كنتور نعيمة

 لو كان صورة الدولاب “الكنتور” الذي تسكن فيه نعيمة محسن مع ثلاثة بنات من احفادها منشورة في الصومال او ارتيريا او حتى في قرية شمالابور الهندية لما استغرب القوم فشعوب هذه البلدان وغيرها اعتادوا العيش في كراتين وياكلون من المزابل حتى انهم لايقبلون الان اي تغيير في حياتهم من قبل حكوماتهم المشبعة بالانانية.

ولكن هذه الصورة ياناس منشورة في صحف العوراق.. هذاالعوراق الذي اتخم حد اللعنة بالدولارات ومازالت نعيمة وغيرها يعشن في الكراتين.

لنحتكم الى ضمير المالكي ونساله كيف ترضى وانت راعي هذه الامة لامراة تعيش هي وثلاثة من احفادها في دولاب؟.

نعيمة طاعنة في السن،اضطرت بعد سقوط الامطار في كربلاء ان تلجا الى الاستعانة بدولاب كارتوني لتسكن فيه مع احفادها بعد ان جرفت الامطار بيتها المتواضع.

نعيمة من تلكم العراقيات اللواتي ابتلين بالنكد الذي يظهر بين حين واخر خصوصا وان حكومتنا الموقرة لاتعرف اصلا بان هناك امراة تدعى نعيمة بل ان بعضهم يعرف جيدا مادلين مطر وهيفاء وهبي و… استغفر الله العظيم.

توفي زوج نعيمة بعد صراع طويل مع المرض ثم توفيت ابنتها لتترك لها 3 بنات لاتعرف كيف تهيؤ لهن سبل العيش،ثم جاءت الامطار لتكمل على ماتبقى ولم يكن امامها سوى السكن في داخل دولاب هي والبنات الثلاثة بعد ان تبرع اهل الخير بتنظيمه.

دولاب او كنتور نعيمة الان يقبع في مكان منفرد مابين حي شهداء سيف سعد وحي النصر في كربلاء.

هل نتجاوز بالقول اذا صببنا جام غضبنا على اصحاب العمائم؟ هل نعذر هؤلاء الذين ياتون اسبوعيا الى المراقد المقدسة ليجمعوا اطنان الدنانير في شوالات (كواني) كبيرة الحجم؟ الا يستحي هؤلاء حين تقول نعيمة انها ومنذ ان سكنت في هذا الكنتور لم يزرها احد من المسؤولين.

اما يستحي هؤلاء؟ لماذا يستحون يانعيمة فالوقت عندهم

من الذهب بل هو الذهب نفسه.

اسالك، بالله عليك يانعيمة، ايهما افضل ان يزوروك ويبحثون احتياجاتك انت والقوارير اللواتي يسكن معك ام يبداون صباحهم بالتدقيق في المشاريع غير المكتملة والمشاريع المقبلة وكم حصتهم فيها؟.

كلنا، وانت واحدة منا، نعرف الاجابة.. فهم يعرفون الله اذا فتحت لهم ابواب النهب والسلب ولايعرفون نعيمة بعد ذلك الا اللهم حين يزورهم احد كبار المسؤولين بعد ان يعرف القصة ماسكا العصا ليضربهم على مؤخراتهم الواحد تلو الاخر.

حينها ستعيشين يانعيمة في بيت مجاور لبيت السيد المحافظ ومابين الساعة والساعة ياتيك” عضو” من مجلس المحافظة ومن وراءه سائقان يحملان لك مالذ وطاب وحين ترفضين يحلف بالطلاق اذا لم تقبلي هذه الهدية.

وتضحكين يانعيمة في سرك فانت تعرفين جيدا ان هذا”العضو”غير متزوج وبعدها ياتيك مدير البلدية بعد ان ادى صلاة الجمعة ليريك خرائط السكن ويطلب منك بل ويتوسل ان تختاري اي قطعة سكنية والتي سيبنيها باقل من لمح البصر.

وليس غريبا ان ياتي اليك احد النواب عن كربلاء حاملا لك المشروبات الباردة من سفن اب وكوكا كولا وميرندا وعصير العنب الجاف ولا تستغربي حين يعود الى بغداد ويصرح في مؤتمر صحفي بانه تولى بنفسه حل مشكلتك.

فاصل : يرحون فدوى كل ساكني المنطقة الخضراء وكل المرجعيات التي تدعي النبل والطهارة وكل مسؤول متنفذ في مجلس محافظة كربلاء لدمعة من دمعات نعيمة.تواصل مع محمد الرديني فيسبوك

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.