آشور بانيبال يوقد جذوة الشمس

بقلم: آدم دانيال هومه.

آشور بانيبال يوقد جذوة الشمس
بقلم: آدم دانيال هومه.
يتعمّد ببخور معبد أور المقدس
ثم
يتجول مزهواً في أروقة الآلهة
يتواثب كالومض بين مسالك الظلمات
تراوده المعجزات عن نفسها
فيغرس شجرة ضوء في أرض بابل
لكي ينداح في الآفاق عبير التراب
يطل من شرفات التيه
على الوطن المترنح فوق الرمال
ليمسح دموع (لماسو) الجريح
المتمدد على أنصال عتبات بوابات نينوى
ثم يمضي مهفهفاً فوق صهوة جواد النار
نحو موطن أنليل
ليتسلم من آنو مفاتيح السموات.
******
تفوح رائحة البخور من مسامات قصائده
كأنها تنبعث من معبد عشتار المقدس
فهي أشبه بعرائس تنعكس ظلالها على صفحة المياه
أو سحائب من الضوء تتلألأ في مرايا الأرض
أو نقوش مسمارية على أسوار بابل.
******


كان آشور بانيبال
يقود دراجته الليلية في وضح النهار
وهو يحمل أطنان الحروف والكلمات على كتفه
ليوقد جذوة الشمس
ويقيم حفلة وداع للأنوناكي
يؤكد لهم فيها
بأن جميع أمم وشعوب الأرض
تبرعمت من جذع سومر.
******
رياح عاقرة هبّت من الصحراء
في ليلة مظلمة
لا تنجب إلا الموت والدمار
اقتعلت جذوري من أعماق وطني الضامر
ورمتني في فجاج المنافي البعيدة
وطني مهرة يمتطيها كل التواقين إلى
وطن الحور العين والغلمان.
******
أحب كل الأوطان بصدق
ولكن يبقى وطني المزدان بالسنابل والأقحوان
صومعتي المتأرجحة ما بين الأرض والسماء
نذرت له كل قصائدي النبوية.
******
ولكن….
حين صار الوطن سجناً أو منفى
وأصبحت الحرية فيه أضيق من خرم الإبرة
فما كان علي
إلا أن أحمل ذكرياتي
وأرحل.
*******
استحالت الذكريات أسراب حمائم
ترفرف فوق مرافئ المنافي
أحن إلى صبوات قريتي المطرّزة
بالوحول والمستنقعات
أشتاق إلى تلك المقبرة الزاهية
المتلألئة فوق الرابية العابقة بالزهور
وإلى ذلك النهر المنساب بين السحاب
أشعر برعشة أبدية
ونشوة إلهية
وأنا أتصفح ديوان شعر طفولتي.
******
وحده البطل الممسوخ جالس فوق العرش
ومن حوله الشعب يهتف كالأبله الممسوس
يتدثر بأردية الأكاذيب والخرافات
في انتظار المعجزات
وللبطل الممسوخ
جميع التعاويذ والصلوات
والأرض والإنسان
والشعب يقتات أرغفة الأحلام
وينام على وسادة النسيان.
*******
رغم تحرر هذا العصفور البائس
فلم يزل يتوارد في ذاكرته
ذلك القفص الخشبي.
******
ملأ جرار الخمر
وجلس يتنقل من وهم إلى وهم
في انتظار الذين هاجروا الديار
وأغلقوا الأبواب
ورموا المفاتيح في عقر النهر
ليأتوا ويشاركوه مذاق الخمر
ولكن….
نفذت جرار الخمر
وهو لم يزل في انتظارهم.
******
يقف على رمل الشاطئ
يصنع زورقه الورقي
ويضعه على وجه الماء
فيمضي إلى حيث يأخذه التيار
بينما يمخر هو في زورق خياله
إلى جميع موانئ العالم
يلملم أشتات الأطفال المشردين
من كل أنحاء المعمورة
يعيدهم إلى أوطانهم
ليورقوا على حفاف الشمس
وينابيع الخمر والعسل
ويستردون دماءهم المهدورة .
******
أمّاه!…
يا امرأة جُبلت من تراب أوروك
ممزوجاً برحيق البنفسج والبيلسان
فوق أهدابي
تهفهفُ صورتك البهية ليل نهار
منذ فراقك الأبدي
وأنت تتجملين برداء الموت
لا زالت الريح تولول حزناً عليك
ولم تزل أزهار القرنفل
تمسح دموعها بمنديل الريح
ولم يزل على وجنتي هسيس قبلاتك
وما زلتِ كما كنت
تشعين في أروقة القلب والذاكرة
وفي كل إشراقة فجر
ألمح صورتك في مرآة الأزلية
وأركع خشوعاً لرب الأرباب
الساطع في قرص الشمس الأبدية.

About آدم دانيال هومه

آدم دانيال هومه
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.