مضادة : العقل / الإيمان … الحرف / الروح في المفهوم المسيحي الأرثوذكسي

العقل :
[ الفلسفة أُعطِيت مباشرة من الله لليونانيين إلي أن يتجسدالرب…الفلسفة كانت لليونانيين مثل الناموس الذي قاد العبرانيين إلي المسيح…اللوغوس ( كلمة الله ) صار إنساناً، حتي ما تتعلم أنت من إنسان ( أي عندما تري الله ظاهراً في الجسد) كيف يمكن في أي وقت أن يصبح أيُّ إنسان إلهاً (بالتبني لله) ] ( القديس كليمنضس الاسكندري ). المعرفة الإنسانية ليست بعيدة عن مجال عمل الكلمة أو اللوغوس . وهي بالفطرة تستطيع أن تميز الله لأنه خالقها وهي تحمل بصمته ” اَلثَّوْرُ يَعْرِفُ قَانِيَهُ وَالْحِمَارُ مِعْلَفَ صَاحِبِهِ، أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَلاَ يَعْرِفُ. شَعْبِي لاَ يَفْهَمُ “ ( أشعياء 3:1 ). إن المعرفة الإنسانية تنير الإنسان لكي يتقدم في معرفته بالله . العقل في المسيحية هو محطة إستقبال من محطات كثيرة نحترمها كلها ولكن لا نعبدها. العقل أَعَّد البشر لقبول ظهور الله وإعلانه عن نفسه في المسيح يسوع ربنا. ولكنه يظل يحتاج الي الأسفار المقدسة و إعلانات الروح القدس من خلال الذهن. إن الصياغات العقلية للإيمان المسيحي ليست هي روح الإيمان المسيحي، و لكنها جزء فقط من التعبير المسيحي . الإيمان المسيحي ليس ضد العقل و لكنه فوق العقل .
الله شخص و ليس كتاب و شريعة :
المسيحيه ليست دين . فهي ليست طريق يؤدي إلي الله بواسطة قواعد وشريعة وفروض . والمسيحية لاتعتمد علي ذراع بشر لذلك لاتجد في دعوتها تكتل وعنصرية وتحزب . المسيحية هي دعوة لقبول أبوة الله وخلاصه وحبه من خلال إبنه الوحيد كلمة الله . لذلك فكمال المسيحية فيها ، لأنها تبدأ بقبول شخص الرب الذي تسعي إليه . فالمسيحية هي النهاية في حد ذاتها . و البداية فيها، هي سَبْق تذوُق للنهاية بالإضافة إلي الشهادة للحق الذي فيها . لذلك لا قلق في المسيحية علي نتائج و مستقبل لأنها النهاية . نحن نؤمن بشخص هو الله . هنا الإيمان علاقة مع إلهنا و ليس عقد حرفي كتابي . نحن لا نُملي علي شخص الله من كتابه الوعود التي نُلِزمه بها ، بل ما يُعلِنه لنا شخصياً . نحن هنا نتعلق بالشخص قبل الوعد، و نتعلق بالوعد الذي يرسله لا بالوعد الذي نَختاره .
نحن لسنا أهل كتاب أو شريعة بل أهل يسوع المسيح :
إبن الله الوحيد – كلمة الله – قد تجسد من العذراء مريم في ملء الزمان . لذلك هو لم يملي أو يرسل كتاباً يتكلم عن الله لأنه هو كلمة الله المتجسد” اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ ( ليس حروف ونصوص بل روح وحياة فيه تتجسد فينا علي مثاله )“ ( يوحنا 63:6 ). الكنيسة ليست وليدة نصوص ولا كتاب بل وليدة الروح القدس وجراح المسيح . و الكتب جزء من حياة الكنيسة و تنهداتها الفكرية والعقلية والروحية . المسيح لم يُملِي كتباً لأنه هو هو شخص اللوجوس / الكلمة الذي يَتوق أن يحِّل فينا بروحه القدوس فيحيا فينا علي مثال تجسده . هذا هو معني تجسُد الكلمة ، أن المسيح يسكن قلوبنا اللحمية ، وليس بَعدْ كلمات مكتوبة في ألواح حجرية كما في العهد القديم .”وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا ( فينا ) “( يوحنا 14:1 ) .”هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْهَدُهُ مَعَهُمْ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ، أَجْعَلُ نَوَامِيسِي فِي قُلُوبِهِمْ وَأَكْتُبُهَا فِي أَذْهَانِهِمْ“ ( العبرانيين 16:10).” ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لاَ بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ اللهِ الْحَيِّ، لاَ فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ “ ( 2 كورنثوس 3:3) .
العلاقة بشخص المسيح – وليس الحرف – تفسِّر الإنجيل :
” فَإِنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ ( فينا بالروح القدس) هِيَ ( نفهم بها ) رُوحُ النُّبُوَّةِ ( لاحرفها)“ ( رؤيا 10:19) .
المسيحية ليست ديانة و نصوص، بل علاقة مع شخص هو كلمة الله المتجسد يسوع المسيح ابن الله. وهي التي تفسِّر نصوص الكتاب المقدس وتحكم فهمنا لنص كلماته بحسب ما أظهره لنا في تجسده و مازال . هذا نسميه ” التقليد “. فكلمات مثل غضب وعدل و عقاب الله مثلاً لا نفسرها بحسب مفهوم العدل عند البشر ثم نحصر الله في هذه المفاهيم البشرية. بل نفهم عدل الله وغضبه كما مارسه هو في علاقته بنا في تجسده و بذله ، إنعكاساً لمحبته وحنانه ورحمته، وليس إنتقاماً وقتلاً.
خادم الكلمة و خدمة الكلمة :
من هنا نفهم قول الأب متي المسكين [ خدمة كلمة الرب لا تعنى إستخدامها، بل خدمة الكلمة تعنى أن نحنى ظهرنا وعنقنا لها فتستخدمنا هى حسب قصد الذى أرسلها. وخادم الكلمة لا يسير أمامها ولكنه يتبعها ليس بفكره فقط ، بل بكل إحساسه وشعوره . هو لا يقحم فكره الخاص عليها ولكن ينتظر أن تسبق هى وتقتحم الفكر والقلب والمشاعر و تقود الكل إلى فكر الله . الكلمة ليست وسيلة فى فمنا نُصلح بها الناس ونقُّومهم ولكن الصحيح هو أن فمنا وحياتنا وسيلة للكلمة تُصلِح هي بواسطتنا حياة الناس ] .
الروح القدس هو بطل الكنيسة الذي يقودها . فماذا عن سلطة الكهنوت !
و تطبيقاً لِما سبق يقول الأب مايندروف عميد كلية فلاديميراللاهوتية الارثوذوكسية بنيويورك [ إن المسيحية الأرثوذكسية ترى أنه ليست السلطة هى التى تجعل الكنيسة هى الكنيسة ، لكن الروح القدس وحده العامل فى الكنيسة كجسد المسيح ، مُحققِاً حضور المسيح سرائرياً وسط الناس وفى الناس . أما السلطة متمثلة فى الأساقفة والمجامع والكتاب المقدس فما هى إلا تعبيرات عن هذا الحضور الإلهى للمسيح . لذلك فالسلطة ليست بديلاً عن غاية الحياة فى المسيح التى هى إختبار الحياة فى ملكوت الله الذى أتى بقوة والذى سيأتى فى نهاية الدهور . إن السلطان الروحى لا يكون بفرض معرفة عقلية على الإنسان المسيحى فأمام السؤال : ” كيف أعرف ؟ ” يأتى الرد المسيحى الصحيح : « تَعَالَ وَانْظُرْ » ( يوحنا 46:1) ] .
إن عودة الروح القدس لمركز الكنيسة و إخلاء مراكز السلطة المعتمِدة علي التحزّب للحرف الذي يقتل ، هي التوبة بذاتها، لِتعود الكنيسة خاضعة للروح القدس. نعم لدينا آباء كنيسة و تاريخ كنسي ونذكر مرشيدنا ” إِنْ لَمْ تَعْرِفِي أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ، فَاخْرُجِي عَلَى آثَارِ الْغَنَمِ، وَارْعَيْ جِدَاءَكِ عِنْدَ مَسَاكِنِ الرُّعَاةِ.“ (نشيد الأنشاد 8:1) ، لكننا لا نؤله التاريخ و لا نعبد الأفراد. فالروح القدس هو مرشد الكنيسة في جهادها اليومي . و المسيح و تصُّوره في جسد الكنيسة هو هدفنا لمجد الله الاب. هذه هي حرية الروح القدس في المسيح التي حررنا بها المسيح فصرنا بنيناً بعد أن كنا عبيداً. لكن إن عُدنا وأهملنا الروح القدس وعبدنا الحروف دون المسيح ، ووضعنا الخطية وليس النعمة بيننا وبين المسيح، نرجع للشريعه وعبودية الحرف مرة أخري. إن أكبر خِدعة للشيطان تبعدنا عن الروح القدس والمسيح هي خدعة الحرف وصراعات الفكر الإنساني الذي لم يتمسحن ويتروحن . و السبح لله .
بقلم د. رءوف إدوارد

About رءوف إدوارد

د.رءوف إدوارد كاتب قبطي ليبرالي حر
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.