الكل يتذكر أن أفغانستان كانت منذ منتصف الستينات وبداية السبعينات محجة لرحلات جماعية من أفواج شباب أوربا الهيبيز والباحثين عن الحياة البوهيمية في أحضان طبيعتها الخلابة , الباحثين عن رخص ورواج مخدراتها التي يستعملها الشباب الأوربيون في أفغانستان دون حسيب أو رقيب .
إذن : كيف تحولت أفغانستان الى دولة حاضنة للارهاب ؟
منذ العام 1978 وحتى نهاية العام 2001 كان هذا البلد الآسيوي الوعر الفقير قد دمرته الحرب ، مات فيها الملايين أو تعوقوا ، وتحول ملايين آخرون الى لاجئين ، كما خربت الطرق الرئيسة ونظم الري والمدارس والخدمات الصحية .
وخلال فترات العنف تعلم الأطفال إستعمال السلاح حتى قبل تعلمهم القراءة والكتابة …. هل اختار الأفغان بأنفسهم هذا القدر السيء ؟
لا…. هذا القدر السيء كان مفروضا عليهم بحكم كونهم الحلقة الأضعف أو الجار الأضعف بين عدة قوى متناحرة لم تكن تريد القتال على أرضها فاختارت أفغانستان لتكون ساحة رخيصة لذلك القتال ….
ولم تكن صراعات الأفغان فيما بينهم نتيجة حاجات ذاتية ملحة للشعب الأفغاني ، بل كانت صراعات أفواج جائعة من شعب فقير يتم إطعامه من قبل جيران متناحرين .
الجيران المتناحرون كانوا ثلاثة :
( الهند ) وهي الجارة الاولى التي هي ولحد اليوم أرض للنفوذ البريطاني والأمريكي رغما عن أنف غاندي وأنف عنزته التي شرب الكثير من حليبها على طريق استقلال الهند بالمقاومة السلمية .
( الباكستان ) وهي الجارة الثانية التي عند فصلها عن الهند بعد مؤتمر يالطا , صارت أرضا للنفوذ الأمريكي ، رغم كل عناوين الاستقلال .
( الإتحاد السوفييتي ) وهو الجارالسيء الثالث الذي يمارس شيوعية لينينة بلشفية متخليا بذلك عن قواعد ماركسية ما كان له أن يتخلى عنها … لكن ذلك مباح له وهو دولة استعمارية قديمة لكنها تعمل بشعارات جديدة .
ولا تنسوا … لحد اليوم حين نقول : المعسكر الغربي ، فنحن لا نعني به غير العروة الوثقى البريطانية – الأمريكية .
بسبب هذه العروة أسس الأوربيون إتحادهم الأوربي لإثبات ( هوية أوربية ) من دول إستعمارية قديمة مثل فرنسا وإسبانيا والبرتغال , بإتحادها مع دول أوربية صناعية مثل بلجيكا وألمانيا , ودول رعوية مثل النرويج والدنمارك وفنلندا والسويد .
و تذكروا جيدا أن ديغول حرم إنضمام بريطانيا الى الإتحاد الأوربي منذ تأسيس الإتحاد الأوربي في ستينات القرن الماضي . في حين أن بريطانيا صارت فيما بعد زعيمة للإتحاد الأوربي … فهل يدرك من ذلك مدى شراسة الصراع حول العالم ؟
الحرب في أفغانستان لم تكن حربا طويلة بين طرفين متنازعين لكنها كانت سلسلة من الحروب المتعاقبة التي تغير فيها الاحزاب المتقاتلة تحالفاتها في كل مرة .
( الحرب الاولى ) كانت عام 1978 – 1979 : وقعت بين أنصار الحكومة الأفغانية الشيوعيون ومواطنيهم أصحاب النفوذ والأموال الذين حاربوا الشيوعيين بآسم
الإسلام .
( الحرب الثانية ) إمتدت من عام 1979- 1989 : حين أرسل الإتحاد السوفيتي قواته وأسلحته الى أفغانستان لمناصرة الأفغان الشيوعيين . في نفس الوقت الذي قامت فيه الولايات المتحدة وحليفتها أو ( مستعمرتها على الأصح ) الباكستان بتقديم الدعم اللامحدود الى الجماعات الاسلامية المقاتلة والتي دعي أفرادها بالمجاهدين .
( الحرب الثالثة ) إمتدت من عام 1989- 1992 : وقعت بعد إنسحاب الإتحاد السوفيتي , بين الأفغان الشيوعيين والأفغان المجاهدين … وانتهت بهزيمة الشيوعيين , بسبب تفكك الإتحاد السوفيتي وتوقف دعمه لهم .
( الحرب الرابعة ) إستمرت من عام 1992 – 1996 : وقعت بين المجاهدين أنفسهم في الإقتتال للإستيلاء على السلطة .
( الحرب الخامسة ) قامت بها جماعة طالبان المدعومة أمريكيا فقاتلت بين الاعوام 1994- 1998 : وحازت السيطرة على معظم أرض البلاد بمساعدة عرب متطوعين للقتال معها عرفوا بإسم : العرب الأفغان .
( الحرب السادسة ) شنتها الولايات المتحدة الأمريكية على جميع المجاهدين الأفغان تحت شعار ( الحرب على الإرهاب) ، مع أنه لولا سياسة الولايات المتحدة ودعمها لهؤلاء المجاهدين لما كانوا بالصورة التي هم عليها .
قلنا إن أفغانستان بلد فقير به تخلف كبير حتى عن أقرب جيرانه ، طمع به الإتحاد السوفيتي كموقع نفوذ بين النفوذين البريطاني والأمريكي , فمد يده الى حكومة الأفغان الشيوعية من أجل القيام بتحديث البلد ، فاعتبرت الولايات المتحدة ذلك بمثابة تحدي لها .
رجال الدين المسلمون في هذا البلد هم في نفس الوقت إقطاعيون يملكون الأرض ويملكون رؤوس الأموال الكبرى ، تطبيق الإصلاح معناه تأميم أجزاء من ثرواتهم وأراضيهم لذلك رفضوا الإصلاح وتحججوا أنهم لا يريدون حداثة الدولة لآن ذلك حسب قولهم يتنافى مع تعاليم الإسلام .
وفسروا مساواة المرأة بالحقوق وكأنه دعوة للفجور , وربطوا الإصلاح بالدولة الكافرة ( الإتحاد السوفيتي ) ، مستمدين الدعم المادي والمعنوي من الولايات المتحدة الأمريكية الذي كانت توصله لهم بواسطة المخابرات الباكستانية .
يتكون المجتمع الأفغاني من جماعات عرقية مختلفة كل لها مليشيتها ، وصارت هذه المليشيات تتقاتل بينها بعد أن صعدت الصراعات الخفية القديمة الى السطح نتيجة قسوة الحرب وطول مدتها , وجزالة الدفع الأمريكي .
مع حلول عام 1978 كان تعداد السكان عشرين مليون نسمة يعيشون حياة فقيرة معتمدة على الزراعة .
مدن أفغانستان الرئيسة الكبرى هي أربعة : كابول وقندهار وحيرات ومزاري شريف , كما أنها تضم أربعة طوائف عرقية كبرى : البشتون والطاجيك والأوزبك والهزارا وعدد آخر من طوائف أقلية .
كل هذه الطوائف من المسلمين السنة , عدا عن الهزارا فهم من الشيعة .
أشكال متعددة من الخلافات ظهرت بين الجماعات العرقية المختلفة … وكل جماعة سمت مليشيتها : ( مجاهدين ) ودفعتهم للقتال .
بعض هذه الجماعات كانت أكثر أصولية من غيرها ، فمثلا حزب الإسلام الذي كان يقوده قلب الدين حكمتيار , وهو بشتوني ، أكثر أصولية من حزب جماعة الإسلام الذي قاده إثنان من الطاجيك هما برهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود .
الحرب الباردة بين الغرب والإتحاد السوفيتي دفعت أمراء الحرب الأفغان لليقين أنهم إذا قاتلوا ضد الشيوعية فان ذلك سيفتح عليهم خزائن الغرب لذلك لم يدخروا وسعا لعمل كل شيء وأي شيء .
الرئيس الأفغاني داؤود خان ، وخلال خمس سنوات من حكمه قام ببعض الخطوات الإصلاحية البطيئة ساعيا الى تحديث البلد دون إثارة حفيظة أحد .. فثار عليه البلد كله .
ثار عليه الشيوعيون بسبب بطئه , وثار عليه أصحاب المصالح باعتبار أن التحديث يتعارض مع تعاليم الاسلام , عندها وقع انقلاب عام 1978 أطيح بداؤود خان من قبل أحد الأحزاب الشيوعية الأفغانية هو
حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني ، الذي باشر خطوات واسعة للاصلاح وبدعم من الحكومة السوفيتية .
وخلال عام واحد صارت المعارضة التي ( تتلبس إسم الدين ) ضد هذه الحكومة الجديدة قوية جدا .
من ناحية ثانية ظهرت الخلافات حتى بين الشيوعيين أنفسهم . ( حزب خلق ) مثلا التي يقوده نور محمد تراقي وحفظ الله أمين كان شيوعيا متطرفا , في حين أن ( حزب البارشام ) الذي يقوده بابراك كارمال كان أكثر اعتدالا .
حين وصلت حدة المعارضة مداها .. نصح حزب البارشام الحكومة بتخفيض سرعة العمل بالإصلاح , لكن حزب خلق الذي كان على سدة الحكم , عارض تخفيض السرعة , عوضا عنه سعى الى زيادة سرعته في تعديل حقوق ملكية الارض ومساواة الجنسين فزاد غضب وعدد المعارضين .
في أواخر 1978 قامت جماعة من المجاهدين بالتمرد في إقليم نورستان وبعد سنة تمكنت مجموعة منهم تحت قيادة إسماعيل خان من السيطرة على( إقليم حيرات ) ثالث أكبر أقاليم البلد …. عدة آلاف من البشر قتلوا قبل أن تتمكن الحكومة من إعادة السيطرة على الإقليم .
وبإنتهاء هذه المأساة قام حفظ الله أمين وهو في الحكم باعتقال وقتل كل من جرؤ على معارضته , بضمن ذلك عدد كبير من الشيوعيين … ولم يسلم منه حتى رفيقه نور محمد تراقي ، الذي بعد قتله إنفرد حفظ الله أمين بالسلطة وعامل الأفغان بوحشية وكان ذلك إيذانا ببداية الحرب الأهلية .
حدة الوضع في أفغانستان وضعت السوفييت في ظرف لايحسدون عليه .. رغبوا مد يد العون الى الأفغان الشيوعيين .. لكنهم في نفس الوقت رغبوا لو أن الحرب الأهلية أسقطت حفظ الله أمين .. وفي نفس الوقت كانوا مدركين أن سقوط حكومة شيوعية حتى لو كانت حكومة أمين .. هي خسارة لهم ، لذلك وفي 12 ديسمبر عام 1979 وفي لقاء للقادة السوفييت تقرر أن التدخل العسكري السوفيتي في أفغانستان شيء ضروري لحفظ الحكومة الشيوعية الأفغانية من نزاعات قادتها .. ولحفظها أيضا من أعدائها الآخرين .
كانت الخطة أن تحتل القوات السوفيتية الطرق الرئيسية الأفغانية لتمنع المجاهدين من الحركة داخل البلد وتساعد الحكومة على فرض الإصلاحات بالقوة وإعطائها الوقت الكافي لزرع العقيدة الشيوعية بين الناس .
في نفس ذلك الشهر تحركت الدبابات الروسية على طول الحدود بين البلدين . وتم قتل حفظ الله امين وتنصيب بابراك كارمال محله .
وتمكنت القوات السوفيتية من السيطرة على النقاط الرئيسة في جميع أنحاء أفغانستان .
نجاح الإنزال السوفيتي , دعا القادة السوفييت الى الإستهانة بالمقاومة التي سيلقاها ذلك الإنزال من داخل أفغانستان وخارجها .
الولايات المتحدة وحلفاؤها أدانوا الإنزال , لكن محادثات نزع الأسلحة النووية بين القوتين العظميين إستمرت رغم ذلك ، غير أن الولايات المتحدة قاطعت دورة 1980 للألعاب الأولمبية التي عقدت في العاصمة السوفيتية موسكو .
قامت لجنة أمريكية خاصة رأسها الرئيس جيمي كارتر بتقديم مساعدات خيالية للمجاهدين .
اما خلال العشر سنوات التالية فقد إستلم المجاهدون 4 مليار دولار من الإدارة الأمريكية , ليس لآن الحكومة الامريكية داعمة للإسلام ، ولكن لأنها تستخدمهم ضد السوفييت …
كان الأمريكان يريدون تركيع السوفييت الى الأرض في حرب خاسرة النتائج , مكلفة للخزينة السوفيتية الى حد الدمار .
الولايات المتحدة وحلفاؤها منحوا أغلب دعمهم للأحزاب الإسلامية الأكثر تشددا أصوليا لأنهم عرفوا أن هذه الاحزاب هي التي ستسبب أشمل الدمار لعدوهم السوفيتي .
كما عقد الأمريكان معاهدة سرية مع باكستان بمنحها دعما ماديا ومعنويا خياليا اذا هي قامت بدور الوسيط في نقل المساعدات الأمريكية الى الحلفاء الأفغان .
الدول الإسلامية والعربية كالمملكة العربية السعودية ومصر وايران أرادت التخلص من مواطنيها الاسلاميين فدفعت بهم الى قتال الكفار السوفييت في أفغانستان وعززتهم بالمال ، لذلك أعداد مهولة منهم صارت تصل الى أفغانستان من جميع العالم الإسلامي والعربي متطلعة للقتال من أجل المال .. تحت تسمية الجهاد ضد الكفار السوفييت .
الأرض الأفغانية شديدة الوعورة , لذلك حين كانت القوات السوفيتية الجوية تسيطر عليها نهارا , كان المجاهدون يعودون لإحتلال نفس المواقع عندما يأتي الليل , وبسبب هذا القتال الضروس تنامت الكراهية بين المقاتلين الروس والأفغان .
عام 1986 تسلم المجاهدون أولى دفعات الصواريخ والاسلحة المضادة للجو , الأمريكية , وبها صاروا يتصدون وبقسوة للطلعات الجوية السوفيتية … عندها صار جليا أن السوفييت لا يملكون إلا أملا ضعيفا بالنصر .
في منتصف الثمانينات خسرت أفغانستان 50 ألفا من رجالها على الأقل فيما خسر الروس ما لا يقل عن 20 ألف ، أما عدد المدنيين الذين أصيبوا أو قتلوا بالمدفعية والقنابل والصواريخ والقذائف فانه لا يعد ويزيد كثيرا على مئات الآلاف .
كل شيء في البلاد كان قد تدمر وأكثر نواحي وقصبات أفغانستان كان قد تحول الى دويلات صغيرة مستقلة يحكمها أمراء الحرب بإسم الإسلام ، وفيها أقاموا حكوماتهم , وحكموا بين الناس , وجبوا الضرائب , وحاولوا حماية دويلاتهم من العدوان الخارجي .
الوضع في المدن الكبرى كان مختلفا .. برنامج الحكومة الإصلاحي ظل يملك فاعليته ومناصريه وصار الكثيرمن سكان هذه المدن يخشون الأصوليين الإسلاميين أكثر من خشيتهم من تعميم الشيوعية .
أما الشرطة السرية الأفغانية فقد كانت تعمل بالضبط مثل ( الكي جي بي ) الروسية ومشهورة بالكفاءة العالية والهمجية .
أكثر الدول تأثرا بالأوضاع في أفغانستان هما باكستان وايران وهما بلدان إسلاميان منحا اللجوء لكل أفغاني غادر بسبب الحرب .
في نهاية الثمانينات كان هناك ما يزيد على ستة ملايين لاجيء يعيشون في مخيمات البلدين ويشكلون عبئا اقتصاديا عليها ، هذا العبء الذي منح الحق لكلا البلدين للتدخل في شؤون أفغانستان الداخلية .
ايران كبلد مسلم شيعي أكدت على دعم الأفغان الشيعة من الهزارا .. وأسست منهم ما يعرف بإسم ( جيش الوحدات ) الذي كان يقاتل داخل أفغانستان . بينما باكستان التي فر إليها غالبية البشتون منحت دعمها لقلب الدين حكمتيار زعيم الجماعات البشتونية ، وفيما بعد كانت باكستان هي الحاضنة الأولى التي وبدعم أمريكي تأسست فيها حركة طالبان التي قادها الملا أحمد عمر .
في بداية الثمانينات لم تكن الحكومة السوفيتية تسمح لمواطنيها بالإحتجاج على شيء , لكن ذلك تغير عندما وصل ميخائيل غورباتشوف الى الحكم , وقد كان جزء من خطة عمله هو الاصلاح ( برستوريكا ) كما انه شجع الانفتاح ( جلاسنوست ) ، وهذا ما سمح للمواطنين السوفييت التعبير عن إعتراضهم على الحرب التي كان غورباتشوف نفسه غير مقتنع بها . لذلك حاول تغيير الأوضاع .
قام بتغيير الرئيس الأفغاني بابراك كارمال , ووضع بدله الرئيس نجيب الله , وأمره بتطبيق سياسات أكثر اعتدالا ، وأعطى الجنرالات السوفييت مدة عامين للسيطرة الكاملة على الأوضاع في أفغانستان ، ولكن بحلول عام 1987 صار واضحا تماما أن نجيب الله والجنرالات السوفييت قد فشلوا تماما في تحقيق ما أمرهم به .
ولذلك ففي شباط عام 1988 أعلن غورباتشوف أن القوات السوفيتية ستنسحب من أفغانستان … وبعد عام واحد كانت قد أكملت إنسحابها .
رغم الإنسحاب لم يتوقف الدعم المادي والمعنوي والعسكري السوفييتي الى حكومة نجيب الله .
في نفس الوقت الذي أمدت فيه الولايات المتحدة الأمريكية المجاهدين بدعم لا محدود ، تضاعف أكثر في عهد الرئيس بوش الأب ، لذلك استمر قتال المجاهدين لحكومة نجيب الله .
أعداد كبيرة من المجاهدين توجهت بعد الإنسحاب السوفيتي الى مدينة جلال آباد للسيطرة عليها , لكن العلاقات والإتصالات بين هذه الجماعات , كانت ضعيفة , اضافة الى أن بعض هذه الجماعات , لم تتم إستشارتها بشأن عملية السيطرة على جلال اباد اصلا .. لذلك حين فشلت العملية لام الجميع بعضهم البعض .
حين إنحل الإتحاد السوفيتي في نهاية عام 1991 , توقف الدعم الذي كان يقدم الى نجيب الله , فسقطت حكومته في نيسان عام 1992 وسيطرت حكومة المجاهدين .
بسبب الخلافات العرقية للمجاهدين تجدد القتال بينهم مرة أخرى ، وخلال الأربع سنوات التالية حاولت الاطراف أدناه السيطرة على كابول :
# حزب الإسلام الذي يتكون من البشتون ويتزعمه قلب الدين حكمتيار
# حزب جماعة الإسلام الذي يتكون من الطاجيك ويتزعمه برهان الدين رباني واحمد شاه مسعود
# المليشيا الاوزبكية التي يقودها عبد الرشيد دوستم
# ميليشيا الوحدات التي أسستها ايران من الأفغان الشيعة اللاجئين الى أراضيها بقيادة عبد العلي مزاري
وفي منتصف التسعينات كانت أفغانستان قد حولتها الحروب المتواصلة الى أطلال ونموذج حي لمعنى وصف دولة ساقطة . إذ لم تكن هناك إشارة واحدة تدل على أن الحكومة تتابع القانون أو أمور المواطنين .
العاصمة كابول تقسمت بين العديد من أمراء الحرب الذين تحكمهم علاقات عدم الثقة والامتعاض والكراهية القديمة , التي تناسوها وتوحدوا لقتال السوفيت لكنها عادت من جديد بعد زوال المحتل السوفيتي .
البشتون يحكمون أفغانستان بسبب كونهم الأكثرية , لكن الطاجيك والأوزبك والهزارا الذين قاتلوا السوفييت أيضا ، صاروا يطمحون الى تقاسم الحكم مع البشتون …
كل شيء تهدم في أفغانستان عدا شيء واحد , كان قد ازدهر بقوة … وهو زراعة المخدرات .
قلنا إن الولايات المتحدة كانت تقدم الدعم للأفغان عن طريق الباكستان ، لذلك سنجد أن حركة طالبان نشأت أولا في باكستان ، وتكونت من البشتون طلبة المدارس الدينية وهم أفغان يدرسون في الباكستان , وبضمنهم قائدهم الملا أحمد عمر ، إضافة الى عدد قليل من الباكستانيين ، يضاف اليهم أعداد مؤثرة من العرب وجميع هذه الفئات هم من أهل السنة الاصوليين .
قامت باكستان بمد حركة طالبان بالتدريب العالي والغذاء والدعم وكانت الولايات المتحدة تبغي من ذلك جعل الطالبان حكومة مركزية قوية .
إستغرقت الطالبان أربع سنوات لتسيطرعلى أجزاء كبيرة من أفغانستان : قندهار 1994 ، حيرات 1995 ، كابول 1996 . عندما سقطت كابول بيد الطالبان البشتونية , قامت الاحزاب المهزومة من الطاجيك والأوزبك والهزارا بتشكيل حلف أسموه : الإتحاد الوطني الإسلامي لجبهة إنقاذ أفغانستان ، وأصبح هذا الحلف يعرف بإسم التحالف الشمالي .
عندما سيطر الطالبان على الحكم أقروا قوانين صارمة مستمدة من الشريعة وعاقبوا بشدة كل من خالفهم ، أوقفوا البث التلفزيوني ودمروا مرسلاته ، سمحوا بعمل الإذاعة , ولكن فقط لبث الأخبار والأذان للصلاة , وحرموا الموسيقى ، وقد لا تصدق أنهم منعوا الأطفال من اللعب بالطيارات الورقية ، منعوا التصوير ، ودمروا المتحف الوطني في كابول ، ثم عمدوا الى تدمير تماثيل بوذا في مدينة باميان ، أما الأذى الأكبر فقد وقع على النساء .
أسامة بن لادن قضى وقتا خلال الثمانينات في أفغانستان , يعمل على تنظيم وصول المتطوعين العرب والتبرعات للمجاهدين ، وخلال تلك الفترة عمل على تأسيس تنظيم القاعدة , لتدريب المتطوعين العرب الواصلين على القتال . وفي عام 1990 أي بعد مغادرة السوفييت أفغانستان , إنتهى عمله , فعاد الى السعودية وعومل فيها معاملة الأبطال والفاتحين .
عندما إجتاح العراق أرض الكويت 1990 ، مباشرة عرض بن لادن أن يقوم المجاهدون ( الذين صاروا الان بلا عمل ) على تحرير الكويت من العراقيين , في حرب عصابات يعلم الله كم ستطول ،، وحين أهمل طلبه وقدمت الأساطيل الأمريكية الى الخليج ….. رفع هو وأنصاره شعار المجندات الأمريكيات اللواتي سيدنسن أرض الحرم .
بسبب أن حكومات مصر والجزائر واليمن والسعودية التي صارت تشتكي من متطوعيها العرب العائدين من أفغانستان وهم عاطلون عن العمل ويملكون خبرات قتالية عالية يمكن أن تقلب وضعية الأمن في بلدانهم , قررت الولايات المتحدة سحبهم من بلدانهم لإشغالهم بمشاكل القرن الأفريقي .
عندها ذهب بن لادن الى السودان لتنظيم عملية سحب هؤلاء المجاهدين وبقي فيها أربع سنوات .
المسرحية الأمريكيه بتفجير السفارتين في نيروبي ودار السلام 1998 عملية ضرورية ولابد منها , لوضع الضغط على الحكومات الأفريقية وزعماء القبائل الأفريقية , بعدم إيواء المجاهدين أو حمايتهم , لأنهم منذ ذلك الإنفجار أعلنوا أعداء لأمريكا من أجل التأسيس للحرب على الإرهاب .
بن لادن كان قد غادر السودان منذ 1996 وعاد الى أفغانستان ، وأطلق على الملا أحمد عمر لقب ( أمير المؤمنين ) ووعد حكومة طالبان بالمساعدة المالية والعسكرية – بالمقابل قاموا بمنحة الحماية والملجأ على أرض أفغانستان .
إتهمت الولايات المتحدة على لسان رئيسها بيل كلنتون تنظيم القاعدة , أنه المسؤول عن تفجير السفارتين ولهذا أمر كلنتون بشن هجوم بصواريخ كروز ضد معسكر تدريب القاعدة في أفغانستان ، وحين رفض الأفغان تسليم بن لادن فرض الأمريكان حصارا إقتصاديا عليهم .
في العام التالي جددت منظمة الأمم المتحدة التأكيد على المزاعم الأمريكية وأضافت فقرات حصار جديدة على أفغانستان .
وبسبب إيواء حكومة طالبان بن لادن , تغيرت علاقتها مع الولايات المتحدة , من التعاون الى النبذ والكراهية … أو هكذا يبدو , الى أن يتم إلقاء القبض على الملا أحمد عمر , وذلك حسب ظني إحتمال بعيد لأن أمريكا لا تريد ذلك .
اذا أخذنا بالرواية الفرنسية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر فيمكن القول إن مخطط تفجير برجي مركز التجارة العالمي قد تم بتدبير أمريكي , وأيادي مجاهدين عرب , كي يعطي الولايات المتحدة مبررا صارخا لشن هجومها على العالم بحجة الحرب على الإرهاب وهي حرب سيترتب عليها إعادة تقسيم العالم حسب رؤية النظام العالمي الجديد .
جمهوريات الإتحاد السوفيتي السابق الشرقية اصبحت اليوم من دول الكومنولث وهي : روسيا ، روسيا البيضاء ، أوكرانيا ، مولدافيا ، أرمينيا ، أذربيجان ، جورجيا ، كازاخستان ، أوزبكستان ، تركمانستان ، طاجيكستان ، قيرغيزستان . بمعنى أن سياستها الداخلية والخارجية صارت محكومة بسعر الباون الإسترليني , غير أنه من المتوقع خلال العشر سنوات المقبلة حل الصين الى ما لا يقل عن خمسة وعشرين دولة ترتبط سياساتها الداخلية والخارجية مباشرة بالولايات المتحدة , والصين معتمدة في إقتصادها ومكننتها على الولايات المتحدة الأمريكية منذ أيام ماو تسي تونغ , وبذلك تصبح آسيا برمتها حكرا على النفوذين الأمريكي والبريطاني .
بعد وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر أدان مجلس الأمن الدولي المهاجمين وأولئك المسؤولين عن دعمهم .
وبعد أربعة أيام قام الرئيس بوش الإبن بإعلان إتهام بن لادن , وطالب حكومة طالبان بتسليمه , وفي حالة عدم القيام بذلك فان الولايات المتحدة ستهاجم أفغانستان عسكريا .
قال الافغان : إنه حتى في حالة ثبوت إدانة بن لادن إلا أنه لايوجد أفغاني واحد قد شارك في عمليات التفجير أو يرتبط بشكل مباشر بتلك الاحداث فكيف يهاجمونها عسكريا ؟
أمرت الولايات المتحدة باكستان بوقف أي شكل من أشكال دعمها للأفغان .
وفي 7 اكتوبر2001 شنت الولايات المتحدة وبريطانيا هجوما على أفغانستان بصواريخ كروز , كما إستخدمت القوة الجوية لقصف أهدافها داخل أفغانستان .
أما الحرب البرية فلم يشارك فيها ولا جندي أمريكي واحد بل قام بها أفراد التحالف الشمالي من قوات الطاجيك والأوزبك والهزارا والذين تأسس حلفهم عند سيطرة الطالبان على كابول 1996 كما ذكرنا سابقا … الان أصبحوا حلفاء الأمريكان ضد مواطنيهم البشتون .
دمرت صواريخ كروز القوة الجوية الأفغانية وبعد ثلاثة اسابيع من القتال لم تعد طالبان قادرة على الوقوف بوجه الذين يقاتلونها من مواطنيها قوات التحالف الشمالي ، سقطت مزاري شريف وبعد أربعة ايام سقطت كابول ، وبعد شهر سقطت قندهار ومعها حكومة طالبان ، وعاد أمراء الحرب الطاجيك والأوزبك والهزارا مجددا الى العاصمة كابول .
لم يتم إلقاء القبض على الملا أحمد عمر ، والكثير من الأفغان الآن يكرهون الولايات المتحدة أكثر من كرههم لطالبان … فعشرات الآلاف منهم قتلوا بالقصف الأمريكي مثل مئات آلاف آخرين قتلوا في الحروب القبلية التي تدعمها امريكا ….. وجميعهم لا يعلمون الى اين سيؤدي كل هذا … ولا الى من سيباعون من جديد .
عندما سقطت حكومة طالبان , ولتشكيل الحكومة التي ستعقبها , دعت الأ مم المتحدة في نوفمبر 2001 قادة من أغلب أحزاب الأفغان الى مؤتمر يعقد في بون بألمانيا ، لانتخاب حكومة مؤقتة .
اعتمد الإنتخاب والترشيح على ( المحاصصة الطائفية ) في التشكيلة الحكومية :
# البشتون حازوا 11 مقعدا
# الطاجيك 8 مقاعد
# الهزارا 5 مقاعد
# الأوزبك 3مقاعد
# متفرقات 3مقاعد
تضم هذه الحكومة ثلاث سيدات ..
لايجوز لنا حسن الظن بهذه المحاصصة الطائفية … ربما من حاصص هذه الطوائف أجمع ، يبغي مخالفتها حكوميا ..على أسس إختلافها الطائفي أو العرقي , لكنه يرغب أن يبدو كمن يعطي لكل ذي حق حقه .
انتخب هؤلاء حامد قرضاي البشتوني من أحد الأحزاب الإسلامية المعتدلة ليكون رئيسا لأفغانستان .
إستلمت الحكومة الجديدة مناصبها في كابول 22 ديسمبر 2001 في وقت بدا فيه كل شيء خارج عن نطاق السيطرة .. السياسة والاقتصاد .. والوضع الإجتماعي .
القوات الأمريكية والبريطانية تبحث عن أي شكل من أشكال المقاومة المتبقية لحكومة طالبان أو قوات القاعدة ، لتدميره … أو إعتقاله في قاعدة غوانتناموا لكنها لم تأسر حليفها الأصغر الملا احمد عمر الذي لم يتيقن أحد لحد اليوم فيما اذا كان شخصية حقيقة .. أم هو شخصية من نسج الخيال .
منظمة الأمم المتحدة ، مأمورة كالعادة ، جهزت قوة عسكرية صغيرة لحفظ الأمن في كابول من قواتها متعددة الجنسية .
العديد تم إلقاء القبض عليهم … وأرسلوا الى سجن غوانتاناموا في كوبا ، ولم تتم معاملتهم على أنهم أسرى حرب .. بل مجرمون خطرون تأسرهم الولايات المتحدة .
هكذا تحولت أفغانستان الى حاضنة للإرهاب من أجل أن تمنح للولايات المتحدة الفرصة الأكبر لغزو العالم بحجة الحرب على الإرهاب .ميسون البياتي – مفكر حر؟
سرد تاريخي شامل وتحليل سياسي رائع…..والمقال كتب باسلوب المختصر المفيد……عاشت ايدج دكتورة
شكراً يا استاذ هيثم