لولا أحلام اليقظة لدفنني قومي تحت التراب منذ عشر أعوام على الأقل فأنا لو أستيقظُ يوما كاملاً بدون أحلام فإنني حتماً سأنفجر وسأموت من الحقيقة المُرة التي نعيشها جميعاً ,فأنا مُدمن على الأحلام مثل المُدمن على شرب الخمر ودائماً ما أغني على (ليلاي),ولو أدركتُ زمن (فرويد) وهو يفسر الأحلام في النمسا لقلتُ له بأنني يا (حج فرويد) كمواطن عربي حالة استثنائية فأنا دائماً مفصوم الشخصية أخرج مع أحلامي إلى شخيتي الأخرى لأعيش سعيدا حتى وأنا جالسٌ مع أمي وأولادي وزوجتي دائماً ما اشعر طوال الجلسة بأن أمي تتحدث معي ولكن ذهني وعقلي ليس معها بل هنالك في عالم الأحلام والسعادة الأبدية وتناديني زوجتي ولا أردُ على ندائها وتقوم (لميس) بالجلوس في حضني لألاعبها ولكن لا أستطيع بأن أمد يدي إلى شعر رأسها فيدي لا أسيطر عليها وأنا أحلم لأنني أكون قد وضعتها تحت خدي لأبدأ بالمشاهد المثيرة وقد تحولت الأردن إلى دولة ديمقراطية وصناعية فأعيشُ هنالك مع شخصيتي الأخرى بعيدا في عالم الأحلام ولا أريد بأن أستيقظ على صوت أحد من أهل الدار ليقول لي (صح النوم) وكل أهل الدار يعرفون بأنني دائما شارد الذهن ولكنهم لا يعرفون بأن شرودي هذا هو المخلص الوحيد لي من عذاب الدنيا والحكومات الظالمة والفاسدة وأطير في الهواء وأتبعثر هنا وهناك على صدر حبيبتي ومدينتي ليس لأنني أهتم بأشياء ثانوية وغير ملحوظة ولا لأنني أرجع إلى الطفولة وليس لأن في داخلي عقدة كبت جنسية ولكن لأنني أولا وأخيراً لا أحلم وأنا نائم على سريري في غرفة نومي فهذه الأحلام لا تأتيني لأنني لا أحلم فعلاً إلا وأنا صاحي وعيوني مفتوحة وآذاني مفتوحة وفمي مفتوح للابتسامات العريضة, وأنا لا أحلم وأنا ممدد الجسد على سريري ولكن كل أحلامي الكبيرة والصغيرة حلمت بها وأنا في اليقظة أمشي في شوارع عمان وإربد وقد وقفت عدة مرات على الدوار السابع أنظر في الشقق السكنية ودائما ما أحلم وأنا في العمل لذلك يأخذ الحلم مني كل طاقتي وأحرقُ أثناء الحلم كل سعراتي الحرارية ويقول عني المهندسون بأن عملي منذ سنتين أصبح بطيئا جدا وأنا طبعا أعرف السبب وهو أنني أعمل وعقلي سارح وذهني سارح ومخي شارد تضاحكني غزالتي مثل طفل رضيع, فالنساء في حارتنا يُفسرن سبب ضحك الطفل الصغير بعمر ال شهر والشهرين بأن له غزالة تضاحكه وتناجيه وأنا مثل ذلك الطفل الذي تضحك له غزالته وتلاعبه , وأنا لا أستطيع أن أجلس في بيتي بدون أحلام وبدون مواعيد كلها صادقة مع الحب والحرية فأنا كل يومي وليلي ونهاري أحلام أحلمها وأشاهدها وأنا بدون أن أحلم سأموت قهرا من الحزن ومن التعهّر فالحلم هو المخلص الوحيد لي من الجراثيم التي تتسللُ إلى داخلي وهي المخلص الوحيد لي من مدينة الكراهية وعاصمة اللص والجلاد ومن ارتفاع الأسعار , والحلم هو الشيء الوحيد الذي يجعلني بليدا لا أحزن على أولادي حين يبكون من قِلة الألعاب والهدايا والأماكن السياحية أنا لا أريد من أي أحد أن يحقق لي أحلامي التي أحلم بها ليس لأنها صعبة أو مستحيلة,لا, ولكن لأنني أعرف أنها أجمل كذبة أعيش فيها مع نفسي وبنفس الوقت لا أريد أن أستيقظ من حلمي أو من الكذبة على حلم آخر حقيقي قد تحقق أمامي, ولا أريد أن يذكرني أحد بأنني مواطن أردني مسلوب الإرادة وضعيف الشخصية ولا أريد وأنا أحلم بأنني مواطن فرنسي أو إيطالي لا أريد بأن يقول لي أحد بأنني من وطن الخمسة ملايين مكتئب وبأنني أحلم أو أهذي أو أكذب على نفسي, أنا أريد أن أبقى في حلمي إيطاليا وهكذا أحلم بالحرية وبالديمقراطية وبالحياة الكريمة وبالمساواة بين الجنسين والطرفين والنصفين والهلالين ليشكلا مع بعضهما البعض نصف دائرة تكون هي القمر, وأريدُ أن تدمع عيناي من الفرح وأنا أحلم بأنني حصلت عليه أخيرا كما يحصل أي رجل على شقة مفروشة وأريد أن أبقى في عالم الأحلام والكذب والخيال وأريد أن أبقى أحلم بالحب وبالحرية وبالرومنسية, فاليوم مثلاً جاءتني الأميرة هاربة من قصر الجان وطبعت على خدي قبلة لونها بلون شواطئ الخليج العربي وبيدها حبة تمر وبيدها الأخرى زجاجة خمر وأقسمت أمامي أنها هربت من قصر أو من سجن أبيها لكي تحتضنني وفرحت بهذا الخبر السار الذي أتلقى كل يوم مثله مرة أو مرتين فهي تهرب من سجن الجان ومن قصره كل يوم ثلاث مرات ويلحق بها الحرس وأقوم أنا بفضل سلاحي السري بالتصدي للحرس وقتلهم ووضعهم في عنق الزجاجة , وأسرح بخيالي وتصيبني الدهشة وهي تقول لي بأنها هربت من أجل أن تزيح عن وجهي غمامة الحزن ولا أريد من أي امرأة أن تعطيني الحب الذي أحلم به لأنني سأتوقف في ذلك الوقت عن تمثيل الدور البطولي مع أميرتي الصغيرة وبعد ذلك سأتوقف عن الحلم بالحب الذي يعطيني السعادة فالحلم وحده هو الذي يهبني السعادة ,وأن نفيق من نومنا على الواقع فهذا معناه أننا استيقظنا على مدينة كلها أحزان عندها سنبدأ جميعنا بالطخ وبإطلاق العيارات النارية على بعضنا البعض.
وأكاد فعلاً أنْ أصدق بأن كل الناس مثلي يعيشون حياتهم اليومية وهم يستلذون بأحلامهم ويقهرون الواقع المُر بكبسة إصبع على زِرْ الأحلام فيتبدد الواقع المرير ويتحول إلى حياة كلها سعادة ونشوة فأنا طوال النهار أخرج من جيبي كبسة زر الأحلام وهي تشبه (الريموت كنترول) الخاص بالتلفزيون فأدوس بإصبعي على زر الأحلام لأشاهد أحلامي أمامي تسعدني وتُغير شكلي وشكل حبيبتي ومدينتي ومؤسساتها والواقع الذي أعيش به, وصدقوني بدون أحلام لا يمكن أن أستمر في حياتي ساعة واحدة والإنسان الذي يحاول أن يجردني من أحلامي هو كالإنسان الذي يحاول أن يطردني من شقتي ومن أرضي ومن بيتي فالذي يأخذ مني أحلامي هو كالذي يأخذ مني ملابسي الخارجية والداخلية فيجعلني أمام الناس عاريا , وكذلك أنا لا أستطيع أن أظهر أمام عقلي الباطن عاريا من أحلامي فأنا أعيش حياة الفنان التجريدي طوال النهار في بيتي وفي الشارع وفي أي مكان أذهب إليه حتى وأنا أستحم أحيانا أتوقف عن صب الماء على جسدي لأنظر حولي ثم أبتسم ابتسامة كلها شفافية أردنية.. وحتى وأنا أتسوق أحياناً أو في أغلب الأحيان أتوقف عن قراءة الأسعار لأبتسم ابتسامة لا يلحظها أحد والسبب هو أنني أتوقف عن الواقع وأعود إلى شخصيتي الأخرى التي تسعدني أكثر ولا أحب بأن أعود إلى شخصيتي الطبيعية أنا هكذا في أحلام اليقظة مزدوج الشخصية ومفصوم 100% ولا أريد من أي أحد أن يجعلني أستيقظ من حلمي ومن فصامي على أصوات الواقع المرير أنا طوال النهار أعيش سكراناً ومنتشيا بفضل أحلامي الكبيرة والصغيرة وبالمناسبة ربما أنني الشخص الوحيد الذي لا يحب فعلاً أن يرى أحلامه أمامه وهي تتحقق فإذا تحققت أحلامي فبماذا سأحلم؟ من المؤكد أن الإنسان الذي يحقق لي أحلامي هو إنسان عدوٌ وليس صديقاً فالذي يحقق أحلامي هو كالذي يأخذها مني فالذي يأخذ أحلامي مني سيجعلني عاريا بدون أحلام وكذلك الذي يحقق لي أحلامي من المؤكد أنه سيجعلني بدون أحلام وبالتالي سوف تسيطر على شخصي الكآبة والأحزان وسأفكر وقتها بالانتحار, وربما أنه من أسباب الانتحار عدم وجود أحلام وأوهام تُغذي المخ والقلب معاً, فيقال مثلاً بأن المنتحر ينتحر في أغلب الأحيان حين تتحقق كل أحلامه حيث يملك كل ما يحلم به وبالتالي سيشعر بالحزن الذي يدفعه للانتحار وكنتُ أعتقد ردحا طويلاً من الزمن بأنني وحدي من يعيش طوال الليل والنهار ومعه أحلامه وأوهامه يستلذ طوال الوقت وهو جالس يمصمص بها مثل طفلٍ صغير يجلس على باب البيت وبيده قطعة حلوى باردة يمصمصها بشفتيه ويلعقها بلسانه لكي يستخرج منها طعم السُكّرْ ولكني اكتشفت عن طريق الخبرة والملاحظة والمشاهدة بأن كل الناس مثلي يعيشون على الأحلام أو كما قال الشاعر ( ما أضيق العيشَ لولا فُسحة الأمل) وأنا أكاد أن أشبه فسحة الأمل وهي الحلم نفسه وأنا أيضاً أكاد أن أشبه ذلك الطفل فطوال النهار وأنا أعيش مع أحلامي وأوهامي ولا أريد من أي شخص إنقاذي من أحلامي فأنا أعرف بأنني أحلم ولكن لا أريد من أي خبير بالسعادة وبالحقيقة وبالوهم أن يأتي إلى أذني ليقول لي (أصحا من الحلم) أنا لا أريد أن أصحو من الحلم وبنفس الوقت لا أريد من أحلامي أن تتحقق, فلو تحققت أحلامي فإنني حتما سأصاب باضطرابات عقلية شديدة لأن هاجس الوحدة سيسيطرُ على حياتي اليومية فأنا اعتدت أن أعيش في الخيال مع أحلامي ومع أوهامي ولا أريد بأن تظهر في حياتي امرأة تحبني وتحقق لي حلمي بالحياة الرومنسية لأن الحلم أجمل بكثير من الواقع الذي يستبدُ بنا جميعاً, أنا أحلم منذ صغري بأن أحقق مجدا أدبيا كبيرا دون المشي في الطرق التقليدية الأكاديمية ولا أريد مثلا من رئيس جامعة أن يهبني مثلا شهادة دكتوراه فخرية أو تعييني محاضرا متفرغا في جامعته لأنه بهذا سوف يعمل على قتل الحلم الذي عشت طوال حياتي وأنا أحلم به وأيضا عشت طوال حياتي وأنا أستلذُ بأحلامي وبمصمصتها وبلعقها لكي أتذوق طعم السُكر فيها.