سركيس نعوم
الأسباب الأخرى التي تجعل وضع نظام الأسد أفضل من وضع أعدائه داخل سوريا يلخصها المتابعون الأميركيون أنفسهم للأوضاع في الشرق الأوسط وطريقة تعاطي إدارة بلادهم مع تطوراتها بالآتي:
1- شعور المملكة العربية السعودية بالإرتباك جرّاء مرض مليكها عبدالله بن عبد العزيز، واحتمال وقوعها في نوع من الضياع في حال غيابه عن هذه الدنيا لا قدّر الله. ولا يعني ذلك أن استمراره مريضاً أو “رحيله” سيخلق فراغاً. فالسلطة قائمة ومستمرة عبر ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز وولي ولي العهد شقيقه الأمير مقرن. لكن احتمال نشوب صراع فعلي حول المرحلة المقبلة ممكن بين نجل الملك الحالي وزير “الحرس الوطني” ورئيسه الأمير متعب ووزير الداخلية الأمير محمد بن نايف ومدير المخابرات الأمير خالد بن بندر بن عبد العزيز. ولا يعني ذلك على الإطلاق عدم وجود طامحين من أُمراء آخرين مثل أبناء الملكين الراحلين فهد وفيصل والأمراء سلطان (الراحل) وسلمان وطلال. وهذا الجمود في أعلى الهرم السعودي يترك فراغاً في قيادة العالم العربي السنّي ودول مجلس التعاون الخليجي، ويؤثر في أوضاع سوريا ولبنان ودول عربية أخرى.
2 – المأزق المتصاعد لتركيا في المحيط الاقليمي وفي علاقتها مع أوروبا وأميركا. ذلك أنها فقدت رافعة “الاخوان المسلمين” في “الربيع العربي”، ولم تستطع إقناع الأميركيين والمجتمع الدولي بإقامة منطقة عازلة في سوريا. فضلاً عن أنها تواجه مشكلة داخلية مهمة مع جماعة فتح الله غولن زعيم حركة “حزمت”، والحليف السابق لـ”حزب العدالة والتنمية” الحاكم بزعامة رجب طيب أردوغان رئيس الجمهورية. ومن شأن ذلك كله فتح الباب أمام خطر ارتداد الأزمتين السورية والعراقية عليها. فـ”حزب الشعب” والقوى العلمانية والعلويون هم الآن في قمة المعارضة لحكم الحزب المذكور. والإتفاق مع زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني التركي عبدالله أوجلان قاب قوسين أو أدنى من الإنجاز أو من الإنفراط. والكلام الذي يتردد عن انضمام 12 ألف تركي إلى “الثوار” في سوريا يهدِّد الأمن الداخلي في تركيا رغم قوة أجهزة مخابراتها. فضلاً عن أنها لا تريد إضافة مليون لاجىء سوري إلى الذين نزحوا إليها منذ بداية الثورة – الحرب في سوريا. طبعاً حاولت كل من روسيا وإيران إستغلال الواقع التركي واللعب على تناقضاته من أجل استمالة أنقرة بإغراءات تجارية ونفطية وإستراتيجية من شأنها تخفيف آثار إنهيار أسعار النفط عليهما. لكن المحاولة لم تنجح لأن مشكلة الرئيس أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو مع موسكو وطهران لا تزال هي ذاتها: “كل شيء قابل للبحث ولكن بعد سقوط بشار الأسد”.
3 – إمكان إفادة نظام الأسد وحلفائه من
مشاعر القلق والإرباك بل الخوف التي أثارها أخيراً في أوروبا “الإرهاب الإسلامي”، ولاسيما بعد التأكد من أن عدد المقاتلين الأوروبيين في صفوف تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” كبير جداً. ذلك أن عودتهم إلى أوروبا في يوم ما ستحوِّلهم قنابل موقوتة جاهزة للإنفجار في كل لحظة. ولا تعرف حتى الآن فرنسا وبريطانيا وإيطاليا بل دول الإتحاد الأوروبي كلها كيف ترد على هذا التحدِّي سواء داخلها أو في دول لها فيها مصالح إستراتيجية، مثل ليبيا ومالي والنيجر والصومال ونيجيريا حيث تنتشر الخلايا الإسلامية البالغة التطرُّف.
4 – تبدو خطة المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا تجميد القتال في حلب مهددة بالفشل جرّاء المذكور أعلاه كله، وجرَّاء التطورات التي ستحصل خلال السنوات المقبلة القليلة مثل وصول إدارة أميركية جديدة إلى السلطة وتدريب قوات المعارضة، وجرَّاء تبادل الشروط المتناقضة بين النظام والمعارضة. فضلاً عن أن نظام الأسد رفض توسيع تجميد المعارك وأكد أن ما يقبله هو فقط تكرار تجربة حمص أي “مصالحة الجوع أو الركوع”، ومحاصرة إحياء المعارضة. كما أنه سأل عن ضمانات المسلحين وعن تطبيق القرارين الدوليين 2170 و2178 القاضيين بمنع تسلل المسلّحين عبر الحدود وبملاحقة “داعش”. ومن ناحية أخرى أصرّ الإتحاد الأوروبي على وجود مراقبين دوليين وعلى إشراك ضباط عرب في الإشراف على منطقة التجميد بعد توسيعها لتشمل ريف حلب. ومن ناحية أخيرة يتجه مؤتمر موسكو في 26 و27 الجاري إلى الفشل المسبق بسبب اشتراط المعارضة إنهاء المرحلة الانتقالية المنصوص عليها في “جنيف 1” برحيل الأسد. وهذا ما ترفضه موسكو… حتى الآن.
هل تعني الأسباب العشرة أن نظام الأسد مرتاح؟