أمير طاهري
على مدى الأسبوع الماضي أو نحوه كانت وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية الإيرانية تضج بالأقاصيص المنسوجة حول مباراة كرة القدم في طهران بين إيران وسوريا والأضواء التي قد تسلطها على العلاقات المتشابكة والمعقدة بين البلدين.
ووفقاً لأغلب الآراء فإن هناك مجموعة من السوريين نقلتهم إحدى الطائرات الخاصة لتشجيع منتخب بلادهم في محاولته الحصول على مكان في تصفيات كأس العالم التي ستقام في موسكو، وقد أثاروا مظاهرة مناهضة للنظام الإيراني في الاستاد. وكانت المجموعة السورية مكونة من سيدات شابات رفضن ارتداء حجاب الرأس على الطريقة الإيرانية. وعكس وجودهن في الاستاد الإيراني حقيقة مفادها أنه لا يسمح لأي امرأة إيرانية بحضور مباريات كرة القدم في البلاد إثر فتوى بهذا الخصوص صادرة عن المرشد الإيراني.
وعلى أي حال، استغلت مجموعة المشجعين السوريين الفرصة لإطلاق نفحة من السخط المكبوت ضد إيران والإيرانيين. وإن اعتبرنا مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت دليلاً على شيء، فإن المشجعين السوريين قد استخدموا كلمات وعبارات لا تصلح للنشر في وسائل الإعلام المكتوبة. وهذا بدوره قد أثار سيلاً من الانتقادات المسيئة للغاية من جانب الإيرانيين عبر شبكات التواصل الاجتماعي لديهم.
كما أن تلك الحادثة قد أثارت حالة من الجدل حول الدور الإيراني في المأساة السورية.
وكان السؤال الذي طرح مراراً في الآونة الأخيرة: «ما الذي نفعله هناك»؟ وجاءت الإجابة الأولى من جانب السلطات الخمينية بأن إيران تقاتل في سوريا للحيلولة دون سقوط نظام حكم بشار الأسد الذي كان والده حليفاً وثيقاً لإيران خلال حربها السابقة مع صدام حسين في ثمانينات القرن الماضي، وصار الآن عضواً في جبهة المقاومة التي تديرها إيران.
وهذه الإجابة، برغم كل شيء، قد فشلت في إقناع الكثير من الناس، حتى داخل القاعدة الموالية للنظام نفسه.
ثم جاء ذكر سبب آخر، ألا وهو: أن إيران تقاتل في سوريا لمنع تدمير الأضرحة والمقامات الشيعية. وأذاعت وسائل الإعلام الرسمية قائمة بهذه الأضرحة والمقامات، وبعض منها مزود بالصور.
ولكن هذا السبب أيضاً قدح في جديته الكثير من مثيري المشاكل الذين يبحثون عن الثغرات في مزاعم النظام الإيراني الواهية، فلقد تبين أن 90 في المائة من الأضرحة والمقامات الشيعية في سوريا هي في الأساس مقابر الأنبياء اليهود القدامى أو علماء المذهب السني الراحلين.
وكان المبرر الأخير والراهن الذي أعلنه النظام الإيراني إزاء دوره في الأزمة السورية، بشأن مساعدة بشار الأسد في قتل المزيد من أبناء شعبه، يدور حول احتياجات الجمهورية الإسلامية إلى تأمين الوصول البري إلى الحدود اللبنانية، حيث يتسق الأمر تماماً مع الأجندة السياسية الإيرانية بفضل وجود «حزب الله» الشيعي الكبير هناك.
والجزء السوري الخاص بهذا الممر المنشود، والذي يجب أن يمر أيضاً عبر مساحات كبيرة من الأراضي العراقية، يجاور السهول الخصبة إلى الجنوب من دمشق. ومن هنا جاءت فكرة إبرام الصفقة مع تركيا بمباركة روسية واجبة. وبموجب هذه الصفقة، سوف تنشر إيران قواتها في منطقة نزع التصعيد في جنوب دمشق في حين تسيطر تركيا على قطاع من الأراضي السورية في محافظة إدلب. ومن المفترض أن تنشد تلك الصفقة واجهتها الرسمية خلال محادثات العاصمة الكازاخية آستانة تحت رعاية الأمم المتحدة.
وإذا دخلت تلك الصفقة حيز التنفيذ، فإن مشروع وقف التصعيد الروسي سوف يجمد تقسيم سوريا إلى خمس مناطق كبرى، مع سيطرة كل من روسيا وتركيا وإيران على ثلاث مناطق منها، وتشهد المنطقتان الباقيتان وجوداً من الولايات المتحدة وحلفائها من الأكراد والعرب هناك. ومن شأن المخطط الروسي أن يُوقف، أو يُجمد لفترة من الزمن على أدنى تقدير، القتال الدائر هناك ولكنه يجازف بالظروف التي تؤدي في خاتمة المطاف إلى دمار سوريا كدولة موحدة وقوية.
ومع ذلك، فإن النظرة القريبة إلى الحقائق السورية تعكس أن المخطط الروسي – الإيراني – التركي محكوم عليه بالفشل المحقق. ومن واقع معرفتي بسوريا، وهي الدولة التي راقبتها وداومت على زيارتها منذ سبعينات القرن الماضي، على الرغم من سبع سنوات من المأساة المريعة هناك، فإن مشاعر الانتماء الوطني لا تزال قوية ومؤثرة وبدرجة كافية لإحباط الشهوات الإمبراطورية المفترضة.
وفي هذا السياق، فإن فرص النجاح الإيراني هناك أقل بكثير من مثيلتها لدى تركيا وروسيا.
ففي إدلب، تتمتع تركيا بميزة التواصل الجغرافي المباشر مع سوريا، وهي الحقيقة التي تسهل مرور الخدمات اللوجيستية.
كذلك، تملك تركيا علاقات وثيقة مع بعض العناصر في كردستان العراق، وبإمكانها استغلال هذه العلاقات للتأثير على جزء من الأكراد السوريين لقبول منطقة نزع التصعيد باعتباره أقل الخيارات المطروحة سوءاً. ويشكل وجود مجموعات صغيرة من الأقليات التركمانية والشراكسة الأتراك في تلك المنطقة من المميزات الأخرى التي تتمتع بها أنقرة هناك.
كما أن روسيا أيضاً في وضع أفضل من إيران فيما يتعلق بتأمين قطعة من الكعكة السورية لنفسها.
بفضل احتكارها للقوة النيرانية الأكبر في الحرب السورية وسيطرتها على الأجواء السورية بالكامل، يمكن استخدام سلاح الجو الروسي في إسناد أي خطة على الأرض. وأغلب «قطعة الكعكة السورية» المقصودة روسيّاً هناك تقع على سواحل البحر الأبيض المتوسط، ويسهل الدفاع عنها بواسطة القوات البحرية الروسية. وعلاوة على ذلك، فإن غالبية السكان المحليين، الذين تبنوا موقفاً غامضاً ناحية نظام الأسد، قد يفضلون السيطرة الروسية على الهيمنة الإيرانية.
ولا تملك الجمهورية الإسلامية الإيرانية أياً من هذه المميزات.
وسوريا ليست مثل لبنان حيث الشيعة، الذين يشكلون ثلث تعداد السكان، دائماً ما يتطلعون إلى إيران كدولة حامية لهم. وفي أحيان مختلفة، ولا سيما في ذروة نعرات القومية العربية في عهد جمال عبد الناصر، كانت إيران تحت حكم الشاه تعتبر من جانب بعض المسيحيين اللبنانيين كقوة موازنة في المنطقة. والوجود والنفوذ الإيراني في لبنان يعود إلى المراحل المبكرة من الأسرة الصفوية منذ أكثر من خمسة قرون مع الروابط العائلية العميقة والوثيقة، ولا سيما بين رجال الدين وعائلات المال والأعمال التقليدية.
وفي المقابل، كانت سوريا دائماً ما تمثل الصورة السوداء السيئة في الثقافة الدينية الإيرانية باعتبارها مركز الدولة الأموية التي دمرت خلافتهم بواسطة الثورة الإيرانية بقيادة أبو مسلم الخراساني. والملالي في إيران يعتبرون سوريا «بوابة الجحيم».
ومحاولات طهران إضفاء «حكم الشيعة» على الطائفة العلوية السورية وبالتالي فهم يستحقون الحماية الإيرانية مثل الشيعة في لبنان قد فشلت تماماً. فلم يوافق رجل دين شيعي واحد على إلغاء الفتاوى التاريخية التي لا حصر لها والتي تحكم على العلويين بالزنادقة أو حتى بأنهم من الأتباع المتخفيين للديانة الزرادشتية. وهذا يعني أنه، على العكس من لبنان، حيث يتعاطف جزء على الأقل من المجتمع الشيعي مع إيران تحت أي نظام للحكم، فإن إيران اليوم تفتقر إلى أي قاعدة شعبية محلية مؤيدة في الداخل السوري.
اعترف الجنرال الإيراني حسين حمداني، الذي قتل في العمليات العسكرية في سوريا، بالكثير من ذلك في مقابلة شخصية صريحة أجريت معه قبل أسابيع من وفاته. وفي هذه المقابلة، كشف الجنرال حمداني أنه حتى المؤيدون لنظام الأسد داخل الجيش السوري وحزب البعث الحاكم كانوا معارضين وربما كانوا معادين للوجود الإيراني في سوريا. وقال الجنرال الراحل إن «الطريقة التي نفكر بها والأسلوب الذي نعيش به بغيض للغاية بالنسبة لهم».
وفي مقابلة تلفزيونية حديثة، أعرب الرئيس الأسد وبصورة غير مباشرة عن هذه المشاعر، إذ قال إن «أنظارنا موجهة شرقاً صوب روسيا»، ولم يأت على ذكر إيران أبداً.
إن بناء الإمبراطوريات ليس بالمهمة السهلة، ولا سيما عندما تفتقر إلى القوة العسكرية أو الكاريزما الدينية أو التأثير الثقافي المطلوبين لكسب الدعم والتأييد المحلي اللازم.
وإيران على وشك أن تدرك ذلك، ولكن بالأسلوب العسير بكل أسف.
نقلا عن “الشرق الأوسط”
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
الحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حر#مسيحيو_المشرق و(الخيارات المرة )!!!:
Published by:مفكر حرهادي العامري واوهام المدمنين
Published by:علي الكاشالكفاءة
Published by:عصمت شاهين دو سكيأفكار شاردة من هنا وهناك/40
Published by:مفكر حرالعهد الجديد و سفر التكوين والخليقة
Published by:صباح ابراهيمأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية