أبتسم انت في العوراق

في رواية لكاتب عراقي مغمور لم يسعفه قلمه في تسلق سلم الشهرة، يبحث بطل روايته عن امرأة تبتسم ويقول في النهاية انه اصيب بخيبة امل فلم يجد طيلة هذه السنوات من البحث امرأة سعيدة تبتسم.

هذه الرواية وزعت كمخطوطة بين نفر من معارف الكاتب ووضع لها تأريخ بدايات القرن الماضي.

وتأتي اليوم منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية العالمية لتضع تقريرا تقول فيه ان العراق خارج الدول “السعيدة” وان الشعب العراقي لايعرف السعادة ، وان دبي تحتل المرتبة الاولى عربيا بينما حازت استراليا على المرتبة الممتازة اوروبيا تيلها السويد..

لاندري ما هو مفهوم السعادة(الابتسامة) عند هذه المنظمة؟.

لنترك الاجابة على هذا السؤال ودعونا نتفلسف قليلا.

يقولون ان المرأة نصف المجتمع وهي،أي المقولة، كذبة خرقاء اطلقها الرجل ليهش بها على غنمه وله بها مآرب اخرى.

لم تكن المرأة في يوم ما نصف المجتمع العراقي الذي ولد في عشرينات القرن الماضي.

فهي اذا:

دخنت قالوا انها مسترجلة.

اذا مشت لوحدها في الاسواق العامة قالوا “تمشي على حل شعرها”.

اذا ضحكت بصوت عال قالوا انها”فطيرة” ويمكن ان تبقى عانسا طوال حياتها.

اذا ابتسمت لزميلها الموظف اول الصباح ومع بدء الدوام الرسمي قالوا انها تبحث عن “زوج”.

اذا وضعت قليلا من المساحيق على وجهها قالوا انها “تدلع” وماكو رجال يضبطها.

اذا علا صوتها في البيت قالوا انها تبحث عن المشاكل 25 ساعة باليوم.

اذا لبست الحجاب قالوا انها كسولة ولاتريد ان تغسل شعرها فغطته بقماش اسود واذا نزعته قالوا انها في طريقها الى الالحاد.

اذا سألت كثيرا قالوا انها ثرثارة واذا سكتت قالوا انها غبية.

عدا انها عورة وتستحق الضرب شرعا.

واذا … واذا .. واذا.

كل هذه المحرمات وغيرها يمارسها الرجل ،هذا الكائن الاناني، بكل حرية ولا من احد يتقول عليه.

اذن نصف المجتمع العراقي ازيح من مدرستي الابتسام والسعادة ولنذهب الى الرجل الان.

الرجل العراقي منذ تأسيس الدولة العراقية اما مسحوق او جندي في حرب لاعلاقة له بها او موظف بائس ينتظر آخر الشهر ليقبض دنانير مزودة باجنحة طيران سرعان ما تطير في سوق الخضروات.

هذا الرجل ومنذ عشرات السنين يموت يوميا مئات المرات خصوصا اذا كان مريضا بعلة طويل علاجها(هذا طبعا قبل الاحتلال).

هذا الرجل مسروق من: مؤجر البيت، المولدة الاهلية،بائع الخضروات،المدرسون الخصوصيون،القناة الفضائية العراقية، كواتم الصوت واخيرا وليس آخرا التعليم والتربية في المدارس.

ماذا بقى لدينا يساعد على الابتسام؟.

لنترك هذا الامر ايضا لأعداد مناقشته في مجلس البرطمان العراقي.

ونعتقد ان هذه المنظمة لاتعرف قدسية ومهنية المعلومات حين طرحت معلومة ان دبي تحتل الصدارة في خانة دول “السعادة” عربيا.

ان هذا الحكم غير دقيق ابدا واقترح على كاتب التقرير ان يمكث هناك شهرا واحدا لاغير وسيجد:

1-ليست السعادة او الابتسامة ببناء الابراج العالية والتفاخر بها مع السعودية.

2-المواطنون هناك ينقسمون الى قسمين الاول متخم بالثراء الفاحش الى حد اللعنة والثاني مسحوق بالفقر بسبب محاولته التشبه بعلية القوم مما ادى الى تطويق رقبته بقروض لاتنتهي حتى بعد وفاته، ولأنه يريد ان يركب السيارة الفاخرة ويبني بيتا ليس للسكن فقط وانما لدعوة اصدقائه ليروا العز الذي هو فيه، ولأنه يريد ان يقتني آخر الهواتف النقالة .. ولأنه .. ولأنه فقد لفت البنوك حبل القروض حول عنقه فاصبح مسحوقا مخنوقا ياولدي.

لايعرف كاتب هذا التقرير ان هناك مواطنين يعيشون في بيوت من “الجينكو”.

لايعرف كاتب هذه السطور ان عدد المواطنين مع العرب يعادل نسبة 12% من مجموع السكان.

لايعرف كاتب هذه السطور ان غير المواطن ان عاش سنة واحدة او عشرين سنة فهو فرد لاحقوق له ابدا (اقصد حقوق المواطنة)، ولايعرف ايضا ان افتتاح أي نشاط تجاري يشترط ان تكون للمواطن الذي يشترط ان يفتتح النشاط باسمه نسبة 49% من الارباح بدون ان يساهم باي شيء.

واخيرا انه لايعرف ان التمايز الطبقي بين المواطنين انفسهم وبينهم وبين الاجانب يمكن معرفته بوضوح في الدوائر الحكومية والخدمية وحتى في الاماكن العامة ومراكز الشرطة.

هو لايعرف ان المواطن هناك يشعر ان الله فوق وهوعلى الارض.

لا فاصل اليوم فقد اتعبتكم معي.

محمد الرديني (مفكر حر)؟

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.