أغبط إسرائيل!

الشرق الاوسط: إكرام عبدي

رغم مشاعر الغضب التي أستشعرها تجاه السياسة الإسرائيلية، وهي تبث سموم الحقد والعنصرية والكراهية ضد العربي، والأضاليل التي يتم تمريرها في مناهجها التعليمية وفي القصص الموجهة للأطفال، وذلك لإعداد الشاب الإسرائيلي الذي من المفروض أنه سيتخذ القرارات السياسية مستقبلا، والمأمول فيه كل العداء للعرب والمسلمين.. رغم ذلك، فإني أغبطها، لكون ميزانيتها المخصصة للتعليم تأتي مباشرة بعد الميزانية المرصودة لوزارة الدفاع. لهذا يقول جاكوب كلاتزمان، أحد رجال التربية والتعليم الإسرائيلي: «التربية هي أيضا من مستلزمات الدفاع الوطني»..

أغبطها لأنها تنفق نحو 9.8 مليار شيقل في البحث العلمي.. أغبطها لوعيها الجنيني بدور التعليم في صنع شخصية إسرائيلية جديدة غير تلك التي تعودت الذل والخنوع في فترات الشتات والضياع، وبناء شخصية جديدة ليهودي جديد يجيد ويحترف الولاء والامتثال للوطن والدولة، وأن كان هذا الولاء يصنع هوية عرقية عنصرية لا تعير أدنى اعتبار للهوية الإنسانية.. أغبطها لكونها لم تفصل بين إعطاء الدروس وتنمية الشخصية الإسرائيلية، بحيث ظلت المدرسة مشتلا متكاملا تنتعش فيه كل الأصص الدراسية والاجتماعية والمعرفية والترفيهية.. أغبطها لأنها رسخت عبر تعليمها كل القيم الدينية والثقافية والتاريخية اليهودية، ومبادئ التضحية والولاء والمواطنة والحرية، وأسس التفكير النقدي واحترام الإنجاز العلمي.

وأتذكر تلك الصرخة التي أطلقها الرئيس الأميركي، جورج بوش، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001 مطالبا بإصلاح التعليم في العالم العربي وتخليصه مما رآه سموم الكراهية، وإزالة المواد السلبية من النصوص الدينية، رغم أن إسرائيل ومناهجها التعليمية تلك التي حولت الطفولة الإسرائيلية من ماء عذب زلال إلى وحل من الكراهية والعنصرية، هي بالضبط التي يجب أن توجه إليها مثل هذه الصرخة الأميركية، لكن للأسف يتم امتداح كل نواقصها ومباركة كل سياساتها.

لا ننكر أن النظام التعليمي العربي تقليدي، وأن نسبة الأمية في العالم العربي تصل إلى 100 مليون نسمة من 335 مليونا، من الساكنة العربية سنة 2009. لذاك، فإن صنع إنسان عربي جديد، أصبح ضرورة ملحة، تستلزم إعادة تشكيل النظام التعليمي العربي، والتفكير جديا في إصلاحات تعليمية بدم عربي متلائمة والظروف العربية الحالية، وتساير التطور العالمي والكوني. سياسات يصنعها ذوو الكفاءات والخبرات العلمية والمعرفية، بعيدا عن هيمنة القرارات السياسية والآيديولوجية والبيروقراطية والمالية التي تملي قراراتها بمنطق السلطة والمال بعيدا عن منطق العقل والنقد، وحيث المتعلم هو الطرف الأساس في العملية التعليمية وليس مجرد متلق سلبي، وهو أكثر تصالحا مع مجتمعه وبيئته، كطاقة للتفكير وليس التخزين فقط، وحيث المعرفة صنو للرقي الإنساني، وصنو للحياة بكل تجاربها.. تعليم يعيد الوشائج بالحياة بكل تجاربها وبالقيم الأخلاقية والفنية والجمالية والإنسانية التي وهنت في إطار نظام رأسمالي استهلاكي ضخّم من «أنا الإنسان الأعلى» إلى درجة مرضية.. إصلاحات تركز على لغة عربية مرنة متطورة، وخطاب ديني متجدد منفتح، يستجيب لمقتضيات العصر، حفاظا على قيمنا وهويتنا وكياننا الحضاري من المحو من الخريطة الجيوسياسية العالمية، وتحصينا لنا من كل محاولات المسخ والاستلاب والتهجين.. وتعيد ربط الشباب العربي بماضيهم بخيط النقد والتحليل والمراجعة لا بخيط الامتثال والولاء السلبي.

فخلق إنسان عربي حر جديد أكثر مواطنة لا يمكن أن يكون بمعزل عن الروابط الاجتماعية المشتركة والمسؤوليات الأخلاقية والهوية الإنسانية التي ترقى وتتعالى على أية هويات عرقية وآيديولوجية قومية، والمرجعية التعليمية الغربية ليست في مجملها صالحة مرجعا أساسيا لنظامنا التعليمي العربي.

فإصلاح التعليم في العالم العربي لا يمكن أن يتم من دون استراتيجية تربوية تساير التطورات العالمية، وتستجيب لمتطلبات سوق الشغل.. ترسخ أسس التفكير النقدي والعلمي، ولا أظن أن تعليمنا بحاجة للتحريض على الكراهية والتعبئة النفسية لمواجهة العدو، على غرار ما يقع في المناهج التعليمية الإسرائيلية، فما يحدث في فلسطين من فجائع تتخمنا ألما وكرها للسياسة الأميركية الظالمة. مناهجنا التعليمية في حاجة إلى غرس قيم التسامح والمحبة والديمقراطية والحوار والمواطنة والحرية والوحدة والتفكير النقدي وحرية التعبير وإبداء الرأي، بدل أساليب الخنوع والطاعة العمياء.

التعليم الجيد سيمنح شبابنا القدرة على التفكير بأسلوب جديد يختلف عن ذاك الذي أجبرتنا الأنظمة المتسلطة على تعلمه. ولا بد من ترسيخ قيم جديدة تربط السياسة بالأخلاق وتنسج للشباب صورة مغايرة عن السياسي والحاكم بدل تلك المتسلطة المشوهة التي كرستها العصور المظلمة، وإعادة ربط الشباب بتاريخهم وجذورهم وهويتهم، وجعل «النشيد الوطني» يجلجل من جديد في ساحات المدارس العمومية والخاصة.

وفي المغرب، وبعد حركة «20 فبراير (شباط)» التي عجلت بكثير من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبعد المصادقة على الدستور المغربي الجديد في 1 يوليو (تموز) 2011، وإيمانا من المغرب بأن الإصلاح السياسي لا يمكن أن يتم من دون إصلاح تعليمي مواز، فقد تقرر تعديل بنية المجلس الأعلى للتعليم الذي عوض بـ«المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي» وفق الفصل 168، حيث يعرف بأنه «هيئة استشارية، مهمتها إبداء الآراء حول كل السياسات العمومية، والقضايا الوطنية التي تهم التعليم والتكوين والبحث العلمي، وكذا حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وتسييرها».

واستمر تفعيل مقتضيات الدستور بخصوص المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، بين مد وجزر، ليتم أخيرا إدراج القانون المنظم للمجلس الأعلى المذكور في المخطط التشريعي للحكومة المغربية برسم سنة 2013. والمؤمل أن تخضع التمثيلية في هذا المجلس لمنطق الكفاءة والخبرة العلمية والعملية، بعيدا عن الاعتبارات السياسية والمصالح الفئوية الظرفية.

بإصلاحنا التعليم في عالمنا العربي، لا خوف على مستقبل شبابنا، ولا على الشخصية العربية؛ فبالتأكيد ستكون شخصية سوية متصالحة مع ذاتها، قادرة على اتخاذ القرارات الفردية، وكذا العامة والكبرى، بما يلزم من الثقة والحزم والجرأة والمسؤولية والروح النقدية، وستمتلك بالتالي القدرة على التمييز والتعامل مع ما ينهال عليها من معرفة غزيرة وثقافة وقيم وافدة.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.