آخر الرؤساء المسيحيين

النهار اللبنانيةSamir-Geagea

اوكتافيا نصر

أُضعِف موقع الرئاسة الماروني في لبنان إلى حد كبير، وتحوّل منصباً شبه فخري بعد توقيع اتفاق الطائف عام 1990، والذي أدّى إلى تجريده من عدد كبير من صلاحياته التاريخية. في ذلك الوقت، كانت شخصيتان مارونيتان وراء انهيار المناطق المسيحية التي كانت متحرّرة من السيطرة السورية في لبنان، وفي انطلاق حقبة جديدة من الهيمنة السورية، الامر الذي اضطُرّ الأفرقاء كافة إلى التوجّه إلى الطائف في محاولة لإيجاد تسوية. بيد أن المصالحة ترافقت مع وضع صيغة جديدة للدستور غير مؤاتية للمسيحيين.

تسبّب ميشال عون بانقسام في الجيش كما في الحكومة عندما أعلن “حرب التحرير” على نظام الأسد، وكانت تلك خطوة متهوّرة لم يخطط لها جيداً. وعندما عجز عن الفوز في هذه الحرب أو عن الحفاظ على موقعه، حوّل نصف الجيش اللبناني الذي كان لا يزال خاضعاً لسيطرته نحو خوض “حرب الإلغاء” في محاولة للقضاء على حزب “القوات اللبنانية” بقيادة سمير جعجع.
وبما أن الرجلَين اللذين يملك كلاهما عدداً كبيراً من الأتباع، لم يستطيعا التوصّل إلى اتفاق أو تعلّم التعايش معاً أو الاقتتال الى ان يخرج أحدهما منتصراً، قرّرا ببساطة مع أنصارهما والمهلّلين لهما القضاء على ما تبقّى من دور للمسيحيين وكرامتهم.
كانت معركتهما الشخصية الحلقة الأخيرة التي وجهت الضربة القاضية الى اي دورٍ جدّي كان يمكن أن يضطلع به المسيحيون في الجمهورية اللبنانية وسياستها.
وبعدها حلّت أقصى الويلات في القيادة المسيحية، وقُضي على دورها بعدما كانت صانعة قرارات وشريكة متساوية في السياسة وكل الشؤون الأخرى، لجأ عون إلى فرنسا هرباً من الانتقام السوري وعاش في المنفى، في حين مكث جعجع في لبنان وأمضى 11 سنة في السجن بعدما حُكِم عليه لغايات انتقامية.
بعد اغتيال رفيق الحريري، ونشوب ثورة الأرز، وخروج سوريا المذل من لبنان عام 2005، تم التوصّل إلى اتفاق للإفراج عن جعجع والسماح بعودة عون. أياً تكن الجهة التي خطّطت لهذا الأمر، لا بد أنها كانت تعلم تماماً أن كلا الرجلين بارع دائماً في جر المسيحيين الى الحضيض من طريق إثارة الاستقطاب في صفوفهم.
ليس مفاجئاً أنه في أي مبارزة بين عون وجعجع، تتأجّج المشاعر، وتسود الانقسامات، ونتيجةً لذلك يتضاءل دور المسيحيين.
والآن بعد المهزلة الأخيرة، تنطفئ بارقة الأمل الاخيرة في قدرة المسيحيين على الاضطلاع بأي دور مهم. وقد ينسون أيضاً منصب الرئاسة ورمزيّته، لأن رمزية الأسباب التي أدّت إلى الفراغ والذكريات المروّعة التي استُحضِرت لن تُنسى أبداً وستبقى مطبوعة في الذاكرة!

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.