آمن بقدراتك، ولا تسمح لنفسك أن تقع أسير حدث ما

wafasultan2015حضرت مؤخرا محاضرة لمحاضر ممن يُطلق عليهم في أمريكا
Motivational Speakers،
أي المحاضرالذي يشحذ الهمم ويحقن النفس بروح المثابرة.. وهو عادة مفكر أو عالم نفس أو كاتب معروف، أو مختص في مجال ما! أثناء المحاضرة طلب من الحاضرين أن يأتي إلى المنصة من عاش تجربة ما غيّرت حياته نحو الأفضل، وراح ينتظر أحدا… خرج شاب في أواخر العشرينيات من عمره، مسك الميكرفون ثم بدأ بسرد تجربته: في الثانوية العامة وبينما كنت أحد الأيام في طريقي من المدرسة إلى البيت تشاحنت مع أحد رفاق صفي وكان بيني وبينه عداوة…
كان ضخم الجسم قوي العضلات، وكان الطلاب يعتبرونه “هرقل” المدرسة… فما كان منه إلا أن هجم علي وانهال ضربا مبرحا حتى صار الدم يخرج من كل جزء من جسدي، وساعده بعض الطلاب
في اعتدائه هذا… نُقلت إلى المستشفى وبقيت عدة أيام تحت العلاج… المهم، جاء البوليس وأجرى تحقيقا كان كافيا لينال ذلك الطالب كل العقوبات القانونية من سجن ودفع تعويضات، وطُرد على أثرها من المدرسة! لكن الحدث دمّر أو كاد يدمّر حياتي… لم أستطع أن أتجاوز آلامه النفسية ففشلت على صعيد الدراسة وتركت الجامعة في السنة الأولى وانزويت وأصبحت شخصا كئيبا ليس
لديه أية رغبة في أن يعيش الحياة، رغم كل محاولات أهلي والمرشد النفسي لإنقاذي من آلامي!
أحد الأيام وفي الصباح الباكر اشتريت علبة من الـ
Donuts
(نوع من الكعك يتناوله الأمريكان مع قهوة الصباح) وتوجهت إلى إحدى الحدائق القريبة..
جلست على مقعد تحت شجرة وارفة الظلال وبدأت برشف قهوتي… وإذ بسنجاب يقفز من أحد الأغصان المتدلية فوقي إلى المقعد ويبدأ بالإقتراب من علبة الكعك.. حركت يدي بسرعة فخاف وركض إلى الخلف… لكنه عاد محاولا أن يقترب أكثر من العلبة، فحركت يدي بطريقة أقوى
هرب لدقائق ثم عاد يكرر محاولته.. كان بجانبي كتاب ـ من الوزن الثقيل ـ وكنت أتصفحه، فمسكت به وخبطت السنجاب بكل قوتي… كدت اسمع طقطقة عظامه تحت هول الصدمة… صرخ بصوت يشق الصخر، وراح يئن تحت وجع الضربة… استلقى على قفاه لدرجة خلت عندها أنه فارق الحياة، ورحت أراقبه بشيء من الإنشراح… أحسست أنني انتصرت للمرة الأولى في حياتي…
أحسست أنني أقوى من كائن ما، واعطاني هذا الإحساس إحساسا آخر بالنشوة! لكن لم يمض سوى دقائق حتى بدأ السنجاب يتململ… جمع قوته وحاول الوقوف مرة أخرى… ثم قفز على المقعد وراح يقترب من العلبة… في تلك اللحظة استيقظ شيء ما في داخلي، فتجمدت في مكاني وصمتُ صمت الموت… مدّ السنجاب يديه والتقط كعكة وعاد أدراجه بكل ثقة… جلس قريبا مني وراح يستمتع بقضم كعكته… ذرفت دمعة حارة حرقت خدي، وتساءلت: عشر سنوات مضت وأنا أسير ذلك الحدث التافه، أما هذا المخلوق الضعيف فلقد تجاوز محنة كادت توشك بحياته، وعاد يمارس شغفه بالحياة… نهضت من على المقعد رجلا آخر…. كان أول اتصال لي مع إدارة الجامعة سائلا كيف ومتى أستطيع التسجيل…
….
تابع الشاب يقول: الأغرب من ذلك قد لا يصدقه أحد منكم! بعد حوالي اسبوع من حادثة السنجاب دخلت مطعما، وبينما كنت أتناول وجبتي التقت عيناي بعيني شخص يجلس على الطاولة التي بجانبي.. فأدرت نظري عنه بسرعة البرق! صدقوا أو لا تصدقوا كان الطالب الذي اعتدى علي في ذلك اليوم المشؤوم.. وإذ به يترك طاولته ويقترب من طاولتي قائلا: هل أستطيع أن أصافحك؟ علني أستطيع أن أستعيد حياتي التي فقدتها منذ تلك المشاجرة! مددت يدي وتعانقنا وبكى كل منا…
فاكتشفت أنه كان أسير ذلك الحدث كما كنت…

ثمّ تابع متسائلا: شيء واحد لم أفهمه، لماذا لم يجمعني الزمن به إلا بعد حادثة السنجاب؟؟؟
هل يراقبنا الكون؟؟؟
ويرّد المحاضر: ليس لديّ أدنى شك من أن هناك قوى كونيّة تدفعنا باتجاه أهدافنا، شرط أن نحدّدها أولا ثم نصوّب باتجاهها! لا بدّ أنك كنت أنت وغريمك تتمنيان في أعماقكما أن يأتي يوم وتتحرران به من هذا الكابوس، فرأيتما ذلك اليوم!
*******************
أعزائي القرّاء:
لا تسمحوا لأنفسكم أن تقعوا أسرى الأحداث المؤلمة في حياتكم، بل كونوا كالسناجب التي تستمد من ضعفها قوة كي تمارس شغفها بالحياة… منذ أن سمعت تلك القصة وأنا ابتسم كلما رأيت اسراب السناجب تهجم على كرمنا في محاولة لممارسة شغفها بأكل العنب.. ليس هذا وحسب، بل اكتشفت تلك الشياطين الملائكية طريقة ما لتتسلل إلى قن الدجاج وتأكل كل البيض… لقد تكرموا هذا العام وتركوا لي ست حبات توت، لا غير… اعتدت أن أطاردهم مع ماتشو عبر الجبل، ولكن هم كالدواعش كلما طاردت واحدا خرج عليك ألف.. كم هي المرّات التي احترقت فيها غيظا من تلك الأسراب الخارجة عن كل أعراف الضيافة… لكنني اليوم امارس شغفي بمراقبتها كما تمارس هي شغفها بإغاظتي!
…..
وإذا كان الشيء بالشيء يذكر تذكرت قولا، أعتقد للشاعر الأمريكي
Ralph Waldo Emerson،
في إحدى قصائده: نظر السنجاب إلى الجبل وقال له: لماذا أنت مغرور بحجمك، أتحداك إن كنت تستطيع أن تكسر حبة البندق! فالمعروف عن السناجب أنها تحب البندق وتكسره بسرعة البرق…
العبارة تعني أنك تملك من القدرات الذاتية مايميّزك عن غيرك، حتى ولو شعرت بأنك مجرد سنجاب في مواجهة جبل! لكي تصدق مقولة “ايمرسون” ما عليك إلا أن تراقب كلبنا ماتشو الذي لو هجم على داعش يقضي عليها وهو يطارد تلك المخلوقات الضعيفة والصغيرة الحجم، ويشعر بعجزه وإحباطه أمام قدرتها على الفرار من مخالبه… إنها ضعيفة….ضعيفة جدا، لكنها تكسر حبات البندق… بينما يعجز الجبل عن فعل ذلك، فأيهما أقوى؟ مهما كنت سنجابا تذكر أنك ـ ولا بد ـ تستطيع فعل مالا يستطيع الجبل فعله… آمن بقدراتك، ولا تسمح لنفسك أن تقع أسير حدث ما!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

One Response to آمن بقدراتك، ولا تسمح لنفسك أن تقع أسير حدث ما

  1. رغداء جحجاح says:

    مبدئيا لست مع داعش ولا الدواعش ولست مع كل هذه المهازل
    وبداية مقالك كان جميلاً كأغاني ام كلثوم والتي من خلال الدقائق الاولى يسلطن معها السامع
    وفكرة المقال مقبولة وحلوة ولكن ما أفسد كل ذلك اقحام كلمة الدواعش في المقال بدون مبررات
    والمقام لا يستوجب ذلك بل يمجه ؟
    فما رأيك مثلاً لو سألتك : هل كان السنجاب علوياً ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.