أقبح الآدميين

مقدمة :

كم اُشفق على مَن يكره طوال عمرهِ حتى يغدو المرء قبيحَ الوجهِ والروح

فلو صادفَ ذلك الإنسان مَن يُدّلهُ كيف يتغلّب على المظالم والشرور التي تعرّض لها حقيقةً أو تخيّلاً , ظُلماً أو إستحقاقاً , فلربّما أعانهُ على الإبقاء على بعضِ أنواع الجمال في نفسهِ وشكلهِ .

يقول المثل السويدي : الضحكة هي أرخص عملية تجميل للوجه .

ومع يقيني التام بأنّ الجمال عموماً هو من بين تلك الأشياء النسبيّة التي تختلف حسب رؤية المرء وعمرهِ وثقافتهِ وبيئتهِ .. وربّما حتى معدتهِ !

وأنّ الجمال ليس معقوداً على جمالِ الوجه والجسد .

إنّما كذلك على جمال العقل والروح . وهذا مايتّم أخذهِ في الإعتبار حتى في مسابقات ملكات جمال الكون . إذ هناك علامات تُمنَحْ على الثقافة العامة للمتسابقة وصوتها وضحكتها وبسمتها , بل طريقة كلامها و تفكيرها وثقتها بنفسها أيضاً .

مع ذلك يُمكنني محاكاة المثل السويدي أعلاه , لأقول :

التكشيرة والعبوس والتجهّم والبغضاء , هي أسهل عملية تقبيح للوجه البشري . أليس كذلك ؟

****

من جهة ثانية قد يبدو عنوان مقالي هذا مُتناقضاً مع عموم كتاباتي .

إذ طالما كتبتُ عن الجمال والسلام وصانعيهم , وعن العقل والعقلانيّة والحكمة والتنوير , ( أوعلى الأقل التعليم الصحيح ) المطلوب تواجدهم في بلادنا البائسة كي تنهض شعوبنا من سباتها الفكري والجسدي .

لكن صورة عادية صادفتني بالأمس في موقع ال

BBC

عن مُحاكمة الرئيس المعزول ( عسكرياً ) والمخلوع ( شعبياً ) محمد مُرسي العيّاط , وتلك الوجوه الكالحة للنساء اللواتي ظهرنّ في مقدمة صورة مناصريه (أهلهِ وعشيرتهِ ) ,أثارت في نفسي تساؤلات عديدة ليس فقط عن معاني القُبح والجمال وعلاقتهم بطيبة النفوس وإستقرارها وهنائها .

إنّما أيضاً ( وهذا هو الأهمّ ) لماذا لم تُصادف عيوني ولو سيّدة واحدة متوسطة الجمال تُساند حُكم الإخوان الظلاميين ,في سنتهم السودة ؟

أقصد هل هو تحيّز عقلي الباطن الذي يُرسل بتأثيرهِ الى عيوني فترى الجمالَ قُبحاً ؟ أم أنّهُ الواقع فعلاً ؟

أم أنّ إصطفاف الجمال والمحبّة والعقل المستنير يكون غالباً مع الحياة والتطوّر . وأنّ إصطفاف القُبح والكراهيّة وظلاميّة التفكير يكون عادةً مع أصحاب الدوغما الدينية والتابوهات والمُحرمّات , من المتعصبين و المتطرفين والمتزمتين والمتشدّدين ضدّ كلّ ما هو نافع وجميل في هذهِ الحياة ؟

مرّة ثانية , مُلخّص فكرة هذهِ الورقة هو السؤال التالي :

هل هناك سبب علمي أو نفسي وراء هذهِ الظاهرة ؟ أم هي محض أوهام تراودني شخصياً عندما اُصادف مناظر مزعجة ؟

******

آراء بعض الفلاسفة وعلماء النفس حول الجمال !

* سقراط كان يرى أن كل شيء ذو فائدة هو رائع و جميل .

والاشياء التي تسبب ضرراً للانسان هي قبيحة رغم تناسب أجزائها في جمال الصنع . إنظر الرابط الثاني

* الفونس دي لامارتين ( كاتب وشاعر سياسي فرنسي توفي 1869 )

كان يتسائل: أيّ جَمالٍ في الطبيعة يمكنهُ منافسة جمال المرأة التي تُحب ؟

معناها يقصد بوضوح إنعكاس السعادة .. على المظهر البشري !

* بينما سيغموند فرويد , يجعل الإنسان يتأرجح بين القيم الأخلاقية والعقلية والجمالية , وبين النزعات الغامضة اللاشعورية ( الغريزية ) .

* والفيلسوف الألماني إيمانويل كانت (كانط بالعربية لا أعرف لماذا !)

كان ينظر الى الشيء الجميل على أنّهُ رمز الخير والعطاء والإبداع .

ويقول أنّ الفن مثلاً ليس تمثيل لشيءٍ جميل , إنّما هو تمثيل جميل لشيء ما . فالعمل والفهم الجميل عندهُ تصنع الإبداعات للبشرية .

* أمّا الفيلسوف ( المثالي والموضوعي في آنٍ معاً ) هيغل , فكان ينظر الى الجمال بأنّهُ نابع من روح الإنسان ذاتهِ وينعكس ذلك على رؤيته وأعمالهِ الفنية أيضاً .

أمّا الفيلسوف المُختَلف عليه ( فردريك نيتشه ) فتظهر أفكارهِ عن هذا الموضوع في فصل / أقبح الآدميين ( إتخذتهُ عنواناً لمقالي ) في كتابهِ الأثير هكذا تكلّم زرادشت .

عندما يُقرّر بأنّ إحدى دعائم الأخلاق الزرادشتية هي قضية / غضّ النظر عن القُبح . أو الحياء أمام القُبح وعدم تحويلهِ الى فرجة ( على حدّ تعبير المترجم المُبدع علي مصباح ).

ثم يضيف : لابُدّ من تجميل الإنسان وجعلهِ قابلاً للإحتمال .

ومرّة تسائل / بأيّ جمال ماكر يرمقني البحر والحياة من كلّ الجهات ؟

ثم يقول : أيّة أشياء جميلة وهبني هذا اليوم , كي يعوّض لي عن بدايتهِ الكريهة . وأيّ مُحادثين عجيبين إلتقيتُ بهم على هذا الطريق !

***************

الخلاصة

في النسخة العربية لمسرحية سيّدتي الجميلة

( الأصل قصة بجماليون / للكاتب الإيرلندي الساخر برنارد شو )

تُثمر جهود (فؤاد المهندس) وهو أحد صانعي الجمال ,مع فتاة فقيرة بائسة جاهلة ( شويكار ) .

لينتهي بها الحال الى سيّدة مجتمع جميلة من طراز رفيع .

في مقالة لي قبل بضعة سنوات بعنوان ( صانعوا الجمال في الحياة ) كتبتُ ما يلي :

[ ليست هبة الطبيعة وعطائها فقط هي التي توصل الفتاة لعرش الجمال . إنّما السعي والإجتهاد الشخصي والدراسة والثقافة والرياضة وما شابه تساعد في الوصول للتاج أيضاً , حقاً إنّها صناعة للجمال ]

وكتبت أيضاً

[ تعبير العيون وهو ناتج غالباً عن سعادة الإنسان أو حزنهِ أو فقره , تكون أهّم عند متذوقي الجمال من سعة العيون ولونها ورموشها ]

وقلت عن علاقة الجمَال بمشايخ الدين ما يلي :

[ العلاقة تكاد تكون عكسية بينهما , إذ طالما حارب القوم وحرّموا الجَمال , وإعتبروه فتنة أو عورة تستوجب العقاب والنقاب . وكَم من جميلة في بلادنا قُتلت عقاباً على جمالها ] .

يقول نزار قباني:

حتى النجوم تخاف من وطني ..ولا أدري السبب

جميع أشياء الجمال .. جميعها ضدّ العرب !

*****

الروابط

الأول / تأجيل محاكمة مرسي ( إنظروا الى الصورة فقط لو شئتم )

http://www.bbc.co.uk/arabic/

الثاني / مقال عصام البغدادي , مفاهيم فكرية عن علم الجمال / ج 2

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=29496

الثالث / مقالي عام 2010 / صانعوا الجمال في الحياة

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=209463

تحياتي لكم

رعد الحافظ

5 نوفمبر 2013

رعد الحافظ(مفكر حر)؟

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.