على حافة البراكين المتفجرة في المنطقة ومع تواتر الحديث عن إعادة رسم الخرائط وعن تقسيم دول وزوال كيانات وتبخّر إثنيات، عقد لقاء سيدة الجبل خلوته الحادية عشرة تحت عنوان “معاً، مسيحيين ومسلمين لحماية لبنان”.
الخلوة بما طرحته من هواجس وعرضته من طموحات تبدو نقطة مضيئة في سياق ظلامي يسيطر على الوضع السياسي المعيب الذي كرسح الدولة اللبنانية وشلّها، على رغم ان الظروف الإقليمية الخطيرة تفرض التماسك والوحدة الوطنية كضرورة مصيرية بين المكونات اللبنانية، تحمي هذا الوطن البائس المتروك في مواجهة النار وتحت طوفان من المهجرين ما يجعله قارباً غارقاً كقوارب الهائمين في اعالي البحار.
المطران يوسف بشارة الذي عرض المفاصل الثوابت في شرعة العمل السياسي في ضوء تعاليم الكنيسة وخصوصية لبنان، ذكّر بأن دور لبنان يتأسس من تجربته المميزة في العيش المشترك الذي هو قدر كل اللبنانيين وخيارهم الحر وقد خبروه مدى قرون، و”لهذا فهو مسؤولية نحملها معاً أمام الله”.
الترجمة السياسية لهذه المسؤولية تأتي عبر بناء “دولة ديموقراطية حديثة تقوم على التوفيق بين المواطنية والتعددية، أي على الجمع بين دائرتين أساسيتين في إنتماء اللبنانيين، دائرة فردية مدنية تتحدد بالمواطنية والتعددية التي ينبغي ان تطبّق على الجميع بالشروط عينها ودائرة جماعية تتحدد بالطائفية التي تعترف بالتعدد”. ولعل هذا ما يفرض التمييز الصريح وحتى حدود الفصل بين الدين والدولة، ودائماً في إطار من الحرية والمساواة والإنسجام بين حق الفرد في تقرير مصيره وحق الجماعة في تحديد خياراتها، مع ضرورة الإنسجام بين استقلال لبنان ونهائية كيانه وانتمائه العربي وانفتاحه على العالم.
ولكن أين يقف اللبنانيون من كل هذا وبلدهم الخارج لتوه من أعوام حروب الآخرين على ارضه يجد من يدفع به الآن الى أتون الحروب المتأججة على اراضي الآخرين من اليمن التعيس الى العراق وسوريا فعرسال. لهذا ليس كثيراً ان ذهب الدكتور فارس سعيد في كلمته الى حد التنبيه الى ان كل اللبنانيين عملياً هم في الخوف إزاء الزلازل الإقليمية.
واذا كان المسيحيون في لبنان في خوف من الجنون الأرهابي التصفوي الذي يشاهدون فصوله في أنحاء المنطقة، فإن السنّة في خوفين أمام الإرهاب خاطف الإسلام وأمام مخاطر الفتنة المذهبية، أيضاً الشيعة في خوف وقد تفجرت الضغائن والأحقاد المذهبية وعدنا الى حقب مؤلمة من التاريخ الدموي!
أحمد الغز طرح سؤالاً موجعاً: “هل من حقي بعد ستة عقود من العيش في لبنان ان أحلم بأن أموت مواطناً لبنانياً”، إنه تعبير صارخ عن حاجة وجودية الى لبنان الوطن، الذي اذا قام على أسس وقيم قدرية العيش المشترك لأبنائه، يكون نموذجاً وايديولوجيا حضارية للمنطقة والعالم.
* نقلا عن “النهار”