هزيمة الإخوان المسلمين في مصر وأنتصار التاريخ

أحمد برقاوي : كلنا شركاء

 إعلم أن كل هزيمة للإخوان المسلمين أو ما شابه ذلك هي إنتصار للتاريخ الحقيقي .
فالإخوان المسلمون أو ما شابه ذلك عقل شمولي أيديلوجي إقصائي . وتجربة غزة شاهد على ذلك .
ولعمري إن السؤال الأكثر أهمية هو : كيف تأتى للإخوان المسلمين الذين شاركوا في سيرورة الربيع العربي أن يتحولوا إلى ثورة مضادة ؟ .
شكّل الإخوان المسلمون – عبر تاريخ طويل ومنذ التأسيس – حركة دينية أصولية ساعية لإستلام السلطة لتطبيق الشرعية إعتقاداً منهم أن الإسلام هو الحل .
ورغم قدم هذه الحركة لم تسطع أبداً أن تستولي على السلطة في أي قطر عربي .
كما أن الإخوان واجهوا قمعاً شديداً من جميع السلطات الحاكمة سجناً ومنعاً وأعداماً , ولقد جعلهم هذا التاريخ جزءً مهماً من أي معارضة ضد النظام السياسي القائم في معظم أقطار الوطن العربي .
ما أن أطلّ الربيع العربي بتباشيره حتى إنخرط الإخوان المسلمون في سيرورة هذا الربيع وهم الجماعة الأكثر تنظيماً من بين جماعات هذا الربيع .
وهكذا صار للإخوان مكانة قوية في تحديد مستقبل السلطة الجديدة .
كما أن الجمهور العربي وقد خبر فساد السلطة القديمة وقمعها وترهلها وفقدانها للشرعية وجد الإخوان وما شابه ذلك بديلاً معقولاً وغير مجرب . تقريباً إلا في غزة .
وهكذا صعد الإسلاميون الإخوان بتسميات متعددة إلى سدة السلطة عبر صناديق الإقتراع في المغرب وتونس وليبيا ومصر وحتى أنهم حاولوا السيطرة على لإئتلاف الوطني السوري .
ولقد منعت نشوة الإنتصار التي أحس بها الإخوان زعماء هذه الحركة من التفكير بالمستقبل , تماماً كما جرى مع إخوان غزة .
لقد تعاملوا مع السلطة بوصفها غنيمة منَّ الله عليهم بها عبر الشعب . وراحوا يعملون على إعادة إنتاج السلطة الإستبدادية المدعومة هذه المرة من شريعة الله .
وهكذا لم تمض فترة قصيرة حتى راح الإخوان بعقليتهم الفاشية – السلطوية الأصولية – وبخاصة في مصر – يدمرون التاريخ الموضوعي للحياة تماماً كما فعلت حماس في غزة .
لم يدرك الإخوان أمراً مهماً جداً ألا وهو أن الثورات العربية الحالية و القادمة ليست ثورات من أجل الله بل هي ثورات من أجل الإنسان . كما لم يدركوا أبداً أن إزالة حسني مبارك وبن علي عن السلطة لا تعني إزالة تاريخ التقدم المصري و التونسي . بل إزالة الدكتارويات وليس الإتيان على الحداثة و العلمانية .
وهكذا تحول الإخوان إلى قوى الثورة المضادة . فالثورات التي أشعلها الشعب لم يكن الإخوان هم محركيها أبداً .
إنها ثورات كرامة إنسانية ونزوع نحو الحرية المفقودة وتحرر من العبودية ومن النزعات الشمولية الكاذبة , تحرر من الإضطهاد الطبقي الذي كان ثمرة تحالف السلطة الفاسدة مع الرأسمال الطفيلي .
أراد الإخوان إعادة إنتاج التفرد بالسلطة محتجين بصناديق الإقتراع معتقدين أنه صناديق الإقتراع تطلق يدهم في تدمير الثقافة و القيم الحديثة ومعنى الديمقراطية .
وهذا ما كان في التجربة المصرية .
لم يعِ الإخوان تاريخ الحداثة المصرية التي بدأت منذ القرن التاسع عشر مع محمد علي واستمرت حتى مع تجربة الحزب الوطني الفاسد .
لم يعِ الإخوان قوة الثقافة المصرية المبدعة في المسرح والسينما والفكر و الفلسفة و الأشكال الأخرى . لم يعو قوة المجتمع المدني الذي لم يستطع مبارك ترويضه , فالنقابات في مصر كانت شوكة في عين السلطة القديمة .
كيف يمكن لسلطة آتية بعد ثورة شعبية أن تعادي المثقفين و الصحافيين و القضاة و الكتّاب و الفنانيين و الفلاسفة و المرأة أن لاتكون ثورة مضادة .
كيف يمكن لسلطة جاءت ثمرة ثورة شعبية أن تتدخل في حياة الإنسان عبر دستور يسمح لها بذلك بحجة أن الشعب قد إستفتى على الدستور دون أن تكون تكون صورة من صور الثورة المضادة .
إن الذي أسقط سلطة مبارك ليس مجلس البطاركة الإخواني بل روح الشعب المصري الشاب . الذي أسقط مبارك ليست أرواح العجائز المنتمية إلى عصر مضى , بل الأرواح المتمردة لأجيال وعت على نحو حقيقي عبوديتها وحملت شعلة النار للتحرر من هذه العبودية . ثورة الشعب المصري ثورة ضد كل اللامعقوليات التي سادت أيام سلطة مبارك من أجل تحقيق معقولية الخبز والحرية .
إن عبد الناصر نفسه ما كان قادراً على حكم مصر دون كتلة تاريخية شعبية واسعة مؤلفة من ملايين الفلاحيين والعمال و المثقفين . عبد الناصر الذي حكم مصر في عصر حركات التحرر – رغم كل أخطائه _ كان يدرك حجم مصر التاريخي فراح يفجر مخزونها عبر هذه الكتلة التاريخية . فتحولت مصر إلى منبع ثر للحياة .
في مصر مؤسسات متجذرة لا يمكن العبث بها وتغيير روحها . الجامعة المصرية , القضاء المصري , الجيش المصري , الأمن المصري , الدبلوماسية المصرية , الصحافة المصرية , الفن المصري .
فضلاً عن هذا وذاك هناك ما هو أقوى وأمتن وأعمق ألا وهو : روح الشعب المصري , روح ممتلئ بالحب للوطن , حد العبادة .
والشعب المصري يعتقد إعتقاداً حقيقياً أن مصر أم الدنيا وليس مجرد بلاغة لفظية . شعب يقدّ الفرح في أعلى لحظات الحزن , محب للحياة المعشرية , صبور على الظالم وينفجر كالبركان .
لا يحب العنف ويستهجنه . ثم تأتي سلطة لأخونة مصر .
وأخونة مصر تعني نزع الطابع المصري عن مصر .
وسائل يسأل : لماذا لا تعتقد أن الإخوان في مصر قادرون على الحكم كما هو حال حكم الإسلاميين في تركيا . وقادرون على إنجاز ما أنجزه حزب العدالة من تنمية وتقدم إقتصادي ومكانة عالمية ؟
لا مجال للمقارنة أبداً , فحزب العدالة التركي جاء ثمرة دستور علماني وديمقراطية سائدة ولا يستطيع أن يغير بهذا الدستور قيد أنملة . وبالتالي لم يسع إلى أخونة تركيا ولا يستطيع ذلك أصلاً .
فيما إخوان مصر صاغوا الدستور الذي يساعدهم على أخونة مصر . وحولوا مجلس الشورى إلى مجلس تشريعي , وراحوا يعدون العدة لأخونة كل مجالات الحياة التي سبق وذكرت .
وعندي : أن الثورات العربية الراهنة المنتصرة منها أو تلك التي في طريقها إلى الإنتصار لا معنى لها إطلاقاً دون نظام ديمقراطي – علماني يحقق الحرية والعدالة الإجتماعية بوصفها هدفاً حقيقياً وليس يافطة أيديلوجية .
وإن فكرة الدولة المدنية التي أشاعها الإخوان فكرة ماكرة ولا معنى لها سوى رفض الدولة الديمقراطية – العلمانية .
وإي حركة سياسية ترفض الدولة – الديمقراطية – العلمانية إنما تريد إعادة إنتاج الدولة التسلطية .

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.