزب البعث الذي قامت السفارة السورية بتوكيله الإدارة الميدانية للعمليات الانتخابية بمعونة تنظيمين آخرين هما حزب الله والحزب القومي السوري الأكثر دعما لنظام دمشق وسياساته، وقد تركت تصرفاتهم أجواء استثنائية أحاطت بالعملية الانتخابية، ولعل هذا من أبرز وأهم المعطيات، التي أحاطت بالعملية الانتخابية السورية.
وطبقا للغة الأرقام، فإن الأمم المتحدة، كانت أعلنت أن عدد اللاجئين السوريين، تجاوز المليون شخص في وقت سابق، وهناك ما يتجاوز نصف مليون سوري مقيمين في لبنان خارج نظام اللجوء، وقسم من هؤلاء عمال، كانوا يقيمون ويعملون هناك منذ عقود بعيدة من السنوات، وقسم آخر من السوريين وفدوا في سنوات الثورة، وكانوا غير راغبين في أن يصنفوا ضمن عداد اللاجئين، وبين هؤلاء رجال أعمال ومستثمرون نقلوا أعمالهم كليا أو جزئيا إلى لبنان، مستفيدين من عوامل كثيرة منها روابط اجتماعية وعائلية وتسهيلات استثمارية وشراكات قائمة، وتشابه أنماط الحياة بين السوريين واللبنانيين.
ورغم تنوع السوريين المقيمين في لبنان، فإن قاسمهم المشترك هو معارضة الانتخابات أو عدم الاهتمام بها لكون أغلبيتهم جاءت من مدن وقرى سحقها النظام وخصوصا حمص والقلمون، فيما القسم الآخر، لم يعتد المشاركة في عمليات الاستفتاء والانتخابات التي يجريها النظام لمعرفته، أن نتائجها معروفة مسبقا، وهذا حس سوري معروف، يعززه السلوك المدمر الذي اتبعه النظام في الأعوام الأخيرة في ابتعاد الناس عن اختيار القاتل رئيسا.
وبصورة عملية، فإن نصف السوريين الموجودين في لبنان، يحق لهم المشاركة في الانتخابات طبقا للقانون السوري، أي نحو ثلاثة أرباع المليون، في حين لم يتعد عدد الذين شاركوا في الانتخابات الـ50 ألفا طبقا لما جرى الإعلان عنه، مما يعني أن الذين شاركوا لا يتعدون الـ16 بالألف من السوريين، وهي نسبة بائسة في كل الأحوال، جُمع أغلبها بالقوة والتشبيح وسط إجراءات أشاعت أوهام مشاركة كبيرة من جانب السوريين، أحيطت بتغطية إعلامية جرى تصنيع أغلبها، وقد بدأت تلك الإجراءات في تنظيم زيارات من شبيحة النظام ومؤيديه إلى أماكن وجود السوريين في المخيمات وفي البلدات والأحياء، وجمع البيانات الأساسية من أسماء وهويات أو جوازات سفر ومعلومات أخرى، وتهديد أصحابها بالتسفير، إذا لم يشاركوا في الانتخابات وسط أجواء ترهيب، ترافقت في بعض الحالات بظهور مسلح وبضغوط الجهات الإدارية من البلديات اللبنانية على نحو ما جرى في بلدة اللبوة، المؤيدة لنظام الأسد، التي أجبر أغلب سكانها من السوريين البالغ عددهم سبعة آلاف شخص على الانتخاب بضغط من بلدية اللبوة، وسط حملة دعائية لصالح بشار الأسد بدأت مع إعلان مشاركته في الانتخابات قبل أسابيع.
لقد قام عناصر حزب البعث في لبنان بمشاركة آخرين من حزب الله والقوميين السوريين إضافة إلى شبيحة وعناصر مخابرات سورية تعمل في لبنان بممارسة إرهاب منظم ضد لاجئين سوريين لإجبارهم وسوقهم للمشاركة في الانتخابات، وسط مظاهر ديماغوجية، جرى خلالها قطع طرقات وخطوط سير تقليدية، مما أضفى على الوضع في بعض المناطق اللبنانية أجواء من التوتر والخوف والاستنكار، تضع أجزاء من لبنان على حافة هاوية، وكلها أجواء متعمدة ومقصودة سواء نحو السوريين أو اللبنانيين.
خلاصة الأمر في مشاركة السوريين في انتخابات ولاية جديدة لرأس النظام، أنها كانت مشاركة محدودة، بل ومفتعلة، هدفها الأساس إشاعة أجواء التوتر والخوف لدى كل سكان لبنان ولدى المحيط الإقليمي، وتصدير رسالة إلى العالم بقدرة نظام الأسد ومؤيديه هناك على الحضور والتأثير والفعل، أكثر مما كان هدفهم جمع أصوات للأسد، لأن مرشحهم ورئيسهم سوف ينجح بكل الأحوال عبر آليات التزوير وحملات الكذب والتلفيق المعتادة، ليس منذ مجيء الأسد الابن إلى السلطة عام 2000، وإنما بما درجت عليه الحال في عقود الأسد الأب، وقد تكررت رئاسته خمس مرات بين عامي 1970 و2000 بطريقة التزوير والتلفيق وحصوله على أغلبية أصوات السوريين رغما عنهم.
نقلا عن الشرق الاوسط