سعد الله ونّوس
الرجل الرابع : ( ينتبه إلى اقترابهما يغير الكلام ، ويواصل دون تلعثم … يتابعه الآخرون بخوف ودهشة ) فلما حط الحمال حمولته على تلك المصطبة ليستريح ، خرج عليه من الباب نسيم رائق ( كلما اقترب الحارسان يعلو صوته ) ورائحة ذكية فاستلذ الحمال لذلك ، وجلس على جانب المصطبة ، فسمع نغماً وأوتارا وعودا وأصواتا مطربة ( يتوقف الحارسان قرب الجماعة ) فعندئذ تعجب وتقدم يتبع الصوت. دفع الباب ودخل .. فوجد أمامه بستانا عظيما، ورأى فيه غلمانا وخدما وحشما ، ثم هبطت عليه رائحة أطعمة زكية من جميع الألوان المختلفة والشراب الطيب ، فرفع طرفه إلى السماء ، وقال : ماذا قال ؟ ( يتوقف لحظة ، وكأنه يشوق السامعين ) . 
الحارس 1 : يتسلون ، ويروون حكايات . 
الحارس 2 : أشعر بالجوع . 
الحارس 1 : ( يوالي … بينما يبتعد الحارسان ) قال … سبحانك يا رب يا خالق وعندها لمح صبية ذات حسن وبهاء … 
( يختفي الحارسان ، فيتوقف الرجل الرابع ، يتنهد الجميع بارتياح وكأنهم خروجوا من محنة ، بعضهم يجفف حبات عرق تفصدت من الوجوه ). 
المرأة الأول : ( ساقاها ترتجفان ، فتجلس ) آه … لا تحملني ساقاي بعد. 
المرأة الثانية : عمري ما رأيت سحنة الحراس مخيفة مثل اليوم . 
المرأة الأولى : سحنتهم دائماً مخيفة ولو لم ينظروا إلينا . 
الرجل الأول : ( بما يشبه الحنق ) أرأيت إن كان ضروريا أن نسأل ! . 
الرجل الثاني : لماذا لم تسألهم عن سبب الخلاف ؟. 
الرجل الثالث : ولكنك تصرفت بفطنة أيها الرجل . 
الرجل الرابع : وحق الله أخافهم مثلكم … وشعرت قلبي يكاد أن يتوقف لكن أنظل كالعميان لا نعرف إلى أية مهاو تدفعنا الأحداث . 
المرأة الأولى : ( بعنف ) إذا كنا عميانا ونحن بين أهلنا ، أفضل من أن نعمى في ظلال الزنزانات . 
المرأة الثانية : بالله عليك كفي … ألم تر بعينك ! سنشتري خبزنا ، وننزوي مع أهلنا في بيوتنا . 
الرجل الأول : لدى السادة دائماً أسباب كافية للخلاف أما نحن فلا ناقة لنا ولا جمل ( لغط بين الزبائن ، ثم يتوضح ) . 
زبون 1 : هو بعينه .. 
زبون 2 : الشخص الذي كان مع المملوك . 
زبون 3 : وما يزال يحمل السلم على ظهره . 
زبون 1 : ( بصوت عال ) أخي نزل هذا السلم عن ظهرك . 
الرجل الرابع : ( يقطع التمثيل ملتفتا إلى الزبائن ) آه لو أستطيع . 
زبون 3 : هذه سوسة إذا سكنت الرأي صعب انتزاعها . 
الحكواتي : ( يعلو صوته ، ليسيطر على الموقف ، فيمنع انقطاع خيط الحكاية بالنقاش ) وتناول الرجل العجوز الكلام ، فأورد ما علمته الأيام . 
الرجل الثالث : سأقول لك شيئا … عشت عمرا طويلاً يكفي لكي يتعلم المرء كيف تجري الأمور هنا . مهما اشتدت الخلافات بين سادتنا ، وفرقت بينهم المصالح ، فإنهم يظلون متفقين على شيء واحد ، أتعرف ما هو أيها الرجل الذي لا تنقصه الفطنة ؟. 
الرجل الرابع : أتمنى أن أعرف ما هو . 
الرجل الثالث : هو ألا نتدخل نحن العامة في شؤونهم وخلافاتهم . ولو فعلنا لتوحدوا فورا ، واتجهوا بكل قواهم نحونا . 
المرأة الأولى : وبعدئذ تمتلئ السجون . 
الرجل الثاني : ويختفي الرجل . 
الرجل الرابع : وحق الله وأنا عشت طويلاً ما فات من العمر أكثر مما بقي ، أعرف أن ما تقوله صحيح أعرفه كما أعرف سجون بغداد وسياط جلاديها . 
المرأة الثانية : هل كنت في السجن . 
الرجل الرابع : أي وحق الله كنت فيه . 
المرأة الأولى : ليس غريبا أن تعرف السجون ما دمت تحب كثيراً طرح الأسئلة . 
الرجل الثاني : ( بانتصار ولوم ) أرأيت … هذا كل ما يجنيه المرء في النهاية . 
المرأة الثانية : وبما أنك خرجت اعتبر نفسك مولوداً ، وتعلم الابتعاد عن المشاكل . 
الرجل الرابع : كنت مثلكم أعتقد أن هذا ما ينبغي أن يتعلمه الإنسان كي يجد طريق الأمان . 
الرجل الأول : ثم وسوس لك الشيطان ، فبدلت اعتقادك ، فاستضافتك السجون . 
الرجل الرابع : أي وحق الله قضيت فترة ليست قصيرة في السجون ، ومع هذا فقد ازددت يقينا بأن ما تقولونه لا يقود إلا إلى ما نحن فيه ، نهترئ كالنفايات ، ونجري قلقين كالكلاب الملدوغة ، وندفع ضريبة خلافات لا نعرف أسبابها ولا مغزاها . . 
المرأة الأولى : تلك قسمتنا . 
الرجل الثاني : ستعود حتما إلى السجن . 
المرأة الثانية : تريد أن تودي بنا جميعا . 
المرأة الأولى : أي والله هذا ما تريد أن تفعله . 
الرجل الأول : نحن لا نحب السجون .
الرجل الرابع : وحق الله وأنا مثلكم لا أحب السجن ، ولا أتمنى أن أتذكره . 
الرجل الأول : إذن اترك هذه الشؤون ، وابتعد عنها ما استطعت . 
الرجل الرابع : إلا أني لا أحب أيضاً عيشة الكلاب التي أعيشها ، كما لا أحب أن أدفع رأسي ثمنا لاضطراب لا رأي لي فيه . 
الرجل الأول : وماذا يستطيع أن يفعل مثلك ومثلي الخلاف يدب بين الخليفة ووزيره . 
( هنا ينقسم الممثلون الخمسة إلى مجموعتين يتوزعان الحوار الشبيه بالمونولوج ، إنهم جميعا في مواجهة الرابع … ) . 
المجموعة 1 : مولانا الخليفة عنده حرأسه وقواته . 
المجموعة 2 : وسيدنا الوزير له حرأسه وقواته . 
المجموعة 1 : قد يقع الصدام بين لحظة ولحظة . 
المجموعة 2 : فلماذا نرمي بأنفسنا إلى التهلكة ! . 
المجموعة 1 : الخلاف بين وزير وخليفة . 
المجموعة 2 : لكل منهما قصد وخطة . 
المجموعة 1 : أما نحن فلا ناقة لنا ولا جمل . 
الرجل الرابع : ( يحاول أن يحتفظ بهدوئه ) أراكم تنسون أيها الناس الطيبون أنهما يتعاركان فوق رؤوسنا . 
المجموعة 2 : ننتظر ونرقب النتائج . 
المجموعة 1 : ومن يتزوج أمنا نناديه عمنا . 
المجموعة 2 : هذا هو … من يتزوح أمنا نناديه عمنا . 
( تتدافع من الزبائن تعليقات تختلط بها احتجاجات الرجل الرابع ) . 
زبون 1 : والله … عين الصواب . 
زبون 2 : هذا مقال من يريد راحة البال . 
زبون 1 : صرعة مالنا فيها . 
الرجل الرابع : لا … لن تنجو رؤوسنا . 
زبون 3 : طريق مأمون من قديم الزمان .. من يتزوج أمنا نناديه عمنا . 
الرجل الرابع : فوق رؤوسنا يتعاركان فوق هذه الرؤوس البائسة ستنزل أقسى الضربات ، إننا نتخلى عن رؤوسنا . نسلمها إلى الجلادين ، وأسوأ من الجلادين . 
زبون 1 : انتبهوا يحرضكم على الفتنة . 
زبون 3 : نوع من الرجال يحب إثارة المشاكل، لكي يتفرج بعدئذ على المشاكل . 
المرأة الثانية : بالله عليك افتح جرابك الخطير بعيداً عنا . 
الرجل الثالث : إذا شئت يمكنك أن تتصرف برأسك كما يحلو لك . 
المجموعة : ( تقلد طريقته بالكلام ) وحق الله فكرة . لك رأس كسائر الناس فافعل ما يحلو لك ، واترك رؤوسنا لنا . 
المرأة الأولى : ( صائحة ، تقف فجأة ) أتشمون ! رائحة الخبز . 
أصوات : – الخبز . 
– دوري أنا. 
– أخيراً بعد هذا الانتظار. 
( ينهضون جميعاً باستثناء الرجل الرابع ، الذي يتابعهم بعينين حزينتين يتدفعوا أمام شباك الفرن في هياج وتعجل ) . 
صوت الفران : اتفقوا على الدور أولاً . 
الرجل الثاني : لي بالتأكيد لي : تذكر ألم أكن أول من جاء يطلب خبزاً . 
صوت الفران : ربما . ولكن المهم أن تكونوا بالدور . 
المرأة الأولى : ( راضخة ، تقف وراء الرجل الثاني ) لم تعد هناك شفقة . 
الرجل الثالث : ( يقف آخر الصف ، بينما يظل الرجل الرابع جالساً ) ليأخذ كل دوره ، ذلك أفضل . 
( يبدأ الجميع بالانتظام في صف أمام الشباك كل واحد يشتري خبزه ويمضى ) . 
الرجل الثالث : ( للرابع ) انهض وخذ دورك قبل أن يأتي من يأخذه . 
الرجل الرابع : وحق الله . ليس هذا هو طريق الأمان . 
الرجل الثالث : اشتر خبزك وتحصن في بيتك لن تصلح العالم على كل حال . 
الرجل الرابع : إذن خذ مكانك ، واشتر خبزك . 
( يشتري الناس خبزهم ويمضون مسرعين . يصبح الرجل الثالث عند الشباك فينهض الرجل الرابع متثاقلاً . ويقف وراءه منتظراً دوره ) . 
زبون 2 : أي انهض أخي .. انهض ذلك أفضل . 
(يشتري الرابع بضعة أرغفة ، يدسها في كيسه . ثم يلقي نحو الزبائن نظرة عاتبة وحزينة). 
الرجل الرابع : ( وهو يمضى ) وحق الله . ليس هذا طريق الأمان . 
الحكواتي : هذا ما كان من أهل بغداد ، من استطاع منهم اشترى خبزه ومضى مسرعا إلى بيته ، أما قصر الوزير محمد العبدلي فلم تكن تهدأ فيه الحركة ، مماليك ينزلون إلى المدينة ، ويعودون إلى الوزير بالأخبار يدخلون ديوانه ، ويخرجون مرتعدين يتبعهم السباب والصياح الغاضب ، لكن لا يمر بعض الوقت حتى يأتي الأمر بالنزول مرة.
أخرى إلى المدينة ، فيذهب من يتسقط الأنباء ، ويراقب مجرى الحال وشاعت في الأروقة أخبار وحكايات وكان الجميع يتمنون لو تظل الأحداث بعيدة عنهم . فلا تقربهم أو تصيبهم . لكن ” جابر سمع خبرا سال له لعابه ، فجأة رأى الأبواب مفتوحة أمامه ، فاندفع يجري وراء أحلامه . 
زبون : المملوك جابر نفسه . 
زبون 2 : لابد أنه خبر هام حتى يهتم له جابر . 
زبون 1 : هات يا عم مونس ما هذا الخبر ؟. 
الحكواتى : انتظروا وسيأتي الجواب . 
الخادم : ( منتهزا الفرسة يدور بموقد الفحم ) نارة . 
زبون : هنا يا أبا محمد . 
الخادم : حاضر . 
( أثناء الحوار السابق ، يعود بنا المشهد إلى رواق في قصر الوزير .. يظهر المملوك ياسر طويل القامة ، وافر الصحة ، وجهه عريض تطفو على ملامحه بلادة توحي بالجلافة والطيبة . يمشي مهرولا ، حاملاً على وجهه أمارات الاضطراب والفزع يلتقي بالمملوك جابر ، ويكاد أن يصطدم به . 
ياسر : يا حفيظ . 
جابر : مالك يظن من يراك أنهم حشوا مؤخرتك فلفلاً أحمر . 
ياسر : يا حفيظ تحدث في هذه المدينة أمور جسيمة . 
جابر : ماذا أصابكم اليوم جميعاً ؟ لن تقول إنه يوم الحشر . 
ياسر : لا أدري إذا كان يوم الحشر أم لا ، لكني أكاد لا أصدق أني خرجت من الديوان بسلام . ( يمسح العرق عن جبينه ) . شعرت روحي تنخطف من جسدي . 
جابر ؟: أكاد أعتقد أن سيدنا الوزير تقمصه عفريت قل لي … هل نبت في رأسه قرنان ، أم تدلى من فمه نابان ؟. 
ياسر : أتمزح ! آه لو ترى وجهه وهو يتلون ويحتقن . نظر إلى وكأنه يريد أن يمسحني عن وجه الأرض . يا حفيظ لو تعثرت قدماي في الخروج لرمى عنقي دون تأخير ولو أعرف ما ذنبي هل أستطيع أن أكذب ، كل الناس يعرون أن أبواب بغداد أصبحت مسدودة ، وأن الحراس ينتشرون عليها كأنهم جند الموت ؟. 
جابر : أي حراس . 
ياسر : حراس مولانا الخليفة يا حفيظ أن أحداثا رهيبة تقع حولنا . سمعت أن الخليفة لم يغادر البلاط هذه الليلة ، ولم ينم لحظة واحدة . . 
جابر : ولم ؟ هل خاف أن يجردوه من سرواله وهو نائم . 
(يقترب منهما منصور ، وينضم إليهما ) . 
ياسر : بل كان … ( يتوقف فجأة ، وكأنه اكتشف شيئاً مزعجاً ) يا حفيظ ما زلت تمزح ؟. 
جابر : الطاعون يفتك ببغداد يا منصور أصبحت الرعية كلها تشتغل بالسياسة . 
ياسر : ( فزعا ) أأنا أشتغل بالسياسة ! كنت أروي ما سمعت لا أكثر . 
منصور : لا تلق بالا إليه ألا تعرف لسانه ، ألديك أنباء جديد ؟. 
ياسر : كل الناس يقولون … إن مولانا الخليفة لم ينم لحظة واحدة هذه الليلة ( يخفض صوته ) ظل مجتمعا بقواد الأمن حتى الصباح . 
منصور : كنت أعلم أنها لن تنتهي ببساطة . 
ياسر : يبدو أنهم اتخذوا قرارات خطيرة فمع طلوع النهار خرج الحراس من القصر يحملون عتادهم ، وكأنهم يمضون إلى الحرب . اخترقوا الشوارع فأرهبوا الناس ، ثم انتشروا على أبواب المدينة ، أصبح الخروج من بغداد أصعب من دخول الجمل في ثقب الإبرة . جابر : إجراء يوفر على الخليفة بناء سجون جديدة . 
منصور : أرأيتهم بعينيك ؟. 
ياسر : رأيتهم ! يا حفيظ . منذ قليل كنت هناك سيدنا الوزير منزعج للغاية ، أرسلني كي أتجسس له ، وأخبره بما يجري على الأبواب ، وعندما أخبرته غضب مني ولكن ماذا أفعل ؟ هل أستطيع أن أكذب ؟ وصفت له ما يحدث دون زيادة أو نقصان . رأيتهم بعيني بقفون على كل الأبواب . 
ويفتشون كل من يحاول الخروج تفتيشا أدق من حساب الآخرة يا حفيظ ، يرتعد المرء كأنه أمام الموت ، لا يتركون جيبا أو ثنية . جردوا بعض الناس من ملابسهم ومزقوا بطانتها ، والويل لمن يتباطأ أو يحتج . 
جابر : والنساء أيضاً ! . 
ياسر : لا يفرقون بين رجل وامرأة . 
جابر ( عابثا يقلد ياسر ) يا حفيظ. 
منصور : إذن يتوقعون أن يتسرب شيء هام من بغداد . 
ياسر : هام وخطير . 
هناك رسالة تحوم راغبة في الخروج . 
منصور : أهو سيدنا الوزير؟. 
ياسر : لم يعد ذلك سراً … عندما علم بأمر الحراس وإغلاق المدينة احمر وجهه ، وتدافعت من فمه الكلمات يا حفيظ ، الغضب عدو الحذر . 
منصور : هذه المرة ستمضي الفتنة إلى نهايتا .. قل لي .. أتعرف إلى أين سيبعث الوزير رسالته ؟. 
جابر : تسأله وكأنه كاتم أسرار الدولة . 
ياسر : يا حفيظ .. ومن أين لي أن أعرف ! كل ما أستطيع تأكيده هو أن الرسالة هامة وخطيرة للغاية ، كاد الوزير أن يصاب بالفالج عندما علم بإجراءات مولانا الخليفة ، لا شك أنه يعطي أي شي من أجل وصول هذه الرسالة . 
جابر : ( ينتبه .. ويبدأ اهتمامه بما يحكي ) ماذا قلت ؟. 
ياسر : ( كأنه فوجئ ) ماذا قلت ؟. 
جابر : أعد .. أعد ما قلته . 
ياسر : إنك تربكني .. قلت إن سيدنا الوزير يعطي أي شيء من أجل وصول هذه الرسالة. 
جابر : ( ساهما ) يعطي أي شيء ! . 
منصور : الحوادث تجري بسرعة ، ولا أحد يعلم ما يدبر حولنا . 
جابر : هل وعد سيدنا بمكافأة معينة ؟. 
ياسر : مكافأة ! أتقول مكافأة ! من يخرج بهذه الرسالة يستطيع أن يتمنى على سيدنا الوزير ما يشاء . 
جابر : أيرفعه مرتبة لو طلب ذلك ؟ . 
جابر : ( والبريق يشتد في عينيه ) يعطيه كيسا مليئاً بالذهب ؟ . 
ياسر : يعطيه أكياساً … ولكن من يجرؤ على المخاطرة ! يا حفيظ … سيصبح حاملها جثة قبل أن يخطو خطوة واحدة خارج بغداد . . 
منصور : ولك جابر … أراك تهتم بالأمر ماذا يدور في ذهنك ؟. 
جابر : يدور شيء باهر يا منصور ، ولكن انتظر .. لتر مرة أخرى كيف يتم التفتيش ؟. 
ياسر : لا تسأل عن التفتيش .. قلت لك أدق من حساب الآخرة . ينبغي أن تذهب وترى بنفسك يا حفيظ … لا يتركون شيئاً على الإطلاق . رأيتهم بعيني يمزقون رغيف خبز نتفة ، نتفة ، خشية أن يكون فيه شيء مخبوء ، الثياب والأحذية .. وفوق ذلك الاستجوابات الدقيقة ، لا .. لا .. تأمل شيئاً ، الهواء نفسه لا يستطيع أن يمر من بين أيديهم . 
جابر : مع هذا قد تكون الحيلة أبرع من الهواء . 
منصور : ( لاهثا ) جابر – بماذا تفكر ؟ . 
جابر : أفكر بأشياء يا منصور أشياء مثيرة يختلط فيها وهج الذهب وعطر زمرد وعلو المقام ( إلى ياسر ) أمتأكد أنت سيدنا الوزير لن يرد طلبا لمن يحمل رسالته ؟ . 
ياسر : متأكد كوجودي يا حفيظ .. ربما كان مستعدا لأكثر من ذلك . 
جابر : سأبحث عن الإلهام يا منصور إني بحاجة إليه الآن . ألم أقل لك .. قد نقبض بدلاً من أن ندفع . إذا ظل رأسي ملتهبا كما هو الآن ، فلن تضيع الفرصة . 
منصور : لا تكن أحمق .. رغم كل شيء لا أريد أن يصيبك سوء إنك تتبع غواية مهلكة . 
جابر : كل شيء يتعلق بهذا اللهيب الذي اتقد به رأسي فجأة اشملني بدعواتك وأنت تصلي .. ( ويمضى مغنيا وسط ذهول الآخرين ) . عندما أصبح للمسلمين خليفة . سأسميك وزيراً للدولة . عندما أصبح للمسلمين خليفة .. سأسميك وزياً … ( ويختفي بعيداً ) . . 
منصور : أي جنون ! . 
ياسر : ( تغلف وجهه البلاهة ) أتعتقد أنه . 
جاد ؟. 
منصور : إنك لا تعرف إذن . 
ياسر : يا حفيظ .. لو رأى الحراس لخاف من مجرد التفكير . 
منصور : ( وهو ينصرف ) اللهم أتم علينا خير النهاية . 
ياسر : ( يتوقف لحظة شبه مذهول ، ثم ينصرف بدوره ) يا حفيظ .. 
( يخرج الاثنان حاملين معهما قطع الديكور ) . 
