أخيراً.. كتاب الفيلسوف الدمشقي داماسكيوس إلى العربية

izidorتيسير خلف‎

الاصدقاء الأعزاء يسرني أن أعلن لكم عن قرب صدور كتاب الفيلسوف الدمشقي داماسكيوس (ولد عام 458 ميلادي) المعنون باسم حياة ايزيدو (أو التاريخ الفلسفي)، عن دار التكوين في دمشق، وهو من ترجمة الصديق عادل الديري، وقمت بمراجعته ووضع الكثير من الحواشي له.
كتاب الفيلسوف الدمشقي، هو بحق، واحد من أنفس المصادر القديمة، عن الأفكار والعادات والمعتقدات والطقوس التي كانت سائدة في الشرق القديم، بلاد الشام ومصر على وجه الخصوص، خلال القرن الخامس الميلادي، ومن مزايا هذا الكتاب الكبرى، أنه أول من ذكر قصة الفيلسوفة وعالمة الرياضيات هيباتيا الاسكندرانية التي ذهبت ضحية التعصب الديني، سمة ذلك العصر، فقصتها أضحت في عصرنا الحاضر، أيقونة فنية تناولتها الكثير من الأعمال الروائية والسينمائية والفنية الأخرى، ولولا فيلسوفنا الدمشقي لما سمع أحد عنها شيئاً.
وثمة جانب آخر من جوانب هذا الكتاب، غاية في الأهمية، وهو أخبار الرحلة التي قام بها المؤلف مع معلمه إيزيدور في أواخر القرن حين اشتد الاضطهاد في الاسكندرية ضد الفلاسفة، بدأ الرجلان رحلتهما، كما تخبرنا الشذرات المتبقية، من غزة، جنوبي فلسطين، والتي وصلاها إما عن طريق البحر أو البر، ومنها انطلقا براً إلى بصرى الشام، عاصمة الولاية العربية في ذلك الوقت، فحلا ضيفين على فيلسوف يدعى دوروس العربي، ويبدو أن دوروس هذا، استضافهما طويلاً، وطاف بهما أرجاء الولاية العربية، فنجد داماسكيوس يسهب في وصف أحد أنهار الولاية، وهو وادي الهرير الذي ينتهي بشلالات زيزون، ويحدثنا عن المعتقدات الشعبية التي تدور حوله، ثم يخبرنا عن الآلهة المقدسة في هذه الولاية، مثل الإله ذو الشرى كبير آلهة الانباط، وليكورغوس الذي يعادل الإله شيع القوم، وإلهاً آخر يسميه الرجل الإله أو رجل الإله، ذهب الباحثون إلى أنه ملقارت، أو هرقل، أو حتى ديونيسيوس ذاته.
ثم ينتقل بنا الفيلسوف الدمشقي إلى بيروت وإلهها الشافي إيشمون، والذي تتقاطع قصته مع قصة أدونيس وبعل الأوغاريتي، ويشير، ربما، للمرة الأولى إلى أن فينيقيي الساحل كانوا يسمون إلههم الأعلى في ذلك العصر باسم صادق، وهو والد إيشمون، ويسمي أم الآلهة عشترونة، في نحت محبب لاسمها الكنعاني القديم الوارد في الألواح الأوغاريتية عشتروت.
بعد ذلك ينتقل بنا إلى بعلبك ومعابدها، ثم إلى حمص وحجرها المقدس الـ”بيت- إيل” حيث يوضح أبعاد ذلك المعتقد المرتبط بإله الشمس الحمصي، الذي سبق أن كُرس إلهاً أكبر في روما، أثناء حكم الأسرة السفيرية.
كتاب الفيلسوف الدمشقي هذا، شهادة بالغة الصدق عن عصر كانت فيه سوريا ومصر جزءاً من الحضارة الهلنستية، وهو جزء فاعل ومؤثر وصانع لهذه الحضارة، ولو استعرضنا أسماء الفلاسفة والأطباء الدمشقيين الذين ذكرهم المؤلف في طيات كتابه هذا، على سبيل المثال لا الحصر، لأدركنا مقدار المساهمة التي قدمتها هذه المدينة العريقة لتاريخ البشرية

About تيسير خلف

تيسير خلف كاتب وصحفي ومؤرخ سوري
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.