مذابح الأفغان في إيران

صباح الموسوي

مابين إيران والأفغان ثارات قديمة خلفتها حروب ومجازر عديدة دارت بينهما على مدى عصور ويبدو ان الزمان عجز عن محو آثارها من ذاكرة الطرفين لا سيما الإيرانيين منهم الذين مازالت عقدة سقوط الدولة الصفوية على يد الأفغان الغلزائين (1722-1729م) بقيادة المير محمود تأجج مشاعرهم وتثير فيهم نار الغضب الطائفي والعنصري التي لم تتمكن مجازر نادر شاه أفشار، (النصف الاول من القرن الثاني عشر الهجري (1100-1199هـ) القرن الثامن عشر الميلادي (1700-1799م)، ضد الأفغان من إطفاءها ولهذا بقية حالة الكراهية تحكم نظرة الإيرانيين للأفغان الذين رغم فظاعة المجازر التي تعرضوا لها على يد إسماعيل الصفوي و نادرشاه و من تبعهم من حكام بلاد فارس، بقوا محافظين على هويتهم القومية و خصوصيتهم المذهبية السنية وعجز الإيرانيون من تحويلهم تابعين لهم.

لقد تسبب الاحتلال السوفييتي لأفغانستان (25 ديسمبر1979- فبراير1989م) في هجرة أفغانية جماعية لإيران التي فتحت حدودها للمهاجرين و احتضنت العديد من جماعات المجاهدين بهدف استخدامهم ورقة في علاقاتها مع الاتحاد السوفييتي التي كانت بحاجة ماسة لسلاحه في حربها مع العراق و كانت إيران كل ما أرادت التقرب من موسكو ضغطت على الأفغان للحد من نشاطهم وإذا أرادت الضغط على موسكو أرخت الحبل للأفغان و فتحت حدودها للمجاهدين لتصعيد عملياتهم ضد القوات السوفيتية وفي تلك المرحلة كانت مخيمات المهاجرين الأفغان داخل الأراضي الإيرانية هي من يدفع ثمن هذه المتاجرة السياسية حيث كان المهاجرون يتعرضون لأقسى الظروف المعيشية وقد شهدت بعض مخيماتهم ظروفا قاسية لا تقل عن قساوة ظروف معسكرات الاعتقال التي أقامها النازيون في الحرب العالمية الثانية لليهود و الشيوعيون والسلاف و غيرهم.

بعد انتهاء الاحتلال السوفييتي سعى الكثير من المهاجرين الأفغان العودة الى بلادهم ولكن السلطات الإيرانية التي كانت تتلقى المساعدات من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بالعملة الصعبة مقابل استضافتها للأفغان، منعت سكان بعض المخيمات من العودة لبلادهم لكي لا تفقد العملة الصعبة التي كانت بحاجة إليها من جهة ومن جهة أخرى كان اشتعال الحرب بين الجماعات الأفغانية قد اوجد حاجة إيرانية جديدة لهؤلاء المهاجرين حيث كان يتم تجندي الشباب و الرجال منهم في صفوف الجماعات الأفغانية الموالية لإيران بشكل قسري و تبقى عوائلهم من النساء والأطفال شبه رهائن داخل مخيمات الهجرة.

ة كان الشارع الإيراني هو الآخر ينظر الى الأفغان نظرة دونيويعاملهم بشكل مزري للغاية حيث كان الأفغان الذين استطاعوا الوصول الى المدن الإيرانية الرئيسية بحثا عن العمل لتحسين ظروفهم المعيشية والهروب من التطوع الإجباري في صفوف الجماعات المتقاتلة، يتلقون معاملة قاسية جدا من قبل الشارع الإيراني حيث ارتكبت أعمال مختلفة ضد هؤلاء الأفغان ليس اقلها عدم أعطائهم أجور الخدمة وممارسات غير إنسانية أخرى.

وفي عام 1998م شهد احد مخيمات اعتقال المهاجرين الأفغان المسمى ” سفید سنك ” و الواقع قرب مدينة مشهد في إقليم خراسان انتفاضة ضد الظروف القاسية والإجراءات التي كانت تمارس ضد سكان المخيم لإجبارهم على التطوع في قوات ما كان يسمى ” تحالف الشمال” لمحاربة حكومة طالبان وقد قامت السلطات الإيرانية باستخدام القوة المفرطة لإخماد تلك انتفاضة حد استخدام الطائرات المروحية مما أسفر عن مقتل أكثر من “2000” أفغانياَ بينهم العديد من النساء والأطفال دفنوا في مقبرة جماعية.

هذه المجزرة وغيرها من الأحداث الدامية الأخرى التي تعرضت لها مخيمات المهاجرين الأفغان في إيران، دفع بفنانون وإعلاميون ومؤرخون أفغان لتوثيقها على شكل أفلام وكتب و مسلسلات تلفزيونية وقد لقيت هذه الخطوة دعما من سياسيين و برلمانيون و زعماء قبليون و دينيون أفغان. و كان آخر ما أنتج في هذا الإطار فيلم يصور مجزرة مخيم ” سفید سنك ” و يمثل دور البطولة في هذا الفيلم ” داوود عظیمی” احد ابرز الناجين من تلك المجزرة إضافة الى عدداً من الممثلين الأفغان الذين عاشوا في إيران وشاهدوا معانة أبناء جلدتهم عن قرب. يضاف الى ذلك صدور كتاب جديد يؤرخ لمعانات الأفغان في إيران ويقدم وثائق ومستندات عن مجزرة راح ضحيتها خمسة الآف سجين أفغاني تم دفنهم أحياء في مقبرة جماعية وقد استضافت احد القنوات التلفزيونية الأفغانية مؤخرا اثنين من الصحفيين المؤلفين لهذا الكتاب. الحديث عن معانات مخيمات المهاجرين الأفغان في إيران ربما لا يدركها إلا المهاجرون العراقيين الذين عاشوا حياة المخيمات في إيران و الذين لم تشفع لهم شيعيتهم وتأييدهم لنظام الخميني في التخلص من مرارة تلك المخيمات و ذلتها.

هذه الأحداث وغيرها التي بقيت بعيدة عن أنظار العالم والرأي العام العربي والإسلامي لو تم كشف المزيد منها من المؤكد أنها سوف تساهم في إيضاح الصورة الحقيقية للنظام الإيراني الذي يحاول من خلال الشعارات والفبركة الإعلامية والتلبس بالدين التستر على جرائمه المرتكبة بحق أبناء الأقلية المذهبية والقومية في إيران إضافة الى قيامه بإشعال نار الفتن بين أبناء الشعوب المجاورة خدمة لأطماعه التوسعية في المنطقة.

About هيثم هاشم

ولد في العراق عام 1954 خريج علوم سياسية عمل كمدير لعدة شركات و مشاريع في العالم العربي مهتم بالفكر الانساني والشأن العربي و ازالة الوهم و الفهم الخاطئ و المقصود ضد الثقافة العربية و الاسلامية. يعتمد اسلوب المزج بين المعطيات التراثية و التطرق المرح للتأمل في السياق و اضهار المعاني الكامنة . يرى ان التراث و الفكر الانساني هو نهر متواصل و ان شعوب منطقتنا لها اثار و ا ضحة ولكنها مغيبة و مشوهة و يسعى لمعالجة هذا التمييز بتناول الصور من نواحي متعددة لرسم الصورة النهائية التي هي حالة مستمرة. يهدف الى تنوير الفكر و العقول من خلال دعوتهم الى ساحة النقاش ولاكن في نفس الوقت يحقنهم بجرعات من الارث الجميل الذي نسوه . تحياتي لك وشكرا تحياتي الى كل من يحب العراق العظيم والسلام عليكم
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.