واشنطن تتبع سياسة «الإغواء ثم الهجر» مع ثوار سوريا

الشرق الاوسط

من أسوأ السمات المتكررة للسياسة الخارجية الأميركية تلك العملية التي يمكن وصفها بـ«الإغواء ثم الهجر»، تماما كما يحدث في سوريا الآن.

وتبدأ عملية «الإغواء» بعبارات تأييد شديدة الحماس، فقبل نحو عامين، وبالتحديد في الثامن عشر من أغسطس (آب) 2011، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما: «حان الوقت لأن يتنحى الرئيس الأسد»، لكنه لم يعزز دعوته هذه لتغيير النظام بأية خطة، ودأب على تكرار عبارة «يجب أن يرحل الأسد» من آن لآخر منذ ذلك الحين.

ثم جاءت مرحلة «التودد» من خلال تقديم وعود والتزامات، حيث بدأت وكالة الاستخبارات المركزية العمل مع المعارضة السورية عام 2011، ووفرت لها عمليات التدريب ووسائل المساعدة الأخرى. وعندما بدأت أطراف أخرى تتودد إلى المعارضة السورية (مثل تركيا وقطر)، طاردت الولايات المتحدة هذه الأطراف من خلال تجديد رسائل المودة.

وبعد ذلك، جاءت مرحلة الارتباط الرسمي، ففي الثالث عشر من يونيو (حزيران) أعلن البيت الأبيض أنه سوف سيقدم مساعدة عسكرية للمعارضة، لأن نظام الأسد قد تخطى «الخط الأحمر» باستخدامه الأسلحة الكيماوية، وبدأ الثوار يعدون المخازن لاستقبال شحنات تلك المساعدات – على أمل أن تكون الولايات المتحدة جادة في نواياها هذه المرة.

وماذا بعد؟ ما حدث يشبه القصص الرومانسية غير السعيدة التي يعرف القارئ مسبقا نهايتها، وهو ما يصفه روائيو القرن التاسع عشر في بريطانيا بـ«هجران الحبيب». وكما ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي، فقد تبين أن «خطط الإدارة الأميركية في المسألة السورية كانت أقل بكثير مما تتحدث عنه سرا وعلانية».

تخيل للحظات أنك ثائر سوري يخاطر بحياته منذ عامين على أمل أن يكون أوباما صادقا في وعوده بدعم المعارضة المعتدلة، ليس فقط للانتصار على الأسد، ولكن أيضا لمقاومة الجهاديين الذين يسعون لإدارة البلاد، ثم علمت أن واشنطن لديها رأي آخر الآن! ماذا سيكون رأيك حينئذ في سلوك الولايات المتحدة؟

اسمحوا لي أن أنقل لكم جزءا من رسالة من معارض سوري يقول فيها: «أنا على وشك التخلي عما أقوم به طالما لا يوجد أمل من الحكومة الأميركية. سأشعر حينئذ أنني لست جزءا من هذه العملية السخيفة التي لا معنى لها». وكتب أحد قادة المعارضة السورية لمسؤول أميركي بارز يقول: «لا أجد الكلمات المناسبة لوصف الوضع في سوريا سوى أنه محزن للغاية».

وفي حديثه لصحيفة «ديلي تلغراف»، قال قائد الجيش السوري الحر المعتدل اللواء سليم إدريس بعدما تراجعت بريطانيا، مثلها في ذلك مثل الولايات المتحدة، عن تقديم السلاح للمعارضة: «لا يقدم الغرب سوى وعود جوفاء باتت بمثابة مزحة الآن. ماذا ينتظر أصدقاؤنا في الغرب؟ هل ينتظرون حتى تقوم إيران وحزب الله بقتل الشعب السوري بأكمله؟».

ما يحدث في سوريا ليس شيئا مرضيا، حيث يقاتل المعتدلون من أجل البقاء دون المساعدات الغربية. وكان كمال حمامي، وهو أحد القادة التابعين لإدريس، قد لقي مصرعه الأسبوع الماضي في اللاذقية على أيدي متطرفين على علاقة بتنظيم القاعدة. وخلال الأسبوع الحالي، اجتاحت نفس الجماعة مستودعا تابعا للجيش السوري الحر جنوب الحدود السورية التركية. لقد أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات للقضاء على تنظيم القاعدة في أفغانستان، والطبيعي أن نعتقد أنها ستقوم بالتصدي لـ«القاعدة» في سوريا، ولكنها لا تقوم بذلك!

يحاول المعتدلون البقاء في الوقت الذي تنهار فيه الدولة. وفي منطقة بستان القصر بمحافظة حلب، حاول أحد قادة الجيش السوري الحر ويدعى عبد الجبار عكيدي منع المتطرفين من إعاقة وصول إمدادات الطعام للمدنيين الذين يدعمون النظام. إنه أحد القادة الذين ينتظرون منذ نحو عامين لمساعدات جادة من الغرب، ولكن دون جدوى.

ما يحدث في سوريا الآن أمر مألوف، بل ومهين للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، فعندما تريد واشنطن تغيير حكومة ما، تقوم بتشجيع الثوار للوقوف ضدها، ولكن ما إن يقوم الثوار بذلك، حتى يتراجع صانعو السياسة الأميركية ويدركوا أنهم يفتقرون للتأييد الشعبي، وقد حدث هذا خلال الثورة المجرية عام 1956، وفي خليج الخنازير بكوبا عام 1961، وخلال ربيع براغ عام 1950، وفي نيكاراغوا عام 1984، ناهيك عما حدث في لبنان ولاوس وجنوب العراق.

وفي الروايات الرومانسية للقرن التاسع عشر، كان الحبيب الذي يهجر محبوبته ينال ما يستحق من العقاب، حيث يجد نفسه مصدرا للخزي والعار قبل أن ينهار في النهاية، بينما تنعم الشخصيات المخلصة بنهاية سعيدة، ولكن يبدو أن هذا لا يحدث في السياسة الخارجية.

*خدمة واشنطن بوست

 

About ديفيد إغناتيوس

كاتب اميركي الواشنطن بوست
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.