ربما لو كان أحمد لطفي السيد حيا لا ولن يقبل وصفي له بالليبرالي العربي كون مصر دخلت عليها العربية عن طريق الاستعمار الإسلامي لها. وبالتالي مصر فرعونية.
حين نكتب عن النهضة العربية الحديثة أو عن الفكر العربي الحديث فإننا لن نستطيع إلا أن نذكر مصر أولا ولبنان على قدمٍ وساق, فالفكر العربي المعاصر مصدره لبنان ومصر والفكر المسئول عن تخلف العرب مصدره الحجاز العربي أو الخليج العربي برمته, على أننا إذا ذكرنا مصر فإننا لا نستطيع أن نتجاوز المفكر الليبرالي الأول وهو (أحمد لطفي السيد) الذي عاش 91 سنة وهو ينادي بالليبرالية وبالحرية ,وصفه عباس العقاد “بأنه بحق أفلاطون الأدب العربي” كان أحمد لطفي مديرًا لدار الكتب حتى مارس 1925- 1941 قبل أن يعين مديرًا عاما للجامعة المصرية بعد أن أصبحت حكومية, فبعد أن أصبحت حكومية تم ترشيحه لرئاسة الجامعة ، وفي عهده اتسعت الجامعة بعدادها وبعدتها؛ فضمت إليها ولأول مرة في التاريخ العربي كلية الهندسة وكلية الحقوق وكلية التجارة وكلية الزراعة، وكلية الطب البيطري وغيرها من الكليات، كما قبلت الجامعة ولأول مرة في التاريخ العربي سنة 1929 أول مجموعة من الفتيات للالتحاق بها دون ضجة أو دعاية لهذا الأمر في الصحف، وسارت الأوضاع في هدوء حتى تخرجت أول دفعة من الطالبات سنة 1933 وكانت ثلاث طالبات في كلية الآداب وواحدة في كلية الحقوق، وكان ذلك مأثرة له في سبيل النهوض بالمرأة، والمحافظة على حقها في التعليم , وكانت الأربع طالبات في الجامعة هن أول أربع طالبات عربيات يلتحقن بالتعليم الجامعي, وفي الحقيقة لا يوجد لدينا ما يؤكد من أي مستوى عائلي هن ولكن الدراسات تشير إلى أنهن لم يكن ينحدرن من الأُسر المحافظة بل هن من الأسر اللواتي يتمتعن بكثير من الانفلات الاجتماعي وقليلات الانضباط وفق معايير المجتمع المعاصر في ذلك الوقت وهن مثلهن مثل الفتيات اللواتي اتجهن إلى السينما والمسرح والرقص أي أنهن من عائلات لا تنتمي إلى المعايير الأخلاقية السائدة في ذلك العصر بل كُن يعتبرن شاذات أخلاقيا هن والعائلات اللائي ينحدرن منها, وشيئا على شيء ومرحلة بعد مرحلة اتجه إلى التعليم الليبرالي كافة المستويات الأخلاقية وكافة المستويات الاجتماعية ذات المعايير الأخلاقية اليمينية المتخلفة أو لنقل المحافظة جدا, والمهم في الموضوع أن أحمد لطفي السيد شهد تخريج أو 4 طالبات مصريات من الجامعة التي تُدعى اليوم جامعة القاهرة وبعد هذه المرحلة غادر أحمد لطفي السيد الجامعة إلى غير رجعة.
وكان أحمد لطفي السيد حريصًا على كرامة الجامعة ولم يقبل بتدخل الحكومة بالجامعة سواء أكان لك من قريب أو من بعيد وحافظ على استقلاليتها ولهذا السبب دخل في أزمة قوية مرتين مع الحكومة ومع وزارة المعارف, كان أحمد لطفي السيد يتطلع إلى غدٍ مشرق أكثر من أي وقتٍ مضى وحريص على فصل العلم ومخرجات البحث العلمي عن السياسة؛ فلم يزج بها في السياسة، ولم يسمح بما يعوق حركتها أو يؤثر في سياستها؛ فنأى بها عن العمل الحزبي، فحين طُردَ طه حسين من الجامعة سنة (1932م) على أثر خلافات طه حسين مع الأزهر ومع الشارع العام ، قدم لطفي السيد استقالته احتجاجًا على هذا التدخل في شئون العلم والعلماء، ولم يعد إلى الجامعة إلا بعد أن اشترط أن يعدل قانونها بما لا يدع لوزارة المعارف الحق في نقل أستاذ من الجامعة إلا بعد موافقة مجلسها، وانتصر أحمد لطفي السيد على وزارة المعارف لصالح العلم وحركة التنوير التي أشعلها طه حسين في كتابه(في الأدب الجاهلي) ولكن هذا النصر لم يدم طويلا وقدم استقالته مرة ثانية سنة 1937 احتجاجًا على اقتحام الشرطة للحرم الجامعي.
كما اشترك في وزارة إسماعيل صدقي سنة 1946 وحمل حقيبة وزير الخارجية بالإضافة إلى عضو في هيئة المفاوضات بين مصر وبريطانيا التي عُرفت بمفاوضات “صدقي-بيفن”، غير أنها فشلت، وخرج لطفي السيد من الوزارة التي كانت قد شكلت برئاسة صدقي لمواجهة المد الشعبي المطالب بالتحرر والاستقلال، ولم يشترك بعد ذلك في أعمال سياسية أخرى , وكره العمل الحزبي والسياسي إلى أن وافته المنية سنة 1963م , وفي سنة 1952م عرض عليه الضباط الأحرار أثناء الانقلاب على الملك فاروق بأن يكون رئيسا لجمهورية مصر العربية أو إن صح التعبير ليكون أول رئيس أو حاكم لمصر مصري الجنسية منذ زوال حكم كليوبترا , فمنذ ذلك التاريخ لم يحكم مصر أي حاكم من أصول مصرية إلى في عهد الضباط الأحرار بعد ثورة 1952م.
كان بحق أحمد لطفي السيد أول مفكر وأول مواطن مصري يستحق لقب الليبرالي الأفريقي الأول, عاش طوال حياته وهو ينادي بأن تحل اللهجة العامية المصرية محل اللغة العربية الفصحى, ودعا إلى عدم تدريس الدين في المدارس سواء أكان مسيحيا أو إسلاميا, انحدر من أصول ثرية جدا فأبوه أحد أعيان وعمدة بلدته أطلق عليه بجداره لقب أستاذ الجيل وأبو الليبرالية المصرية، ولد في 15 يناير 1872 بقرية برقين، مركز السنبلاوين بمحافظة الدقهلية لأسرة ثرية جدا جدا درس القانون وعمل بالمحاماة ولكنه لم يعشق مهنة المتاعب الكثيرة فاختار مهنة متعبة أكثر وهي مهنة تحرير العقل العربي من الخرافة والبدعة , والجامعة التي استقال منها بسبب تدخل الأمن واختراقهم لحرمها الجامعي كان هو سنة 1907-1908- من أول قادة حملة التبرعات لإنشاء الجامعة ولم يكن يرغب بأن تنفق الحكومة على الجامعة وذلك حتى يضمن عدم تدخل الأجهزة الأمنية بها , ولم يتوقف عند مطالبته بعد تدخل الدولة بالجامعة بل أيضا كان ينادي بعدم تدخل الدولة المصرية بحرية الفكر والاعتقاد وذلك من خلال رفع يد الدولة عن المواطن العادي, كما أنه دعا إلى عدم ربط مصر مع تركيا أو مع عرب الخليج العربي أو عرب الشام ودعا إلى القومية المصرية الفرعونية وذلك لكي تعود مصر إلى هويتها القبطية الأصلية, ترك لنا عدة مؤلفات معظمها قام إسماعيل مظهر بجمعها, وترك إبنة واحدة وهي عفاف أحمد لطفي السيد أستاذة العلوم السياسية في كالفرونيا-بيركلي-, كان بجد يستحق أن يكون رائد الفكر الليبرالي الحر وهو صاحب مقولة: الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.