أعداء الله

jihadalawnaكنتُ مثلي مثل أي طفل مسلم يتلقى في المدرسة علوم التربية الإسلامية, وتربينا منذ نشأتنا على أساس واحد وهو أن لله أعداء حقيقيين مثل أبي جهل وهذا لقب لقبه إياه محمد وكان لقبه (أبو الحكم) ومن أعداء الله أيضا (خلف بن أمية) و(أبو لهب) عم الرسول, وكل من كان مختلفا فكريا في الرؤيا ووجهات النظر مع محمد كان أستاذ التربية الإسلامية يقول لنا عنهم بأنهم أعداء الله, وكان يقول (أعداء الله عليهم لعنة الله) وكنا نردد خلفه عليهم لعنة الله.

ولكن حين تركتُ المدرسة وقرأت كافة الديانات والفلسفات والأساطير بدأت بهذا السؤال غير المشروع: ( هل حقيقة أن لله أعداء؟) طبعا أقصد أعداء طبيعيين مثل أن القط عدوه الفأر والأسد عدوه الضبع, وكل مخلوق من مخلوقات الله نعرف أن له أعداء طبيعيين من غير جنسه, وبدأت أشكك في هذه المسألة وهي: من هم أعداء الله؟

وحين شرعتُ في كتابة المواد الفلسفية التاريخية عن الأساطير وحين بدأت أول بحث لي عن كتاب (عبقرية محمد) للكاتب: عباس محمود العقاد, نعتني شيخ الحارة بهذه الجملة وأشار إليّ بأصبعه وهو يقول: ( أنت عدو الله), وهذه أول مرة أكتشف فيها أنني عدو طبيعي لله, ولكن لماذا الله يعاديني؟ هل أنا مجرم؟ هل قتلتُ ابن الله؟ هل سرقتُ شيئا من السماء؟ هل وسوستُ لآدم؟ هل آذيتُ أحدا من البشر؟ جثوتُ على ركبتي وبدأت الدموع تتساقط من عيني وشعرتُ فعلا أنني ارتكبتُ حوبا كبيرا, ذنبا كبيرا.

وحين أصدرتُ أول كتاب لي سنة 2006 بعنوان: (أثر الثقافة الشرقية على المرأة والرجل) أصدرت بعدها جامعة محمد بن سعود كتابا آخر وهو عبارة عن أطروحة دكتوراه بعنوان( ال200 كافر) ضحكتُ كثيرا وقلت هذا مثل كتاب الصحفي الرائع مصطفى أمين (ال200 فكرة) والذي زاد حنقي أكثر أنهم وضعوا اسمي على لوحة غلاف الكتاب, على اعتبار أنهم أشاروا إلى أهم وأخطر وأبرز 10 كفار في الوطن العربي, وكان ترتيبي رقم (6) أي أنني سادس أخطر كاتب وسادس أخطر كافر, إضافة إلى الرسائل الهائلة التي جاءتني على إيميلي (الياهو) والتي كلها تقول لي ( يا عدو الله).
أصبحتُ في ليلة وضحاها عدوا لله, وحين لم أكن أبلغ بعد سن ال(24) سنة حين كتبتُ عن عبقرية محمد) نعتني شيخ الجامع بالكافر وبعدو الله, تخيلوا شاب يافع مقبل على الحياة بكل نشاط وفيه من حيوية الشباب ما يدفعه للقراءة كل يوم ما يقرب من 10-16- ساعة يوميا وبدل أن يقال عني مفكر وكاتب أو أديب أو ناقد ينعتونني بكلمة (عدو), وبدل أن تشكرني جامعة محمد بن سعود على مجهودي الفكري الذي جعلني أضع جهد 5 خمس سنوات من القراءة من أجل تأليف كتاب واحد وضعتُ فيه كل ما قرأت من كتب يضعونني على لوحة الغلاف كأخطر سادس كاتب كافر على الإسلام.
ولستُ أدري ما هي مخرجات البحث العلمي عند هؤلاء الأساتذة حتى يقولوا أو يستنتجوا بأنني كافر وعدو لله!!! وهذا مرة أخرى معناه أنهم هم أصدقاء الله وأصحابه وأعوانه وأنا عدوه أو أنت, أي أن لله أصدقاء وأعداء وهذا الكلام لا يمكن أن يكون علميا بالمطلق.
هل الله أوحى لهم بأنني عدوه ويجب محاربتي وقطع رزقي؟
ثانيا: كيف يقولون بأن الله يحارب البشر ويقاتل مع جماعة ضد جماعة أخرى؟ هل لله جنود من العسل كما يقال أو جنود من النحاس والحديد؟
يجب تجديد صيغة الخِطاب الديني…يجب إعادة تحرير آيات القرآن بيد محرر؟ يجب إعادة توجيه الخطاب الديني إلى زرع روح المحبة وبث الوعي بين الناس ونشر ثقافة حقوق الإنسان, وإعادة تأهيل شيوخ المساجد من خلال إعطائهم مادة فكرية عن (معايير الأخلاق) وتدريسهم (نظرية الأخلاق) من جديد يجب غربلة هذا النوع من التفكير, فكروا معي ولو قليلا: هل من المعقول أن لله أعداء؟ ولماذا يعادي الله البشر؟ وعلى أي أساس قرر هؤلاء الناس أن لله أعداء طبيعيين وأعداء صناعيين غير طبيعيين؟ من يقرر من هو المؤمن ومن هو الكافر؟ من يحدد أن هذا في الجنة وهذا في النار؟ من يعطي لنفسه صفة إدانة الناس والكُتاب والمفكرين وتبشير هذا بالجنة وذاك في النار.

إن نضالنا وكفاحنا من أجل بث روح التنوير بين الناس أدفع ثمنه أنا اليوم من فتاوى الشيوخ الذين لم يقرئوا كتابا واحدا في علم الاجتماع أو الفلسفة أو تفسير التاريخ وقراءة مناهج وأساليب التدريس والتعليم التي تعتمد على أسس من القياس والاستقراء والبحث والاستنتاج والتفكير وهذا كله بحاجة إلى مد الكتاب بلقمة الحرية وبإعطائهم مساحة كبيرة من الحرية.
أنا من وجهة نظري أولا:
لا يوجد لله أعداء.
ثانيا:
لا يوجد عند الله هذا مؤمن وهذا كافر.
ثالثا:
الله لا يميز بين الناس لأنه أعطى لكل إنسان عقله ومزاجه وخلق الناس على أُسس من التنوع والانفراد ولم يخلق الناس على منهج واحد ولا على طبيعة واحدة, وكل إنسان له تجربته في هذه الحياة يضاف إليها خبرته ومنظومات المعرفة لديه هي التي تصبغ طبيعة تفكيره وتحدد له أخلاقياته على اعتبار أنه لا يوجد إنسان خلوق وإنسان غير خلوق ولا يوجد عيب ولا حرام, لأن الذي أنا أراه عيبا أنت تراه شيئا عاديا, والذي تراه أنت عيبا أنا أراه شيئا عاديا حسب البيئة التي نشأتَ أنت فيها وأنا فيها, وبالتالي مسألة أن نقول (عدو الله) هذا كله باطل وغير صحيح, ومنذ متى كان الله عدوا لأحد!!.
يا إخوتنا : اتقوا الله وخافوا من يوم شتوه

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.